كشفت ورقة بحثية درست موقف حركة الجهاد الإسلامي إزاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، -والذي بدأ على إثر عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي- كشفت بأن الحركة بصورة خاصة، وغرفة العمليات المشتركة التي تضم تنظيمات المقاومة داخل قطاع غزة بصورة عامة، كانت غائبة عن التخطيط الاستراتيجي والتكتيكي لعملية "طوفان الأقصى"، التي قامت بها "حماس" بشكل كامل.
وأضافت الدراسة التي أعدها الباحث (خالد علي زواوي)، وجاءت بعنوان (حركة الجهاد الإسلامي والحرب: الموقف والتحولات والتحالفات)، أن هذا يتسم ما أعلنته حركة الجهاد الإسلامي من خلال تصريح أمينها العام "القائد زياد نخالة" الذي أكد مشاركة حركته بالعملية "بعد نصف ساعة" من بدئها، مؤكداً عدم مشاركة الحركة في التخطيط للعملية.
وهو ما كانت "سرايا القدس" قد أعلنته كذلك على لسان الناطق باسمها في الساعات الأولى من السابع من أكتوبر، من انخراطها في العملية ووقوفها إلى جانب كتائب القسام "كتفاً إلى كتف حتى النصر".
وقالت الدراسة -التي جاءت في 7 صفحات-، بإن انخراط حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في عملية "طوفان الأقصى"، على الرغم من تجاوزها، تخطيطاً ودراسة وممارسة، يرجع بشكل واضح إلى رؤية الحركة الاستراتيجية بصورة عامة، ورؤيتها للوضع داخل قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي في عام 2005، وما تبعه من تطورات سياسية وميدانية على وجه الخصوص.
حيث أن رؤية الحركة تنطلق من شعارها الاستراتيجي أن "القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للحركة الإسلامية"، والذي بنت عليه رؤيتها "القتالية"، كما أن هذه الاستراتيجية ترسخت بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة في عام 2005، وتمحورت هذه الاستراتيجية حول ثلاثة محددات هي:
*عدم المشاركة في أي سلطة أو ترتيبات سياسية منبثقة عن أوسلو أو محكومة بمرجعيته أو تتقاطع معه بأي شكل من الأشكال.
*المحافظة على المقاومة وضمان استمرارها ما دام الاحتلال موجوداً على أي جزء من أرضنا.
*المحافظة على الوحدة الوطنية.
وهنا حاولت الدراسة -التي صدرت عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية-، البحث في المتغيرات الأخيرة، عن الإجابة على سؤالين أساسين متعلقين باستراتيجية الجهاد الإسلامي كحركة مقاومة، هما "سؤال القتال وسؤال الحكم".
لذا قال الباحث مستنتجا: بأنه "بناء على رؤية الحركة أن (سؤال الحكم) فيما يتعلق بالحقل السياسي الفلسطيني الدولاني هو سؤال خاطئ وفي غير محله، بينما السؤال المناسب، والذي عملت وتعمل على الإجابة عنه حركة الجهاد هو "سؤال القتال" وآليات ممارسته.
حيث خلصت الدراسة إلى أنه بناء على ما سبق، تعاملت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين مع الحدث بكونه "حالة قتالية"، وليس بناء على رؤية استراتيجية محددة سلفاً لها أهداف أنشئت سابقاً، وخصوصاً فيما يتعلق بـ"طوفان الأقصى" على وجه التحديد، وهنا يكون افتراق حركة الجهاد عن حركة "حماس" تجاه "طوفان الأقصى"؛ فحركة "حماس" كانت مضطرة إلى تحديد رؤيتها، أو روايتها لـ "طوفان الأقصى" وإيضاح أهدافها ومبرراتها وما هو المطلوب منها، بل حتى تفسيرها لذاتها كونها كانت فاعل الطوفان الوحيد، في حين كانت حركة الجهاد الإسلامي فاعلاً قتالياً لا أكثر، جاء مسانداً وداعماً، ولا يحتاج إلى مبرر لهذا الفعل القتالي كونه يأتي ضمن سياقات رؤيته الأيديولوجية تجاه قضية فلسطين.
وقد أفرد الباحث بين سطور دراسته -التي صدرت مؤخرا-، مساحة للحديث عن الأداء الميداني لحركة الجهاد وجناحها العسكرس "سرايا القدس"، حيث قال: أن "حركة الجهاد الإسلامي شكلت القوة الثانية داخل قطاع غزة في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وكان لها حضور بارز في الميدان جنباً إلى جنب مع كتائب القسام وقوى المقاومة، وهذا واضح سواء من خلال بيانات الحركة على لسان الناطق باسم سرايا القدس "أبو حمزة"، أو من خلال بياناتها الميدانية والمتعلقة بتطور الأوضاع الميدانية على الأرض"، مؤكدا " أن هذا انعكس على وجود حالة من التنسيق السياسي المتعلق بتحديد المواقف بشأن ما يطرح من صفقات للهُدن، وللإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الموجودين داخل القطاع".
كما أشار الباحث، إلى ما أحدثته عملية "طوفان الأقصى" من خلخلة للحالة التنسيقية للمقاومة، كما في التجاوز الواضح لغرفة العمليات المشتركة، والتي ظهرت بعد العملية كونها أقرب إلى ضبط العمل المقاوم منها إلى حالة تنسيقية متكاملة، وهو ما حدث في التجاوز لمفهوم "وحدة الساحات" الناجم عن التنسيقية الاستراتيجية في محور المقاومة.
أما سياسياً، فقد ألقى الباحث في -الدراسة الحديثة- الضوء، على تعامل حركة الجهاد مع عملية "طوفان الأقصى"، على الرغم من أنها ليست ممن حددوا أهدافها السياسية والاستراتيجية، فإنها تبنت، تقريباً، ما أعلنته حركة "حماس" كمبررات وأهداف سياسية لهذه العملية، ذلك بأنها "أعادت طرح القضية الفلسطينية على رأس سلّم أولويات العالم بعد أن كاد يطويها النسيان وبعد أن تُركت الضفة الغربية والقدس والأقصى تحت قبضة العدو الصهيوني لتصفية ما تبقى من فلسطين"، وعليه تقول الدراسة : "كانت حركة الجهاد الإسلامي شريكاً فيما طرح سياسياً في إثر هذه العملية خلال اللقاءات والاتفاقيات".
وعلى الرغم من محدودية حجم المناورة التي يمكن لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين القيام بها سياسياً، في حال اقتصرت رؤيتها على ما وضعته لنفسها من محددات أيديولوجية ذُكرت أعلاه، فإن من الواضح أنها تجاوزت الكثير منها خلال قيامها بالمشاركة في توقيع هذين البيانين، سواء فيما يتعلق بتطوير النظام السياسي الفلسطيني، أو تشكيل حكومة فلسطينية، أو الالتزام بالقرارات الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهي مفاهيم سياسية رفضت حركة الجهاد الإسلامي الالتزام بها، نظرياً أو عملياً.
وانطلاقا مما سبق، ختم الباحث "خالد علي الزواوي" دراسته، بتساؤل هل الجهاد الإسلامي بتوقيعها البيانين تشهد تحولات بنيوية في الخطاب السياسي؟
ثم حاول تلمس محددات الإجابة، قائلا: إن "هذا شيء ليس بجديد على الحركة التي شهدت تحولاً كهذا في السابق.
فهل ستكون الحركة جزءاً من "حل سياسي"، لمّح زياد نخالة، أمين عام الحركة، إلى موافقته عليه، بل دعوته إليه بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني؟
وهو أمر إن صحَّ فستكون الحرب على غزة قد أحدثت هزَّة أُخرى في الحقل السياسي الفلسطيني، متمثلة في التحول الكبير لدى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وهو ما يقتضي إعادة صوغ الأيديولوجيا بما يتلاءم مع التغييرات الجديدة.
فالحركة التي رفضت سوية مع بقية الفصائل السيناريوهات والخطط الإسرائيلية والأميركية المعدة لحكم غزة مستقبلا، ستحدد إمّا الدخول إلى المؤسسات الدولانية، وبالتالي قيام الحركة بالإجابة عن "سؤال الحكم"، وهو السؤال الذي التزمت رفض الإجابة عنه منذ تأسيسها لعدم ملاءمته للواقع، وإمّا أنها ستبقى تعمل على "سؤال القتال" الذي عملت على الإجابة عنه وفق قدراتها واستعداداتها والتزامها برؤيتها الأيديولوجية والسياسية المدمجة للقتال، والسياسية لتحقيق الأهداف.
وبهذا يبقي الباحث السؤال مفتوحا على كل الإجابات الممكنة، فهل سنشهد هنا تحولاً في الخطاب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي فيما يتعلق بالحلول السياسية؟؟