ثمة تساؤلات تطرح نفسها إزاء حكومة ترامب القادمة، والجديد المنتظر الذي يمكن أن يطرأ على الأرض مع تولي ترامب، وما الدور الذي يمكن أن تقوم به الشخصيات المختارة في إشعال ملفات مهمة في المنطقة أو تسويتها؟
اتضحت تشكيلة حكومة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وبدأ اختيار فريقه الجديد وتوزيع المناصب، والمؤشرات الأولية المتداولة تشير إلى أن كثيرين ممن شملتهم التشكيلة هم من المدرسة الصقورية، ويؤيدون "إسرائيل" بشكل واضح وصريح، ومنحاززن إليها بشدة، وهذا أمر ليس بالجديد.
هو المعيار الثابت في السياسة الأميركية، وتعاقب الإدارات فيها أيا كانت ديمقراطية أو جمهورية، واختيارات مثل هذه تعطي مؤشراً على كيفية سير رئاسته في الفترة المقبلة، فكيف سيكون المشهد إزاء ملفات جوهرية في المنطقة، أبرزها الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، أو حتى في العلاقة بإيران.
ثمة تساؤلات تطرح نفسها إزاء حكومة ترامب القادمة، والجديد المنتظر الذي يمكن أن يطرأ على الأرض مع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية فعلياً؟ وما الدور الذي يمكن أن تقوم به الشخصيات المختارة في إشعال ملفات مهمة في المنطقة أو تسويتها؟
وعد ترامب ممولي حملته الانتخابية بضم الضفة الغربية تحت السيادة والسيطرة الإسرائيلية، كما سبق أن وعدهم بضم القدس والجولان السوري في ولايته الأولى قبل سنوات.
التوقف عند بعض أبرز الشخصيات التي اختارها ترامب في إدارته الجديدة لا يبشر بخير، ومن أبرز تلك الشخصيات سفيره الجديد المرشح لدى "إسرائيل" مايك هاكابي، الذي أصدر مواقف صريحة تجاه القضية الفلسطينية، والذي قال بشكل واضح إنه لا يعترف بشيء اسمه فلسطين، ولا يستبعد ضم الضفة الغربية إلى "إسرائيل".
وزير الدفاع الأميركي الجديد، بيتر خيغسيت، الذي عمل مذيعاً في "فوكس نيوز" الأميركية الداعمة للمتطرفين اليمينيين، يرى أن الصهيونية وأميركا شيء واحد، ويزعم أن الإنجيل أعطى أرض فلسطين كاملة لليهود، وهو من الشخصيات التي أشهرت معاداتها للإسلام، ويُعَد من الداعين إلى شن حملة صليبية لحماية القيم المسيحية اليهودية، ودعا في كتابة الأخير، الذي نشر صيف 2024، إلى تغيير اسم وزارة الدفاع الأميركية إلى وزارة الحرب، وهو الاسم الذي كان يُطلَق عليها قبل عام 1947.
ماذا يعني إعلان ضم الضفة الغربية إلى "إسرائيل"؟
إعلان ضم الضفة الغربية إلى "إسرائيل" يعني فتح النار وضرب الطلقة الأخيرة على مشروع السلطة الفلسطينية وتقويض مشروعها السياسي، وستصبح حينها الضفة الغربية جزءاً لا يتجزأ من مشروع "إسرائيل" الكبرى وفق الرؤية الإسرائيلية القائمة على حسم الصراع مع الفلسطينيين، وما يتبقى هو عبارة عن كانتونات صغيرة للفلسطينيين، وهذا تترتب عليه معطيات جديدة على الأرض تجاه البدء في تنفيذ مشروع التهجير للأردن وفق الخطة الإسرائيلية المعلنة، كما سينعكس على الوضع في غزة التي تخوض حرباً لأكثر من سنة كاملة وستعمل على تفريغ غزة من سكانها وتهجيرهم إلى مصر ، ثم تأتي الخطوة الاستراتيجية الأهم في تتويج مشروع ترامب المقبل والقائم على دعم المشروع العربي الاقتصادي لإتمام صفقة القرن والمقايضة مع السعودية لاستكمال مشروع اتفاقيات التطبيع، وهي جاهزة لذلك.
معروف أن الملفات التي ستتركها إدارة بايدن وستلقي بها في وجه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ملفات ثقيلة، وهي التي أشعلت ودعمت الحروب في المنطقة، سواء على صعيد الحرب مع أوكرانيا، أو في العلاقة بإيران، أو حتى الحرب في لبنان وغزة.
ملاحَظ أن شخصيات في الإدارة الأميركية المنتخبة بدأت بالفعل العمل في سياق السياسة الخارجية قبل أن تستلم فعلياً، وبحسب ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية حديثاً فإن عضو إدارة ترامب إيلون ماسك التقى مؤخراً سفير إيران لدى الأمم المتحدة سعيد إيرفاني بهدف بحث ما سمته خفض التوترات بين واشنطن وطهران، ومثل هذا اللقاء له دلالة مهمة، وله تفسيران، الأول إما استكشاف مواقف إيران تجاه ما يجري من حرب في المنطقة والبناء عليه، وإما أن إدارة ترامب لا تريد التورط في الحروب كما فعل الديمقراطيون في عهد بايدن، وستعمل على عقد مساومات أو صفقات تتعلق بملفات المنطقة، وعلى رأسها ملف إيران.
المعادلة مع حزب الله الذي يخوض حرب الدفاع عن لبنان وفلسطين مغايرة تماماً، وباتت أكثر وضوحاً في تحدي حزب الله لهذه الإدارة القادمة حتى قبل تسلمها. وما رفعه وتيرة فوهة النار خلال الأيام القليلة الماضية واستهداف مقر وزارة الحرب الإسرائيلية للمرة الأولى إلا رسالة مفادها أن الحزب ماضٍ فيما انطلق عليه قبل أكثر من عام ، ويدير المعركة بحكمة واقتدار وتحكم في الميدان والأهداف، وقادر على توسيع الحرب وضرب أهدافه بدقة إذا أراد، ويبعث رسالة مفادها: إذا كانت الإدارة الأميركية المنتخبة ترغب في خفض التوترات فإنه تقع عليها مسؤولية الضغط على "إسرائيل" لإنهاء الحرب في لبنان وغزة.
دبلوماسياً، إذا توقفنا أيضاً عند فريق اختيار الشخصيات في إدارة ترامب، فسنجد أن مستشاره مسعد بولص أيضاً لبناني الجنسية، وهو ما يطرح تساؤلاً في هذا السياق: هل ينجح في إحداث اختراق دبلوماسي ويؤثر في توجهات ترامب إزاء قضية الحرب الدائرة، سواء تجاه القضية الفلسطينية أو القضايا العربية الأخرى، أم ستحاصره اللوبيات الصهيونية وتكبح جهوده وتحدّ حضورَه وتأثيره داخل البيت الأبيض؟ هذا بكل تأكيد ما ستجيب عنه الفترة المقبلة بعد تسلم حكومة ترامب مقاليد الحكم في أميركا.
على رغم كل ما قيل ويقال وأمام تصريحات الحكومة الترامبية المقبلة ومخططاتها، سواء تجاه القضية الفلسطينية أو ملفات المنطقة الأخرى، فإن الثابت في المشهد هو أصحاب الأرض والحق. وإطلاق إدارة ترامب كثيراً من الوعود والمخططات أمر سهل، لكن الأمر الصعب عليها هو تطبيق ما تريد أمام استمرار جذوة المقاومة وروحها في قطاع غزة، ومؤشرات اشتعالها في الضفة الغربية أكبر، ومع استمرار اشتعال الجبهة الشمالية مع حزب الله في لبنان وتمسكه بشروطه، وعجز "إسرائيل" عن إخماد الحرب أو حسمها لمصلحتها على رغم مرور أكثر من عام عليها.
سؤال بات يتردد كثيراً في الأوساط السياسية: هل ينجح ترامب فيما فشل فيه بايدن؟ الإجابة: لن ينجحوا فيما فشل فيه من سبقهم، فللأرض أصحاب وهوية، والمقاومة باقية متجذرة في فلسطين، ولبنان، وسُنن الحياة ماضية، وتقول إنها ستتواصل وستحبط كل مخططات ترامب وحكومته، ومن لف لفيفهما من العرب، وهذا ما يجعل المنطقة تعيش حالاً من الترقب الحذر بشأن سلوك الإدارة الأميركية المنتخبة، وأي طريق يمكن أن تختار وتسير، في طريق التسويات والصفقات، أم في تأجيج مزيد من الصراع في المنطقة نحو إشعال مزيد من الحروب.