أصدر مركز ابداع المعلم وبالشراكة مع الهيئة الوطنية للمؤسسات الاهلية والائتلاف التربوي الفلسطيني تقريرا بعنوان "الانتهاكات بحق التعليم في فلسطين" يسلط الضوء على واقع التعليم في قطاع غزة بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير، ويقوم برصد الانتهاكات الإسرائيلية وتحليل الآثار الكارثية بحق التعليم وتحديد احتياجات التعافي الإنساني.
وتم إعداد التقرير من قبل مجموعة من الباحثين ممن عايشوا الأزمة مباشرةً في قطاع غزة، حيث يسعى مركز إبداع المعلم جاهدًا ليكون له دور فعّال في مناقشة جميع جوانب الوضع الحالي، سواء من خلال التواصل مع المتطوعين في مراكز الإيواء، أو من خلال المشاركة في النقاشات المحلية والإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الانخراط في جهود الائتلاف التربوي و الحملة العربية للتعليم، التي تعمل على مناقشة جميع القضايا المتعلقة بالتعليم في قطاع غزة وفلسطين بشكل عام.
ويهدف هذا التقرير إلى تحليل الوضع الراهن وتوثيقه، مع التركيز على الآثار البشرية والمادية للعدوان، بالإضافة إلى التنبؤ بالمستقبل بهدف توجيه الانتباه إلى الحقائق المقدمة وتشجيع أصحاب القرار على تحمل مسؤولياتهم في حماية حقوق الأفراد، خاصة حق التعليم الذي كان يُفترض بقدسيته ولكنه الآن يتعرض للتهديد والتخريب، تماماً كما تعرضت المدارس في قطاع غزة للتدمير والخراب.
ويعتبر هذا التقرير بمثابة أداة في إطار المساءلة والرصد، بالإضافة إلى التوثيق، حيث يسعى لبناء قاعدة بيانات توثق الانتهاكات الصارخة ضد المنظومة التعليمية ككل.
ويظهر أن جانب التوثيق يعاني من قصور واضح منذ بدء العدوان، مما زاد من تعقيد مهمة تنفيذ هذا التقرير. حيث يشكّل هذا التقرير محاولة هامة وموجهة في وقت حرج للتعامل مع جوانب مهمة تتعلق بالقطاع التعليمي.
وقال مركز ايداع المعلم انه يسعى لأن يكون هذا التقرير نقطة تحول في تسليط الضوء على واقع التحديات التي تواجه هذا القطاع، مع الإشارة إلى أن الأرقام المقدمة هي مبدئية وقابلة للتصاعد في ظل استمرار العدوان حتى تاريخ صدور هذا التقرير.
كما يظهر التقرير البيانات المتعلقة بالعدوان الحالي على غزة أن (264) من المعلمين والاداريين سقطوا شهداء حتى تاريخ 20/2/2024 وأن (846) أصيبوا بجراح بالغة للفترة ذاتها، وأن (98) من رؤساء وأساتذة مؤسسات التعليم العالي اغتالتهم اسرائيل بشكل مخطط حتى نفس التاريخ.
وكان الطالب هو مركز العملية التعليمية، فالمعلم هو أهم مدخلاتها ومتى يتم استهداف المعلمين أو استهداف أحبائهم أو إصابتهم بجروح، فإن ذلك يضعهم في أتون معضلات نفسية تصيبهم بالإحباط وخيبة الأمل ويهمش دورهم، وبالتالي لا يمكن تحقيق تعليم جيد للطلاب إذا كانت إحدى ركائزه مهمشة أم منهمكة في صراع من أجل البقاء نتيجة الاستهدافية الإسرائيلية المقصودة.
بالإضافة إلى ذلك، يقدر التقرير التكلفة الإجمالية للأضرار في قطاع للتعليم بمبلغ 341 مليون دولار، ويظهر التقرير تصنيفا دقيقا للأضرار الواسعة التي لحقت بمباني المدارس في قطاع غزة، حيث تعرضت المدارس في قطاع غزة لاستهداف مباشر وجزئي حيث بلغت نسبة الاستهداف المباشر للمباني المدرسية 61٪ للمدارس الحكومية، و 44٪ للمدارس التابعة لوكالة الأونروا، و 44٪ للمدارس الخاصة. وتشير بيانات التقرير إلى تفاوت معدلات الدمار في المدارس من منطقة لأخرى، حيث بلغت نسبة الدمار الكلي والجزئي في المدارس 62.9٪ في شمال غزة، و 28.6٪ في غزة، و 14.3٪ في وسط غزة، و 22.9٪ في خان يونس، و 17.1٪ في رفح.
ويؤكد هذا التقييم للدمار واسع النطاق الذي تعرض له القطاع التعليمي في غزة، مما أثر على مجموع 813 مدرسة تعمل في هذه المباني.
ويركز التقرير أيضًا على الانتهاكات الانسانية والخسائر البشرية الجسيمة، حيث يشمل العدد الإجمالي للشهداء 30365 شهيدًا و74925 جريحًا، من بينهم أكثر من 5000 طالب و240 معلمًا، حتى تاريخ اعداد التقرير. وتم تعليق العملية التعليمية بسبب إغلاق 563 مدرسة في قطاع غزة، مما حرم ما يقرب من 620,000 طالب من حقهم في التعليم. كما أدى النزوح القسري إلى تحويل 288 مدرسة إلى مراكز إيواء للنازحين، بما في ذلك 155 مدرسة تابعة للأونروا.
وامتد الدمار إلى ما بعد الخسائر البشرية إلى البنية التحتية والإسكان، حيث دمرت 355,000 وحدة سكنية تدميرا كاملا وتم شن 622 هجومًا على المرافق الصحية. كذلك تعرض الأكاديميين وطلاب الجامعات في قطاع غزة لاستهداف مباشر ومتعمد ، حيث أدى ذلك إلى استشهاد 98 شخصية أكاديمية علمية وفكرية، بالإضافة إلى ذلك، استهدف الاحتلال الإسرائيلي جميع الجامعات الـ 12 في غزة، سواء بتدميرها تمامًا أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية ومراكز احتجاز ومراكز تحقيق.
ويوضح التقرير بأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أحدثت آثارا نفسية عميقة على الطلاب والمعلمين، ما يفاقم الظروف الصعبة القائمة. حيث كشفت الدراسات التي أجرتها الأونروا ومؤسسة إنقاذ الطفل عن معدلات مرتفعة من الصدمة والضغط النفسي بين الطلاب، مع تفاقم للوضع الحالي.
وتستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل متعمد المعلمين، ويعرض المعلمين لحالات من المعاناة والصدمة. علاوة على ذلك، يتعرض الطلاب الفلسطينيون في غزة لتأثيرات نفسية خطيرة، بما في ذلك الضغط النفسي و الصدمة والقلق والاكتئاب والذعر وفقدان الأمن النفسي.
ولم يقتصر تأثير الحرب على الحالة النفسية والعقلية للطلاب فقط، بل تجلى أيضًا في الحاجات الأساسية مثل التغذية. حيث تم توثيق أثر التغذية السيئة على التحصيل الأكاديمي، بوضوح من قبل المنظمات الدولية مثل اليونيسيف واليونسكو. حيث تؤثر التغذية السيئة على التطور الإدراكي وقدرات التعلم.
وتظهر النتائج الأولية من الفحوصات على التغذية السيئة في غزة خلال العدوان الحالي زيادة كبيرة في معدلات سوء التغذية الحادة، مع عواقب مأساوية بما في ذلك وفيات الأطفال. حيث استخدم الاحتلال الإسرائيلي سياسة التجويع القسري للمدنين عن طريق تقييد المساعدات الإنسانية، مما يشكل إبادة جماعية بموجب المادة 6 من ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية.
وابرز التقرير ضرورة إعطاء الأولوية لجهود التعافي، خاصة في القطاع التعليمي، حيث يجب حماية التعليم كحق أساسي من حقوق الإنسان، وتحقيق ذلك يتطلب التزامًا تعاونا دوليا.وتم تحديد أساس هذه التدخلات في قرارات مثل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (290)، الذي يؤكد على الوصول إلى التعليم أثناء حالات الطوارئ وإدانة الهجمات على المؤسسات التعليمية.
ويجب أن تعطي التدخلات العاجلة أثناء العدوان المستمر الأولوية للدعم النفسي، والتنسيق مع الشركاء المحليين والدوليين، وتقييم الاحتياجات، والأنشطة المختلفة التي تساعد الأطفال المتضررين ومقدمي الرعاية على المستوى المحلي، تشمل جهود الاستجابة مراجعة استراتيجيات التعليم، وبناء البرامج التعليمية، وتقييم الاحتياجات، وتوفير الإمدادات العاجلة، وحشد التحالفات المحلية لدعم التعليم في غزة.
أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، تعد حماية التعليم في غزة وسط الاستهداف العسكري الإسرائيلي أمرًا بالغ الأهمية، وتتطلب جهودا مكثفة للتدخل العاجل وزيادة التمويل لضمان استمرارية التعليم بعد العدوان.
وفي الختام، يأمل الفريق المشارك في التقرير أن يكون له تأثير إيجابي في تسليط الضوء على واقع التحديات التي تواجه التعليم في قطاع غزة، ويدعو إلى تحمل المسؤولية المشتركة في حماية حق الأفراد في التعليم العادل والشامل، ويشدد على ضرورة تكثيف الجهود لوقف الحرب وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة للمتضررين.