بقلم: أ. مصطفى إبراهيم
عاد المحللين العسكريين الإسرائيليين للتحذير من خطة الإصلاح القضائي، وتأثيرها على كفاءة الجيش الإسرائيلي، وتفاقم ظاهرة توقف أفراد في قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي عن الامتثال في الخدمة العسكرية احتجاجا على تقدم الحكومة في خطة الإصلاح القضائي لإضعاف القضاء، وعلى مدى تأثير هذه الظاهرة على كفاءات الجيش وجهوزيته للحرب. ووفقاً لمحللين عسكريين إسرائيليين أن شهري أيلول/ سبتمبر الحالي، وتشرين الأول/أكتوبر المقبل، هما شهران دراماتيكيان في هذه الناحية، وأن الشهر الفائت، رغم عدم وجود تطورات جديد لدى عناصر الاحتياط، لم يكن شهراً جيدا بالنسبة للجيش.
وأن تصعيدا في الاحتجاجات سيقود مباشرة إلى تفاقم الأزمة داخل الجيش الذي يرى في قانون تجنيد الحريديين على أنه موضوع مركزي من شأنه أن يؤثر على الجيش وليس على عناصر الاحتياط فقط.
وأن ما يقلق الجيش الإسرائيلي أكثر من التوتر على الجبهات الأمنية هو بالأساس انعكاسات الأزمة العميقة في المجتمع الإسرائيلي على كفاءات وتماسك الجيش.
وبحسب المحللين العسكريين تكمن الأهمية المباشرة بشكل رئيسي في سلاح الجو، ووفقاً لتقديرات مختلفة، فإن أكثر من 20٪ من جميع الطيارين الاحتياطيين وحوالي 25٪ من الطيارين المقاتلين، لم يعودوا للطيران والتدريب لمدة شهرين تقريبًا. ولا يهم أن حوالي نصفهم فقط أبلغوا قادتهم أنهم توقفوا عن الطيران بسبب الاحتجاج، وجزء آخر لأسباب أخرى من أجل ترك الباب مفتوحا.
في ظل هذه المعطيات وتقييم أكثر تشاؤماً وربما أكثر واقعية لتفاقم الأزمة في المجتمع الإسرائيلي، يحذر الجيش الإسرائيلي من أن العواقب والآثار ستكون محسوسة في علاقة مباشرة بالجيش، مثل عودة الاحتجاجات المتوقع حدوثها في العديد من نقاط الاحتكاك في شهر أيلول/ سبتمبر الجاري.
قد تكون هذه التحذيرات مبالغ فيها خاصة ما يمتلكه الجيش الإسرائيلي من فائض للقوة العسكرية، بما فيها القوى البشرية من جنود احتياط ونظاميين، وإمكانات فائقة يمتلكها الجيش واعتماده ليس فقط على سلاح الجو. ربما هي موجهة من قيادة الجيش الإسرائيلي والضباط الكبار في الاحتياط والسابقين في الجيش، وخدمة للمحتجين على خطة الإصلاح القضائي للضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن خطة الائتلاف الحاكم، وتأثيرها على النظام السياسي الإسرائيلي برمته وليس الجيش فقط.
تأتي هذه التحذيرات في وقت تمر به إسرائيل بجملة من التحديات الكبيرة. التوتر على الحدود الشمالية، والتهديد المتبادل من قبل المقاومة اللبنانية وأمينها العام حسن نصر الله، ومن وزير الامن الإسرائيلي يؤاف غالانت، تجاه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الضفة الغربية صالح العاروري، الذي يعيش في لبنان والمسؤول عن أنشطة المقاومة في الضفة الغربية.
إضافة إلى التصعيد على الساحة الفلسطينية، خاصة في الضفة الغربية المحتلة واشتعال المقاومة الفلسطينية، ولا حلول قريبة للحد من عمليات المقاومة الفردية والمنظمة. وقد تتصاعد الاحداث، ويمتد التصعيد إلى قطاع غزة في ظل التهديد الإسرائيلي بتنفيذ عمليات اغتيال ضد قادة المقاومة.
تصاعد التوتر في الساحة اللبنانية، وتصريحات غالانت في نيويورك، إلى جانب تصريحات حسن نصر الله الواضحة بأن أي اغتيال ينسب لإسرائيل على الأراضي اللبنانية سيؤدي إلى الرد، تشير على ما يبدو إلى تصاعد التوتر بشكل أكبر. على طول الحدود الشمالية، ولكن الأمور حتى الأن تحت السيطرة.
وحسب بعض المحللين العسكريين أنه خلال الأسبوعين الماضيين، تم تحديد عدة مؤشرات في المنظومة الأمنية تشير إلى انخفاض طفيف في مستوى التوترات. ربما تكون هذه محاولة للسيطرة بشكل أوثق على الأنشطة الميدانية لنشطاء حزب الله المحليين. والتوقع أن هذه التوترات مع حزب الله في لبنان سترافق إسرائيل في الأشهر المقبلة. والحدود التي رسمها حسن نصر الله ومنح الحصانة لقادة المقاومة الفلسطينية في لبنان، وهذا دليل واضح على المعضلة الإسرائيلية، في محاولة لتشكيل حدود إقليمية واضحة والخشية من تصعيد أمني وربما حتى حرب في الشمال.
ومع كل ذلك وواقع الشرق الأوسط الذي يتم تسخينه في أي لحظة، ولكن على الرغم من تصاعد تصريحات التهديد، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعتقد أن إسرائيل وحزب الله ليسا على حافة الحرب.
وبالعودة للساحة الفلسطينية هي الأكثر انفجاراً، وبحسب اعتراف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن فترة الأعياد تتسم بحساسية أمنية عالية، وهذا العام يبدو الأمر واضحاً بشكل خاص، عندما يشهد تسلسل اعمال المقاومة الفلسطينية، والحوادث الأمنية في الأسبوع الماضي على أبخرة الوقود في الهواء.
ومع أن التقديرات بأن إسرائيل قد تقدم على تنفيذ عملية اغتيال لقادة المقاومة في قطاع غزة، قد تتدحرج لعملية عسكرية، يتوقع المحللين العسكريين أن تقوم فصائل المقاومة خاصة حماس في المستقبل القريب بتكثيف جهودها لتقويض الوضع الأمني في الضفة الغربية وأيضًا داخل إسرائيل.
وبعد فترة طويلة من الصمت النسبي، يبدو أن قطاع غزة يستيقظ أيضاً، بالإشارة إلى الحديث عن عودة تفعيل معسكرات العودة، والقلق الإسرائيلي من وقوع اعمال مقاومة على الحدود الشرقية للقطاع.
في ضوء التحذير من تأثير خطة الإصلاح القضائي على كفاءة الجيش الإسرائيلي، وتزايد اعمال المقاومة في الضفة الغربية، والادعاء بارتفاع وتزايد مستوى التهديدات من جانب قيادة حماس، والقول أنه ليس من المستبعد أن يتم في مرحلة ما استئناف إطلاق الصواريخ من القطاع. والاعتقاد السائد في أن جزء من التحول الذي يحدث الآن تدريجياً في قطاع غزة يرتبط أيضاً بالجهود التي تبذلها حماس لتلقي المزيد من الأموال والمساعدات الاقتصادية من القطريين وأطراف دولية أخرى، وأيضاً محاولة ممارسة الضغط على إسرائيل من أجل الحصول على تنازلات مدنية واقتصادية إضافية.
هذه التناقضات في الرواية الإسرائيلية، وما يجري على أرض الواقع، هو أن المقاومة تتخذ اقصى درجات الحيطة والحذر في انتظار عدوان على القطاع، وكذلك القول بتدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية بشكل أكبر، ما سيؤدي في النهاية إلى عملية واسعة النطاق في قطاع غزة، وهي ليست عملية تتم في يوم واحد، إنما قد تحدث بشكل تدريجي.
وفي نفس الوقت الذي تطرح فيه المعضلة الإسرائيلية وكفاءة الجيش والعدوان على الفلسطينيين، وحول ما إذا كان يجب على إسرائيل أن تجني ثمناً من حماس في قطاع غزة بسبب ذلك، هي ادعاءات غير منطقية، في ظل التهديد الإسرائيلي باغتيال قادة المقاومة، والسياسة العدوانية وإرهاب المستوطنين في الضفة الغربية لم تتوقف وكذلك الإجراءات التي يتخذه بن غفير بحق الأسرى الفلسطينيين.