تفترض إسرائيل أن تعود مفاوضات اتفاق تبادل الأسرى بينها وبين حركة «حماس» إلى مسارها، كما كانت عليه عشية محاولة اغتيال القائد العام لـ«كتائب القسام»، محمد الضيف، وذلك للبحث في تدوير الزوايا وجَسْر الهوة بين المواقف المتعارضة، بعدما كانت تل أبيب قد رفعت سقف مطالبها عالياً، قبل مذبحة مواصي خانيونس. وفي هذا الإطار، يُرتقب أن يصل رئيس «الموساد»، دافيد برنياع، إلى الدوحة لاستئناف المفاوضات، بعدما حذّر الجانب القطري من التداعيات السلبية لمحاولة اغتيال الضيف على المحادثات وعلى إمكانية التصعيد شمالاً مع لبنان، في اتّجاه التسبُّب بنشوب حرب واسعة لا مصلحة لأيٍّ من أطرافها ولجميع المتأثّرين بها، في المنطقة والعالم، فيها.ورغم أن تقدير الدوحة المعلن ذاك، يهدف إلى استخدام محاولة الاغتيال الوحشية، والتي حصدت مئات الضحايا، للضغط في اتّجاه تسهيل مهمّة الوساطة والتوصّل إلى اتفاق، إلّا أنه يكشف حقيقة خشية الوسطاء من أن تصل التقديرات لدى حركة «حماس» والجهات المساندة لها إقليميّاً، إلى أن إسرائيل ماضية في حربها بلا سقوف وبلا تطلُّع إلى أيّ تهدئة أو اتفاقات، ما يمكن أن يتسبّب بتصلُّب مقابل في الموقف لا تُحمد عقباه، وربّما أيضاً في وضع كل الخيارات على طاولة القرار لدى مركبات «محور المقاومة». وإذ تُعدّ زيارة برنياع إلى الدوحة استكشافية، فهي تهدف إلى معاينة التأثير السلبي أو الإيجابي الذي لحق بالمفاوضات، بعد عملية المواصي، علماً أن التقدير لدى المؤسسة الأمنية في تل أبيب يرجّح أن «حماس» لا زالت معنيّة باستمرار التفاوض والتوصّل إلى تهدئة. ولكن السؤال الذي فرض نفسه في الموازاة، هو ما إذا كانت محاولة الاغتيال ستدفع الحركة إلى التصلُّب في موقفها التفاوضي، أو أنها ستليّنه، وفقاً لما يروّج له البعض في تل أبيب، على خلفية أن تلك المحاولة ستحمل قادة «حماس» في القطاع على الارتخاء والتراجع، خشية «اليد الطولى لإسرائيل»؟
الواضح أن محاولة الاغتيال كانت محلّ رهان كبير لدى قادة إسرائيل، السياسيين والعسكريين على السواء، على اعتبار أنها ستمكّن تينك المؤسستَين والقائمين عليهما، من تقديم رواية انتصار على المقاومة في غزة، بعد النجاح في تحييد رأس الهرم العسكري المقاوم فيها، فضلاً عن كونها ستلقى استحساناً كبيراً ورضًى لدى الجمهور الإسرائيلي، إلى جانب تعزيز موقف رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ما يسهّل عليه تالياً قرار الخروج من الحرب وفقاً لشروطه، ويردّ على كل المشكّكين والمنتقدين لتصلّبه ورفضه التسويات. ووفقاً لذلك، يُعدّ الفشل في اغتيال الضيف مركّباً، وهو يحمل من الخيبة ما كان عكسه سيحمله من أمل للكيان.
الواضح أن محاولة الاغتيال كانت محلّ رهان كبير لدى قادة إسرائيل، السياسيين والعسكريين على السواء
هكذا، تعود العملية التفاوضية إلى المكان الذي توقّفت فيه، مع إضافات طرأت على موقف إسرائيل في اتّجاه التشدّد بناء على البنود الإضافية التي أعلن عنها نتنياهو، وتحديداً مطلبه منع عودة «المسلحين» إلى شمال قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي. وكان جيش الاحتلال، وفقاً لما سرّبته مصادر أمنية في تل أبيب، توافق مع المستوى السياسي على قبول الانسحاب من ممرّ «نتساريم» في وسط القطاع، وعودة الفلسطينيين بلا اشتراطات مسبقة، وهو ما يدفع إلى السؤال عن سبب الشرط الجديد الذي شدّد عليه نتنياهو: فهل هو لتعطيل الاتفاق وإفشاله، كما يتردّد لدى معظم المعلّقين في إسرائيل، أم أنه يأتي لتحسين ما أمكن من عوائد الاتفاق إسرائيليّاً، أو أنه نوع من الإلهاء عشيّة تنفيذ عملية الاغتيال الفاشلة في خانيونس؟
على أي حال، يُعدّ هكذا شرط تعجيزيّاً ومما يصعب تفسيره، إلّا بكونه تعبيراً عمليّاً عن إرادة إفشال العملية التفاوضية. وإذا كانت سلّة من الأفكار و«الحلول الإبداعية» قد عُرضت، في الأشهر الماضية، لتسوية الشرط المشار إليه وغيره مما يماثله، فإن هذه الأخيرة ليست جديدة في نهاية المطاف، ما يمكّن بالتالي من اختيار أيّ من الحلول التي اقتُرحت سابقاً، ومن بينها تلك التكنولوجية التي يبدو أنها ستُعتمد لتسوية معضلة الحدود مع الجانب المصري في جنوب القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلي منه، أو عبر قوة ثالثة، مصرية، تتولّى مراقبة العائدين إلى شمال غزة.
على أن التقديرات إلى الآن لا تزال على حالها: الاتفاق يتعقّد ولا يُلغى، ويَنتظر تبلوره أيّاماً صعبة من التفاوض غير المباشر لتذييل مقدّماته، خاصة وأن الضغوط المفعّلة على الجانب الإسرائيلي في أكثر من مستوى واتّجاه وجبهة، رغم صلابة موقفه، من شأنها أن تدفعه هو أيضاً إلى طلب التهدئة، وبقدْر يوازي نسبيّاً طلب الجانب الفلسطيني لها.