Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

انتفاضة ثالثة في الأفق.. شمس الجليل

انتفاضة ثالثة في الأفق.. شمس الجليل

  منذ أن استوطنوا أرضنا كانت قطعان المستوطنين تسلب وتنهب وتخرّب وتضرب وتقتل. لم يتغير هذا يوماً. لكن هذه المرة كانت مختلفة، كان القتل وحشياً والحقد الذي دفعهم لحرق محمد أبو خضير حيّاً

ـ وهو لم يتجاوز 16 من عمره ـ أكثر من ان يتزحلق عن أذاننا، واشتعلت القدس غضباً؛ اشتعلت بهم يريدون الانتقام والدم، واشتعلت بنا نحمي ما تبقى منا وما تبقى لنا!

من الصعب أن نبدأ من نقطة محددة بعينها لنحدد سبب الاحتقان والغضب الذي ما لبث أن انفجر مجدداً في وجه الاحتلال، لكن الأكيد أن استشهاد الفتى محمد أبو خضير من القدس كان شرارة اشعلت القدس والضفة وأراضي 48 من جديد!

كل الصور عادت من الانتفاضة الثانية كأنها تستأنف حديثاً قطع فيما مضى. المواجهات، الغضب المنطلق من القدس لينتشر شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً، الجو المحتقن بالحقد المكبوت «عليهم» وبكاء الامهات بصمت على محمد. في الانتفاضة الثانية بكوا على «محمد» آخر كان محمد الدرّة. كنا صغاراً حينها ولم نسمع التهديد شخصيا، لكننا هذه المرة نتلقاه بأنفسنا: تهديدات للطلاب العرب بالقتل تصلهم بشتى الطرق، قطعان المستوطنين تدخل القرى والمدن العربية داخل "الخط الأخضر" في محاولات متكررة لخطف الاطفال والاعتداء على السكان العرب. ماذا بقي لنا لنخسره؟

ابت روح محمد، الفتى المقدسي، أن تغادر فلسطين، ظلّت تحوم بين أزقة القرى والمدن الفلسطينية لتجمع أهلها أخوة في الدم؛ الطلاب العرب الذين يدرسون في الجامعة العبرية (وهم من مناطق 48) اصطفوا طوابير للتبرع بالدم ومساعدة الاطباء حين اعلن مشفى «المقاصد» في القدس الشرقية حاجته للدم ولمتطوعين اثر المواجهات التي لم تتوقف والجرحى والمصابين الذين لم يتوقف تدفقهم، ايضا تدفق المتطوعين من الطلاب والسكان لم يتوقف. وفي الداخل، انتفض المثلث كذلك، لمن لا يعرف ما هو المثلث، فهو اسم اطلق على تجمع كبير لمدن وقرى عربية في الداخل المحتل (6 مدن رئيسية و21 قرية)، تقع في مركز البلاد غرب الضفة الغربية، وسابقاً لم يكن يفصل المثلث عن الضفة الغربية شيء، اما الان فيفصل جدار الحقد الصهيوني بين الام وابنتها اذا تزوجت في الجهة المقابلة! في لحظة ما، تقسمت الى لحظات كثر، اشتعل المثلث كذلك، وانضم الى القدس والضفة وغزة التي امطرت مستوطنات الجنوب سيولاً من صواريخ استجدى الاحتلال توقفها. ومن المثلث خرج الناس في «رهط» جنوباً الى «طرعان» شمالاً.

اما حيث لم يخرج الناس بعد، فهناك شعور خفي بالعار، لماذا لم نخرج بعد؟ يتساءلون، يحرضون بعضهم، يصنعون الخطط للمواجهة من دون التعرض للاعتقال ويرصون الصفوف. يجهزون لجو شبيه بالذي كان خلال الانتفاضة الثانية ويستخلصون العبر. جميعنا نريد انتفاضة ثالثة، الكل يردد اليوم: «اذا ما خربت ما بتعمر»!

والحقد الصهيوني الذي يدفع الاف المستوطنين للشوارع وهم يرددون «الموت للعرب»، هذا الحقد الذي يجعلهم يحاولون اختطاف الاطفال مرة بعد مرة، الحقد نفسه الذي يدفع الاف الجنود لإغراق شبكات التواصل بصورهم وهم يطالبون بالثأر والانتقام من العرب، هو نفسه المغذي لثورتنا، هو نفسه الذي يدفعنا هنا لمقاومة المحتل والسعي للانتصار عليه، فالحرب الان حرب بقاء!

فجأة تقف وحدك عارياً امام حقيقة «زملائك»: بالعمل، الدراسة، جيرانك (اذا كنت تسكن احدى المدن المختلطة)؛ تصلك من حيث لا تدري التهديدات، تهددك باسرتك، بابنائك، بمستقبلك، باملاكك... كنت تعرف أنهم لا يحبونك، وأنت لم تحبهم يوماً كذلك، لكنك لم تكن تعرف أنه من الممكن أن ينفجر حقدهم جماعياً هكذا، وقحا هكذا في لحظة واحدة. وهم يسترخصون دمك، أنت بنظرهم مجرد «نفس» في جسد ولست «روحاً طاهرة» مثلهم، هكذا تنظر اليك تعاليمهم، هكذا يعبئون رؤوس اطفالهم المجرمين منذ الصغر؛ لأنك لست منهم، فانت لا تختلف عن الحيوانات، وهم وحدهم «البشر». تتذكر تعطشهم للدماء، وتحمد الربّ كثيراً أنك لست مثلهم!

كل ما حولنا يعمل لمصلحة اندلاع انتفاضة ثالثة؛ «إسرائيل» فقدت «شرعيتها» بضرب غزة، وفقدت السيطرة على الوضع الداخلي (حتى الان على الاقل)، وحتى ان احكمت السيطرة، فان سعار المستوطنين وتعطشهم للدماء يجعل من المستحيل أن يتوقف فلسطيني عن القتال، ليحمي ابناءه واهله، لأننا إن أردنا أن نلخص السعار الصهيوني تجاه الفلسطينيين فيمكننا أن نشرحه بكلمتين: تعطش للدماء. وإن أردنا أن نسهب يمكننا أن نقول من دون مبالغة أن التهديد وصل كل بيت عربي في فلسطين التاريخية، ولأنه لم يعد لدينا ما نخسره إلا حياتنا، فإننا لا بد أن نحيا ونحن ندافع عن أنفسنا وأهلنا أو نهلك دون

ذلك!

لم يحتج الأمر في نهاية المطاف لأية دعوة أو صفحة فيسبوك أو «ستاتس»، كل ما احتاجه أن تستيقظ فينا فطرة الفدائي، تلك الفطرة التي تجمعنا اخوة في الدم والوطن المسبي، وتجعلنا مهما طال علينا الظلم، نصطف طوابير لمساعدة من هُدمت بيوتهم.

عندما رأينا قتلنا بوحشية مجدداً (يقال أن الانتفاضة الأولى أيضاً اندلعت بسبب عملية انتقام قام بها مستوطن بحق فلسطينيين في قطاع غزة)، عندما حُرمنا من دخول الاقصى مجدداً (الانتفاضة الثانية اندلعت بسبب دخول شارون إلى الأقصى)، عندها لم يعد لدينا ما نخسره! غير أن الجواب النهائي إن كانت تلك الانتفاضة الثالثة ستتم أم لا يجيب عليه الشارع وحده، والشباب الذين يواجهون الرصاص الحي والمطاطي بصدور عارية، ويردون على قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع بمفرقعات الافراح والزجاجات الحارقة، فإن لم يستمع الشباب الى «الاصوات» النشاز التي تدعو «لعدم الانجرار نحو العنف» او تلك التي تدعو إلى «التعايش المشترك»، أو التي «تلوم الفلسطينيين على ما حدث فهم من خطفوا المستوطنين أولاً»، او تلك التي تحبط من عزيمتهم بالقول «إن الشعب غير جاهز لانتفاضة ثالثة»، أو «إن الثمن الذي سندفعه سيكون باهظاً»، أو «إن الشارع الفلسطيني اليوم لا يشكل بيئة حاضنة لمواجهة كهذه لأنه ركن إلى السلم طويلاً ولأن القيادات متخاذلة»، إن لم يستمعوا لكل هذه الاصوات وعملوا بفطرتهم السليمة وحدها، متسائلين سؤالاً او اثنين؛ ماذا بقي لدينا لنخسر؟ هل ستحتلنا «إسرائيل» مثلاً؟ سيعرفون الاجابة وسيجيدون الرد.