في قراءة هذا الباحث، فإن قضية اللاجئين ووكالة أونروا هما في نظر الفلسطينيين التعبير الملموس عن رفضهم ما حدث في عام 1948 (النكبة والتشريد). ولذا فتفكيك "أونروا" وتصفية ظاهرة اللجوء هما بمثابة مؤشر إلى "بدء إسرائيل العمل للمرة الأولى ضد
لا تخفي مصادر إسرائيلية مقرّبة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن الهجوم على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) جزء من محاولة قديمة - متجدّدة، ترمي إلى دفن حق العودة الفلسطيني.
وقبل أيام، نشر باحث في معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجيا الصهيونية (يميني) ألف قبل ستة أعوام مع باحثة إسرائيلية من حزب العمل الإسرائيلي كتاباً بعنوان "حرب حقّ العودة: المعركة حول مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وكيف يمكن لإسرائيل الانتصار فيها"، مقالة شدّد فيها على أنه بغضّ النظر عمّن سيحكم قطاع غزة، في "اليوم التالي" للحرب، على إسرائيل التمسّك بألّا يوجد في غزّة لاجئ فلسطيني واحد، ولا مخيمات لاجئين، ولا وكالة إغاثة.
وفي قراءة هذا الباحث، فإن قضية اللاجئين ووكالة أونروا هما في نظر الفلسطينيين التعبير الملموس عن رفضهم ما حدث في عام 1948 (النكبة والتشريد). ولذا فتفكيك "أونروا" وتصفية ظاهرة اللجوء هما بمثابة مؤشر إلى "بدء إسرائيل العمل للمرة الأولى ضد نيات الفلسطينيين وليس فقط ضد قدراتهم"، على حدّ تعبيره.
من الأمور المثبتة في الماضي، استنادا إلى جميع جولات المحادثات الإسرائيلية - الفلسطينية، أن هناك تباينات طفيفة في مواقف أحزاب دولة الاحتلال بشأن مسألتي الحدود الدائمة ومستقبل القدس، في حين أن هناك إجماعًا على رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الذي هجروا عنه عنوة تطبيقًا لحقّ العودة، بموازاة إجماع على أنّ "الحلّ الأوحد" لقضية هؤلاء اللاجئين هو التوطين.
وهو إجماع عابر للأحزاب، وإذا ما تركّزنا بالطرف "اليساريّ" من الخريطة السياسية الإسرائيلية، نستعيد، مثلًا، موقف رئيس "مركز بيرس للسلام"، أوري سافير، الذي سبق أن تولى رئاسة الوفد الإسرائيلي خلال مفاوضات أوسلو ومنصب المدير العام لوزارة الخارجية، حين كتب إثر مؤتمر أنابوليس (2007)، مقالة شدّد في سياقها على أنّ الإسرائيليين باتوا يعرفون في ذلك الوقت، عمليًّا، ملامح الاتفاق الدائم. ولفت إلى أنّ حلّ قضية اللاجئين يمكن أن يتمّ بواسطة عودة قسم منهم إلى دولة فلسطينية، قال إنّ حدودها الدائمة ستقرّ على أساس خطوط 1967 مع تعديلات متبادلة، وتعويض القسم الآخر منهم وتوطينه في دول متعدّدة بحسب قوانين كل دولة، "وهو ما سيخوّلنا أن نمارس حقّ النقض ضد دخول سكان فلسطينيين إلى إسرائيل"!
وأشرنا مرات عدّة بأن ما يعرف باسم "قضية اليهود العرب"، التي سبق أن أبدى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن تعاطفه معها، يجري تجييشها لمصلحة تزكية حلّ التوطين. وقبل نحو عقد، كتب رئيس الغرفة التجارية والصناعية الإسرائيلية - المصرية، وهو يهوديّ أصله مصريّ، أنّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وجدت حلًّا عمليًّا لها منذ نشوئها. وأوضح كيفية ذلك بالقول: رغم أن 700 ألف لاجئ فلسطيني اضطروا إلى مغادرة بيوتهم في 1948 وهذا لا خلاف عليه، نميل إلى أن ننسى ونقلّل من أهمية حادثة تاريخية أخرى لا تقل رُعبًا هي أنه في تلك الفترة اضطرّ 1.5 مليون يهودي من الدول العربية إلى مغادرة بيوتهم.
وأنا واحد من هؤلاء اللاجئين، وأحببت بيتي في مصر لا أقل مما أحبّ اللاجئ الفلسطيني بيته في يافا. وحُلّت المشكلة من خلال تبادل السكان والمعاناة، فاللاجئون الفلسطينيون عانوا الأمرّين، ونحن عانينا، وحان الوقت لإغلاق ملف الماضي والنظر نحو المستقبل.
لعلّ الأمر الأهم هو الدلالة الكامنة في هذه المواقف، والتي تحيل إلى حقيقة أن جميع الدعوات والمبادرات والذرائع بهذا الشأن مشدودة برباط وثيق إلى جذر أساسي واحد، هو رفض حقّ العودة. ويجدر تذكير أن يوسي بيلين، أحد أبرز مهندسي اتفاقيات أوسلو، ألحّ في عام 2002 على أن تنتقل المفاوضات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين من التمحور حول حق العودة إلى التمحور حول "مشكلة اللاجئين". وغير خاف أن الهدف من وراء مطالبته هذه سياسيّ أولاً وقبل أي شيء، ويعكس الإصرار الإسرائيلي على رفض الاعتراف بأن للفلسطينيين حقّاً في وطنهم الذي اغتصب وما زال يغتصب.