Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

«حلف أبراهام»: حلم نتنياهو الخُلَّبي

FB_IMG_1722837684818.jpg

في خطابه أمام الكونغرس الأميركي، دعا نتنياهو إلى إنشاء ما سمّاه «حلف أبراهام» وذلك مع «مَن صنعوا السلام مع "إسرائيل" والذين سيصنعون السلام معها»، لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة. طرحُ نتنياهو القديم المتجدّد، كان قد أثير إبّان إدارة ترامب تحت مسمّى «الناتو الشرق أوسطي»، وعاد الحديث عنه عشية التحضير لزيارة بايدن للسعودية العام الماضي. في كل مرّة، كانت الحماسة الصهيونية لإعادة طرح الفكرة، تثبت وجود مشروع متكامل سعى نتنياهو أولاً إلى إقناع واشنطن، قبل أنظمة التطبيع العربية، بجدواه، بالتوازي مع حرص محور المقاومة على الكشف عن قدرات متطوّرة، في توقيتات حساسة، لتقزيم جدوائية الفكرة.

كعادته عندما يحاول تسويق فكرة تخدم سرديته أمام الغرب، يستحضر رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أمثالاً من الحرب العالمية الثانية وما تلاها، فقال في خطابه تحت قبّة الكونغرس بأنّ فكرته مستوحاة من مرحلة ما بعد الحرب الكونية، عندما أقدمت أميركا على إنشاء حلف «الناتو» مع الأوروبيين لمواجهة النفوذ السوفياتي، معتبراً أنّ أميركا – وفق الدوافع نفسها – تستطيع بالتعاون مع الكيان أن تدشّن حلفاً «لمواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد في الشرق الأوسط». وفي إطار تزيين فكرته، قال مزهوّاً: «لقد رأينا لمحة عن هذا الحلف في 14 نيسان، عندما قادت الولايات المتحدة حوالي 12 دولة للعمل مع إسرائيل على تحييد مئات المُسيّرات والصواريخ التي أطلقتها إيران ضدّنا».

هنا شكر بايدن على «جعل هذا الائتلاف يجتمع»، معتبراً أن «الحلف سيكون امتداداً طبيعياً لاتفاقات أبراهام».

عشية زيارة دونالد ترامب الشهيرة للسعودية في أيار عام 2017، كانت أذرع حزب «الليكود» في الولايات المتحدة تتحدّث بشكل مكثّف عن فكرة الحلف، وأنّ الرئيس ترامب سوف يطرح الفكرة على دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن. التهى الأميركيون والخليجيون بملف مقاطعة قطر، حتى أيلول عام 2018، عندما صرّح نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الخليج آنذاك تيموثي ليندركينغ بأنّ «إدارة ترامب تخطّط لعقد قمة في كانون الثاني 2019 لتدشين الحلف الجديد». عُقد مؤتمر وارسو في 13 شباط 2019 تحت عنوان «الاجتماع الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط»، والذي جمع نتنياهو إلى وزراء خارجية بعض الأنظمة العربية، بعد أشهر من المواقف والتصريحات والمقالات التي سخرت من الفكرة التي سمّوها «ميسا» أو «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي». تبيّن أنّ المؤتمر كان محطة تمهيدية للكشف بعد أشهر رسمياً عن «صفقة القرن» التي فشل فرضها، ثم بعدها لتوقّع كلّ من الإمارات والبحرين، ثم السودان والمغرب، اتفاقات تطبيع سُميت «اتفاقات أبراهام».

لم يكن هدف توسيع «اتفاقات أبراهام» أولوية لإدارة بايدن عندما بدأت عملها في بداية 2021، وهذا التوجّه عبّر عنه مرشّحو بايدن لمناصب في إدارته عند التصديق على تعيينهم أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي. لاحقاً بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وبروز الخلاف السعودي الأميركي حول أسعار النفط في تشرين الأول 2022، رقّت إدارة بايدن في سلّم أولوياتها ملف توسيع اتفاقات التطبيع بين كيان العدو والسعودية بشكل أساسي.

ارتفعت قيمة التطبيع بالنسبة إلى إدارة بايدن مباشرة بعد توقيع «اتفاق بكين» بين السعودية وإيران في آذار 2023، وبدأ مبعوثو بايدن بالتوافد إلى الرياض في زيارات علنية وسرّية، والهدف كان ترتيب إطار توافق بموجبه السعودية على التطبيع مع كيان العدو، مقابل حصولها على اتفاق أمني وبرنامج نووي وتدفّق للسلاح من واشنطن. كان - ولا يزال - دافع الإدارة الديمقراطية الأساسي لجمع الرياض وتل أبيب في سرير واحد يرتبط بمساعيها لإحداث تشبيك ذي طابع اقتصادي، أكثر منه أمنياً - عسكرياً، وذلك لإعاقة الصين من التمدّد في المنطقة، فوُلِد مشروع الكوريدور الهندي الشرق أوسطي الأوروبي على هامش قمة مجموعة العشرين في أيلول 2023، كمنافس لمشروع الحزام والطريق الصيني.

جاء «الطوفان»، ووجّه ضربة تحت الحزام إلى مشاريع التطبيع والتشبيك. لم تقتصر خيبة الأمل على النظام السعودي، الطامح إلى فتح العلاقات الاقتصادية والأمنية والتكنولوجية على مصراعيها مع كيان العدو.

الأخير واجه معضلة تتمثّل بتراجع جاذبية تفوّقه التكنولوجي والأمني لدى شركائه الجدد في السعودية، مع توالي إنجازات المقاومة التي كسرت تفوّقه المفترَض في 7 تشرين الأول، ثم في 14 نيسان، ثم مع «الهدهد» اللبناني، وصولاً إلى المُسيّرة «يافا» اليمنية ليل 19 تموز. ما لا يعلمه كثيرون هو أنّ العدو لم يستسلم للواقع الذي فرضته حركات المقاومة عليه خلال الحرب، فهو يحاول منذ ما بعد «الطوفان» تحويل التهديد إلى فرصة، لجذب السعوديين ومن معهم – مدفوعين بالخوف والقلق – لقبول الحلف الأمني والعسكري معه. تولّت أذرع الكيان في واشنطن مهمّة الترويج لفكرة الحلف الأمني الإسرائيلي العربي العام الماضي، مع إصدار المعهد اليهودي للأمن القومي في أميركا (JINSA) ورقة في أيار 2023 بعنوان: «ابنوها وسوف يأتون: استراتيجية أميركية لدمج الدفاعات الجوية والصاروخية في الشرق الأوسط».

المعهد المذكور كان قد نشر ورقة في نهاية 2020 دعا فيها لنقل كيان العدو إلى منطقة مسؤوليات القيادة المركزية الأميركية لتعزيز وتوسيع اتفاقات التطبيع والتشبيك الأمني والاقتصادي، وهو ما حصل مع قرار إدارة ترامب في آخر أيامها في كانون الثاني 2021، عندما أعلن البنتاغون عن النقل.

الفكرة المركزية في ورقة JINSA تتحدّث عن إنشاء نظام دفاع جوّي وصاروخي متكامل، «تُربَط فيه أجهزة الاستشعار والرادارات الوطنية الخاصة بالدول العربية وإسرائيل رقمياً بمركز العمليات الجوية المشتركة التابع للقيادة المركزية الأميركية في الدوحة، حيث يمكن دمج المعلومات على الفور في صورة تشغيل مشتركة».

الورقة – التي تغزّلت بتطور وتفوّق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتعددة الطبقات - قدّمت مجموعة توصيات للبيت الأبيض تتعلّق بإزالة كل القيود على مبيعات السلاح لبعض الدول العربية، وللكونغرس أيضاً، الذي ستُناط به مهمة إصدار قوانين من شأنها أن تُنجِح المشروع. في 5 حزيران الفائت، قدّمت السيناتورتان جاكي روزن (ديمقراطية-نيفادا) وجوني إرنست (جمهورية-أيوا) مشروع قانون لما سمّتاه «مواجهة التهديدات الفضائية التي تفرضها إيران ووكلاؤها». وفق عضوتي مجلس الشيوخ المذكورتَين، يهدف مشروع قانون «تقنية الفضاء والأمن الإقليمي لعام 2024 -STARS» إلى «تعزيز التعاون في مجال الأمن الفضائي والأقمار الاصطناعية بين الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في الشرق الأوسط، استناداً إلى اتفاقيات أبراهام». يُذكَر أن فكرة مشروع القانون كان قد طرحها JINSA في شباط 2024، في ورقة من 5 صفحات، وبعد تقديم مشروع القانون، أشاد JINSA بالخطوة، ناسباً الفضل إلى نفسه باقتراح فكرته.

ستستمرّ محاولات نتنياهو إقناع الأميركيين بتبنّي رؤيته لما يسمّيه «الشرق الأوسط الأوسع».

قد يجد لدى ترامب ونائبه المرشّح معه جي دي فانس حماساً لتبنّي مشروع الحلف المذكور، تخفُّفاً من عبء توفير الحماية لتكتّل الخائفين في المنطقة وتفرّغاً للمواجهة مع الصين في شرق آسيا، لكن القدرات التي تكشف عنها جبهات المساندة بشكل تصاعدي، تثبت من جديد أنّ أيّ حلف لأنظمة التطبيع مع كيان العدو لن يتمكّن من مواجهة محور المقاومة وضمان الانتصار عليه، دون تورّط الأميركيين فيه بشكل مباشر.