Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

تقدير موقف: المشهد الاستراتيجي العام!

فلسطين اليوم//وكالات

لا يبدو مسعى نتنياهو، وشركاه، للحصول على صورة نصر بعد عشرة أشهر من القتال، موضوع خلاف بين مراقبي المشهد الإسرائيلي. لذا، ومع هذا في الذهن، لا يصعب إدراج اغتيال أحد كبار القادة العسكريين لحزب الله، في بيروت، ورئيس المكتب السياسي لحماس، في طهران، في قائمة الإنجاز التكتيكي المحدود.
ومع ذلك، لم، ولن، يغيّر هذا الأمر خارطة القوى على الأرض، بطريقة قد تُسهم في حسم الحرب، وتحقيق أهدافها. ولعل في مجرد الحاجة الملحة للحصول على صورة نصر، حتى وإن كان مجرّد إنجاز تكتيكي محدود من ناحية، وفشل الإنجاز نفسه في الإيحاء بحسم الحرب، أو التعجيل بتحقيق أهدافها من ناحية ثانية، ما يعزز شكوكاً، ما انفكت تتراكم، بشأن تدهور قوّة الردع الإسرائيلية، على الصعيد الاستراتيجي العام.
ولن نجد، بالتأكيد، وسيلة إيضاح للتدليل على أمر كهذا أفضل من «المفاوضات» الجارية، مباشرة ومداورة، في السر والعلن، بين معسكر إسرائيل وحلفائها في الإقليم والعالم، بقيادة الولايات المتحدة، ومعسكر إيران وحلفائها، في الإقليم، إضافة إلى روسيا والصين، للاتفاق على حجم الضربة الإيرانية، التي قال آيات الله، إنها آتية لا محالة. وعلى الرغم من نفي الناطقين باسمهم عن وجود صلة بين مفاوضات «الضربة الانتقامية»، ومفاوضات إنهاء الحرب على غزة، فلا ينبغي استبعاد صلة كهذه.
في مجرّد «التفاوض» على «ضربة انتقامية لا تشعل حربا إقليمية»، ووجود كل هذا العدد من المفاوضين في معسكر الإسرائيليين، ما يعني أن نظرية الردع التي اعتمدوها في زمن ما قبل الحرب الأخيرة، وعمادها الاعتماد على النفس، وخوض حرب متعددة الجبهات في وقت واحد، لم تعد صالحة للتداول. فلن يتمكنوا من الانتصار في حرب مع إيران دون مشاركة أميركية في الميدان، وحماية أميركية لبنيتهم التحتية، ومنشآتهم المدنية والعسكرية، ومراكزهم السكانية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من كفاءة آلة الحرب الأميركية الهائلة، إلا أنها لا تكفي، ولا تضمن، سلامة الإسرائيليين، فثمة حاجة، للمرّة الأولى، في تاريخ الدولة الإسرائيلية، للاعتماد على جيرانها في الإقليم. وعلى الرغم من التمهيد، عملياً ونظرياً، لإنشاء تحالفات عسكرية بين إسرائيل وشركاء من العالم العربي، وهوامشه، بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، فمن المؤكد أن فكرة اعتماد الدولة الإسرائيلية على حماية جيرانها وحسن نواياهم، لم تخطر على بال أحد من مهندسي استراتيجية التحالفات، ومنظّريها.
هذه تحوّلات جديدة، وخطيرة فعلاً. ويمكن العثور، في الوقت الحاضر، على إيحاءات بشأنها في كلام الساسة والمعلقين الإسرائيليين، إما للتحذير من تداعياتها، قبل فوات الأوان، أو للتقليل من خطورتها، وأهميتها. ولن يمضي وقت طويل، خاصة بعد توقّف القتال، بصرف النظر عن نتائج الحرب، قبل انتقالها من الهامش إلى متن السجال في إسرائيل، وتضافرها مع أسئلة وثيقة الصلة بماهية وهوية الدولة، ومستقبل نظامها السياسي، ووجودها في الإقليم.
ومما لا يدعو إلى التفاؤل بنهاية قريبة للصراع في فلسطين وعليها، أن انتقال السجال بشأن التحوّلات المعنية، وما يتصل به، وينبثق عنه، من أسئلة وجودية، يحدث في زمن تحوّلات أيديولوجية يمينية متطرفة طرأت على بنية الدولة والمجتمع الإسرائيليين، وهذه نجمت، بدورها، عن تحوّلات اجتماعية عميقة، لا رجعة عنها. وهذا يعني أن العبر التي قد يستخلصونها مما طرأ على المشهد الاستراتيجي العام من تغيّرات، قد تكون كارثية تماماً، لا بالنسبة للفلسطينيين وحسب، ولكن للإسرائيليين، وشعوب الشرق الأوسط، أيضاً.  
بمعنى آخر، ينفتح اكتشاف تدهور القدرة على الردع، والحاجة لتعاون وحماية الآخرين، وحسن نواياهم، على أولوية هي استعادة الردع، إما من خلال هزيمة نهائية بالأعداء، وبطريقة تكفل عدم الخوف منهم، وعدم الحاجة لحماية الآخرين، أو الوصول إلى تسويات مع الأعداء أنفسهم، بطريقة تضمن بناء تحالفات، وإغلاق جبهات.
والمشكلة، بقدر ما يتعلّق الأمر بالإسرائيليين أنهم لا يستطيعون العيش لفترة طويلة من الوقت في مرحلة وسطى بين الخيارين، ولا يملكون القدرة سواء على إلحاق هزيمة حاسمة ونهائية بالأعداء، أو الاستغناء عن حماية الآخرين (على رأس هؤلاء الولايات المتحدة، بطبيعة الحال، وفي الذهن مشهد المصفقين في الكونغرس). 
وإذا قيل، إنهم اعتمدوا على حماية الأميركيين، دائماً، وأنهم سيحصلون عليها دائماً، فلا ينبغي أخذ هذا الكلام على علّاته، بعدما دخلوا على خط الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين على هوية وماهية الدولة والمجتمع الأميركيين.
في تعقيبها عمّا يحدث للفلسطينيين في غزة، قالت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر يوم أمس: «أطلقنا مئات المناشدات بشأن غزة، لكن ما نشهده هو تراجع للضمير الإنساني». يلقي هذا الكلام مزيداً من الظلال القاتمة على ورطة الإسرائيليين، الذين أوقعهم نتنياهو وشركاه فيها، إلى حد صاروا معه غير قادرين على حسم الحروب، أو صنع السلام. 
ويصعب، في الواقع، تصوّر صورة أشد قتامة للوضع الاستراتيجي العام في ظل تضافر الحمولة الأخلاقية الهائلة «لتراجع الضمير الإنساني»، وما لها من تداعيات بعيدة المدى، مع تدهور القدرة على الردع، والحاجة إلى حماية الآخرين، والمراوحة بين خياري الحرب والسلام. وبهذا المعنى، يبدو نتنياهو وشركاه كمن لا طال بلح الشام، ولا عنب اليمن.