قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، يوم الخميس، إن معدلات الوفيات جراء الجوع وسوء التغذية والجفاف ترتفع بشكل مخيف في مدينة غزة وشمالها، مع استمرار ارتكاب "إسرائيل" جريمة الإبادة الجماعية على مدار خمسة أشهر، وفشل المجتمع الدولي بالضغط عليها لوقف الجريمة المستمرة وإيجاد وضمان تنفيذ آليات فعالة لتقديم المساعدات الإنسانية الضرورية لإنقاذ حياة الفلسطينيين في القطاع.
وذكر الأورومتوسطي، في بيان له، أن فريقه الميداني في مدينة غزة وشمالي القطاع بات يوثق بشكل شبه يومي حالات وفاة سواء في المستشفيات أو داخل مراكز النزوح وما تبقى من منازل، جراء المجاعة التي تفشت في المنطقة، وأن أعداد الوفيات تسجل ارتفاعًا كبيرًا في صفوف الأطفال والمسنين.
وأشار إلى أن الحصيلة الرسمية المعلنة من وزارة الصحة في غزة بسبب الجوع وسوء التغذية وصلت إلى 20 حالة وفاة حتى مساء الأربعاء 6 آذار/مارس، إلا أن هذا العدد لا يمثل سوى جزءًا من العدد الفعلي، كونه يشمل فقط عدد حالات الوفاة داخل مراكز الاستشفاء التي تعمل بشكل جزئي ودون مقومات حقيقية، ويصعب الوصول إليها بسبب تدمير الطرق ونقص الوقود الذي يعيق عمل الإسعافات ووسائل النقل الأخرى.
وأضاف أن فريقه وثق، مساء أمس الأربعاء، وفاة الطفل "أحمد وائل أهل" (3 أعوام) نتيجة الجوع والجفاف في ظل المجاعة الآخذة بالانتشار في شمالي قطاع غزة، وطفل آخر (15 عامًا) في مجمع "الشفاء" الطبي، ومسن (72 عامًا) في مستشفى كمال عدوان شمالي غزة، نتيجة سوء التغذية والجفاف.
وحذر الأورومتوسطي من أن حياة مئات الآلاف من السكان باتت تواجه خطرًا حقيقيًّا ومحدقًا بالموت بسبب الجوع والجفاف، بمن في ذلك الآلاف من الأطفال، ومنهم مرضى ومواليد جدد، إضافة للمرضى من كبار السن والنساء، نتيجة تداعيات أزمة المجاعة المتفشية بفعل استمرار "إسرائيل" في فرضها حصارا شاملا غير قانوني على قطاع غزة، وعرقلة دخول وإيصال المساعدات الإنسانية على نحو متواصل، وبخاصة إلى شمالي قطاع غزة.
وأوضح الأورومتوسطي أن الوضع المأساوي الحقيقي هو داخل ما تبقى من أحياء مدمرة، حيث يعيش عشرات آلاف من السكان في ظروف قاسية جدًا، بعد أن بلغت مستويات المجاعة حدًا غير مسبوق، وبات الأهالي يخاطرون بحياتهم للوصول إلى حواجز الاحتلال الإسرائيلي التي تصلها شاحنات المساعدات، وهناك يتعرضون للاستهداف المباشر والمتعمد من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو يخاطرون بالتوجه للأراضي الزراعية في المناطق الحدودية الخطرة للحصول على بعض ما تبقى من مزروعات.
وأبرز المرصد الأورومتوسطي في هذا الصدد ما صرّحت به المديرة الإقليمية لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "أديل خضر"، في 3 آذار/مارس، بأن وفيات الأطفال "المأساوية والمروعة" في غزة تتكشف على الرغم من أنها "من صنع الإنسان، ويمكن التنبؤ بها، ويمكن منعها بالكامل".
وأيد الأورومتوسطي تأكيد السيدة "خضر" أن "حياة الآلاف من الأطفال والرضع تعتمد على الإجراءات العاجلة التي يتم اتخاذها الآن" لمنع حدوث مجاعة، "ولهذا نحن بحاجة إلى نقاط دخول متعددة يمكن الاعتماد عليها لتسمح لنا بإدخال المساعدات من جميع المعابر الممكنة، بما في ذلك إلى شمال غزة، وضمانات أمنية ومرور دون عوائق لتوزيع المساعدات على نطاق واسع في جميع أنحاء غزة، دون منع أو تأخير أو عراقيل للوصول."
وأشار الأورومتوسطي إلى أن حالة التجويع التي وصلت حد المجاعة وسوء التغذية الحاد، وارتفاع أعداد الوفيات بسبب الجوع والجفاف، خاصة بين الأطفال والأطفال الرضع، دفعت جمهورية جنوب إفريقيا إلى تقديم طلب عاجل إلى محكمة العدل الدولية يوم أمس الأربعاء، تطالب من خلاله المحكمة باتخاذ تدابير جديدة وتعزيز تدابيرها السابقة لمنع المجاعة في قطاع غزة التي تشهد جريمة الإبادة الجماعية منذ خمسة أشهر.
إذ طلبت جنوب إفريقيا من المحكمة اتخاذ تدابير تحفظية عاجلة بخصوص ضمان الوقف الفوري للأعمال القتالية في قطاع غزة، وطالبت بضرورة إلزام "إسرائيل" باتخاذ تدابير فورية وفعّالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية الملحة والمساعدة الإنسانية لمواجهة المجاعة والجوع والظروف الحياتية السيئة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة.
وتابع "وذلك من خلال وقف عملياتها العسكرية على الفور، ورفع الحصار عن القطاع، وإلغاء جميع الإجراءات والممارسات الأخرى الحالية التي تعيق بشكل مباشر أو غير مباشر وصول السكان إلى المساعدة الإنسانية والخدمات الأساسية، وضمان توفير الغذاء والماء والوقود والمأوى والملابس ومتطلبات النظافة والصرف الصحي، جنبًا إلى جنب مع المساعدة الطبية، بما في ذلك الإمدادات الطبية والدعم.
كما طالبت جنوب إفريقيا بموجب طلبها قيام جميع الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ودون تأخير، باتخاذ جميع التدابير الضرورية للامتثال لجميع التزاماتها بموجب الاتفاقية، وامتناعهم عن أي إجراء، وخاصة أي إجراء عسكري أو دعم له، يمكن أن يؤثر على حق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أفعال الإبادة الجماعية والأفعال المحظورة المتعلقة بها.
وشدد الأورومتوسطي على أهمية قيام جنوب إفريقيا بتقديم هذا الطلب العاجل إلى محكمة العدل الدولية في محاولة لمنع مزيد من التدهور في الوضع الإنساني في قطاع غزة، خاصة وأن المحكمة سبق أن أقرت بوجود شبهة معقولة لقيام "إسرائيل" بانتهاك التزاماتها الدولية المترتبة على عاتقها كدولة طرف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
وأكد أن الإجراءات التي تطبقها "إسرائيل" والعقوبات الجماعية التي تفرضها على قطاع غزة تهدف بشكل مباشر وواضح إلى تجويع جميع السكان، وتعريضهم لخطر الهلاك الفعلي، وأنها تستخدم التجويع ليس فقط كأسلوب من أساليب الحرب، كجريمة حرب قائمة بحد ذاتها، بل كذلك تنفيذًا لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد سكان القطاع منذ خمسة أشهر.
كما شدد على أن "إسرائيل" تتعمد تعميق أزمة التجويع الكارثية لجميع سكان قطاع غزة، بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم على نحو شديد ومتواصل، ومنع وعرقلة إدخال وتوزيع الإمدادات الإنسانية، خاصة في مدينة غزة وشمال القطاع، وذلك لمعاقبتهم على عدم امتثالهم لأوامر الإخلاء الإسرائيلية غير القانونية، والاستمرار في الضغط عليهم لإجبارهم على ترك منازلهم والنزوح القسري باتجاه الجنوب، استكمالًا لجريمة التهجير القسري التي تمارسها ضد 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة.
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى تشكيل ضغط دولي فوري على "إسرائيل" من أجل وقف تنفيذها لجريمة الإبادة الجماعية، بما في ذلك تجويع السكان، ورفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، ومساءلتها ومحاسبتها على جرائمها وانتهاكاتها الجسيمة ضد قطاع غزة وجميع سكانه الفلسطينيين.
وحث كذلك على تشكيل تدخل دولي أكثر فاعلية وحسمًا من أجل ضمان وصول الإمدادات الإنسانية بشكل آمن وكامل ودون أي عوائق لضمان التصدي للمجاعة الآخذة بالانتشار السريع، ووصول المساعدات إلى جميع الأشخاص المتضررين وتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل، وإلا فإن الاستجابة بالمستوى المطلوب للحيلولة دون تفاقم كارثة المجاعة الجماعية الناشئة في قطاع غزة ستكون مستحيلة قريبًا.