Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الاحتلال يسرّع مسلسل الضمّ: تهجير الفلسطينيين هدفاً ثابتاً

فلسطين اليوم

«نغيّر بالفعل البنية التحتية - القانونية والملكية القانونية - ونغيّر الحمض النووي للنظام. نفعل ذلك ببطء، وبشكل احترافي. ونفعل ذلك كعملية (بشكل مستمر ومتواصل)... إن النتائج ستثبت أننا قمنا بعمل مبهر». الكلام المتقدّم هو لوزير المالية، والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، في مقابلة أجراها مع قناة المستوطنين الرابعة عشرة. أمّا توقيت حديثه فليس إلا الشهر الفائت، بعد نحو أسبوعين من تسلّم اللواء الآتي من تحضيرية «عيلي» العسكرية - معقل المتطرفين -، آفي بلوط، منصبه الجديد قائداً لقيادة المنطقة الوسطى. وما كلامه بالمناسبة إلا لتوضيح المخطط الذي تعزّز بتسلّم حكومة «المعسكر المؤمن» السلطة نهاية عام 2022، والهادف إلى تغيير الواقع في الضفة الغربية، نحو الحسم والضم جذرياً، لصالح المشروع الاستيطاني.ولأن الضم والإحلال أساسهما تهجير السكان، تحت ذريعة «العمليات العسكرية الهادفة إلى القضاء على البنى التحتية للإرهابيين»، بدأ جيش الاحتلال وجهاز «الشاباك» و«حرس الحدود»، ليل الإثنين - الثلاثاء، عدواناً واسع النطاق وُصف بأنه الأكبر منذ عملية «السور الواقي» في مخيمات الضفة الغربية، هدفه كما ادّعى وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، إحباط «البنية التحتية الإسلامية - الإيرانية»، بزعم أن «إيران تعمل على إنشاء جبهة إرهابية شرقية ضد إسرائيل في يهودا والسامرة، على غرار غزة ولبنان، من خلال تمويل المخرّبين وتسليحهم، بأسلحة مهرّبة من الأردن». لكن ما أضافه كاتس في منشور على منصّة «إكس»، يجلّي الهدف العميق للعملية؛ إذ قال إن «علينا أن نتعامل مع هذا التهديد مثلما نتعامل مع البنية التحتية الإرهابية في غزة، بما في ذلك إخلاء مؤقّت للسكان الفلسطينيين وأي خطوة ضرورية أخرى. وهذه حرب بكل ما يعني ذلك وعلينا أن ننتصر فيها».
إذاً، تستعد إسرائيل لـ«إخلاء» الفلسطينيين، بينما لا يوجد في قاموسها ولا في تاريخها أي «إخلاء مؤقّت»، بل تهجير فحسب. ويقترن هذا التهجير، مع مخطط إضافي يحضّر له الجيش الإسرائيلي لنشر جنوده على الحدود مع الأردن من بيسان حتى إيلات، بادّعاء إحباط «التهديد الآتي من الشرق»، فيما قد يكون الهدف الخفي من ذلك هو بالفعل تهجير الفلسطينيين إلى الأردن والحؤول دون عودتهم إلى الضفة، من خلال تمتين الحاجز البشري العسكري بوجههم. وبالعموم، ليس بالإمكان مقارنة المقاومة في الضفة مع تلك التي في غزة لأسباب عديدة منها سيطرة إسرائيل على جميع المعابر والحدود والحواجز في الأراضي المحتلة، وتقسيمها إياها جغرافياً من خلال التوسّع الاستيطاني، إضافة إلى العمل الذي تؤديه السلطة الفلسطينية كأداة تنفيذية للاحتلال بإحباط عمليات المقاومة واعتقال المقاومين. وإذ لا ينفي ما تقدّم، أن ثمة بنية تحتية مقاومة في الضفة، تطوّرت أساليبها وعملياتها منذ سنوات، فإن اعتبارها تهديداً وجودياً ينبغي التصرف معه من خلال إعلان حرب، يستبطن محاولة لتعظيم «الخطر»، بهدف تمرير السياسات الإحلالية وتوسيع المشروع الاستيطاني.

المخطط القاضي بإسكان مليون مستوطن في الضفة، يحتاج إلى بيئة جاذبة، يقع في صلبها تثبيت الشعور بالأمن


والواقع أن الاتفاقيات الائتلافية التي وُقّعت عند تشكيل الحكومة، كانت واضحة تماماً باعتبارها خطّة عمل مفصّلة لضم الضفة إلى «السيادة» الإسرائيلية. ولتطبيق ذلك، عُيّن سموتريتش في منصب مستحدث في وزارة الأمن، تقاسم بموجبه الصلاحيات مع وزير الأمن، يوآف غالانت، ليُمنح بعدها الأول صلاحيات واسعة على مختلف جوانب الحياة المدنية في الضفة، والتي نُقلت للمرة الأولى من الجيش إلى وزارات الحكومة الإسرائيلية، في خطوة شكّلت المنطلق نحو تغيير طبيعة السيطرة الإسرائيلية على الضفة، إذ نشأ نظام مدني منفصل لا يتبع لقائد المنطقة الوسطى في الجيش، بل لإدارة المستوطنات، وهو عبارة عن هيئة حكومية جديدة أُقيمت داخل وزارة الأمن، ويرأسها زميل سموتريش، يهودا إلياهو، أحد مؤسّسي منظمة «ريغافيم» الاستيطانية. وتقوم هذه الإدارة بنقل التقارير مباشرة إلى سموتريتش، وتسيطر على غالبية مجالات الحياة المدنية في الضفة؛ حيث تصمم السياسات الحكومية التي بموجبها يُسيَّر عمل «الإدارة المدنية»، كما تتولى إدارة التخطيط وإنفاذ القانون على البناء غير القانوني، وسياسات إدارة الأراضي بما يشمل تخصيصها، وتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين، وتقديم الخدمات الحكومية لهم.
وفي إطار مخطط تغيير طبيعة الحكم في الضفة، وتثبيت التوسّع الاستيطاني حتّى خارج المنطقة «ج» والتي تشكل نحو 60% من مساحة الأراضي الفلسطينية، قرّرت الحكومة الإسرائيلية في حزيران/يونيو من العام الفائت، أن تعدّل القرار الحكومي «150، 1996». وقد أتاح التعديل الجديد تخطي الموافقات المطلوبة من المستويات الحكومية على المراحل المتعلّقة بإجراءات تخطيط المستوطنات وتوسعتها، ومن ضمن ذلك توسيع البؤر الاستيطانية باعتبارها امتداداً للمستوطنات القائمة. وبحسب التعديل، بمجرد أن يوافق مسؤول حكومي على الترويج لمخطط بناء في منطقة ما، يصبح قراره سارياً من دون الحصول على موافقة إضافية من المستوى السياسي. وبما أن سموتريتش هو وزير في وزارة الأمن، فقد بات يوافق على إجراء المخططات، بسهولة أكبر حتى مما هو قائم في داخل إسرائيل نفسها. وبهذا، طرأ توسع كبير على المشروع الاستيطاني، وخصوصاً لناحية الموافقة على تشريع البؤر الاستيطانية، وإقامة بؤر جديدة، فضلاً عن الموافقة على إنشاء آلاف الوحدات الجديدة، والإعلان عن مساحات شاسعة كـ«أراضي دولة».
على أن المخطط القاضي بإسكان مليون مستوطن في الضفة، وفق ما أعلنه وزراء ومسؤولون حكوميون، يحتاج إلى بيئة جاذبة للمستوطنين، يقع في صلبها تثبيت الشعور بالأمن، الذي من دونه يتهدد الخطر مستقبل المشروع الاسيتطاني برمّته. ولذا، لا يمكن لإسرائيل أن تتعايش مع واقع تتطور فيه عمليات المقاومة الفلسطينية، والتي تهدف إلى إشغال العدو، وإبقاء جذوة الاشتباك مشتعلة كردّ طبيعي على الاحتلال المستمر للأرض أساساً. وعلى هذه الخلفية، فإن النطاق الجغرافي للعملية العسكرية التي بدأها الجيش، يتقاطع مع المخطط الاستيطاني في شماليّ الضفة والأغوار، حيث المناطق الأكثر كثافة بالسكان الفلسطينيين، والأقل كثافة استيطانية مقارنة بغيرها من مناطق الضفة.
من هنا، فإن هدف العملية ليس أمنياً فحسب، بل تغيير الواقع السكاني، واستكمال حرب الإبادة وتهجير الفلسطينيين، خصوصاً أنه بإمكان جيش الاحتلال تنفيذ ضربات جويّة مُركّزة في الضفة، من دون اجتياح مخيماتها برياً. وبالنتيجة، فإن المستهدف في هذه المرحلة هو كل الوجود الفلسطيني، وفي مقدّمته المخيمات، أي جوهر الحق الفلسطيني في الأرض، وحيث أولئك الذين هُجّروا من أراضيهم خلال نكبة عام 1948. والعملية ليست إلا حلقة من سلسلة المخطط الأوسع الهادف إلى سيطرة إسرائيل وتسيّدها على كل الأرض الفلسطينية، وهي تجلّ لمفاعيل سيطرة التيار الصهيوني الديني على جميع مفاصل الدولة والحكم والجيش، وكشْفه عن وجه إسرائيل الحقيقي.