بقلم/ خالد صادق
مشهد اجرامي ودموي اعتدنا عليه دائما من جنود الاحتلال الصهيوني, جيش مدجج بشتى انواع السلاح والدروع الواقية والجيبات والدبابات المحصنة, يفتح نيرانه على سيارة مدنية يستقلها ثلاثة فلسطينيين, اجرام في القتل, ودموية تدل على عقلية ذاك المحتل المجرم, وهمجية ليس لها مثيل, عشرات الجنود والقناصة يصوبون بنادقهم نحو السيارة والرصاص ينهمر على من بداخلها كالمطر, والقتل لا يكفي هؤلاء المجرمين القتلة الصهاينة, انما يقومون بسحب السيارة ومن بداخلها, بعدما تيقنوا ان من بداخلها تحولت اجسادهم الى اشلاء متناثرة, وتم طحنهم طحنا بالرصاص, لم تكفهم مائة رصاصة او مائتين او ثلاثمائة, انما كان سيل من الرصاص الجبان يستهدف من بداخلها من كل الاتجاهات, والحصيلة كانت شهيدين من كتيبة جنين التي لطالما اوجعت الاحتلال, وفتى فلسطينياً كان برفقة الشهيدين, كانت بلدة عرابة جنوب جنين مسرح تلك الجريمة البشعة للاحتلال, والشهداء الثلاثة الاطهار المستهدفون بكل هذا الجبن الصهيوني والحقد والغل هم نايف أبو صويص وخليل ابو نعسة وبراء كرامة, وهم من كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي, قتلهم الاحتلال الصهيوني بكل هذا الحقد الاسود بعد تصريحات ما يسمى بوزير الامن القومي الصهيوني المجرم ايتمار بن غفير, الذي قال انه يجب تكريم كل اسرائيلي يقتل فلسطينيا, ومنحه شهادة تقدير على بطولته, ودعا الى تسليح كل الاسرائيليين, والقتل لمجرد الشك, لان حياة المستوطن اغلى من أي مجازفة او مغامرة لذلك عليه ان يقتل بلا تردد, دون ان يخشى شيئاً, فلن يستطيع احد ان يحاسبه على جريمته, والادارة الامريكية والمجتمع الدولي دائما ما يغض الطرف عما يفعله الاسرائيليون بحق الفلسطينيين, ولا يحرك ساكنا او نسمع له صوتا, الا عندما تتعرض اسرائيل لضربات المقاومة الفلسطينية.
حكومة نتنياهو المجرمة ارادت ان ترد سريعا على عملية تل ابيب البطولية التي نفذها الشهيد البطل كامل ابو بكر, والتي ادت لمقتل شرطي صهيوني واصابة ثلاثة مستوطنين, بعد ان تعرضت حكومة نتنياهو المتطرفة الى انتقادات عنيفة من المعارضة الصهيونية, وفشل المنظومة الامنية المتكرر امام الفلسطينيين, وتكرار العمليات الفدائية البطولية في قلب المدينة المحاطة بكل وسائل الحماية الامنية والتكنولوجية والرقابة, ورغم ذلك تتركز في داخلها عمليات الفلسطينيين, ويبدو ان «اسرائيل» وصلت الى قناعة انها لن تستطيع وقف العمليات في تل ابيب مهما اخذت من الاحتياطات الامنية والتكنولوجية, وتحاول «اسرائيل» ان ترد على تلك العمليات البطولية بمجازر بشعة تسعى من خلالها لاسترضاء الاسرائيليين ومحاولة ايصال رسالة للفلسطينيين ان تلك العمليات الفدائية ستتم مواجهتها بجرائم بشعة, فسياسة الردع الاسرائيلية لكل ما هو فلسطيني ليس لها معيار, وليس لها حدود, وتحمل من الصورة الهمجية والبربرية والدموية ما تعتقد بأنه يخيف الفلسطينيين ويرعبهم ويمنعهم من الاستمرار في عملياتهم البطولية, لكن الفلسطيني يعلم ان معركته فيها جولات وجولات, مرة تنتصر فيها, ومرة اخرى تضحي وتقدم شهداء, خاصة انك تواجه احتلالا مجرما من نوع خاص, احتلال صراعنا معه صراع وجود وليس صراع حدود, صراع لا ينتهي الا باندحار الاحتلال عن الارض الفلسطينية المغتصبة, ففلسطين لا تتسع لشعبين, ولا يمكن ان تقبل غرباء يعيشون فوق ارضها الطيبة المقدسة, وهذا ما يدركه الفلسطيني جيدا, وبات الاسرائيلي المستعمر يعلمه, لذلك ليس لقضيتنا الفلسطينية انصاف حلول, وعلى الواهمين الذين يتعلقون بالسلام الموهوم ان يقرأوا التاريخ جيدا, وان لا يعموا على الحقيقة التي يعلمونها جيدا, فالاحتلال لن يقبلهم او يشاركهم في «دولة» او يمنحهم حقوقا بالمجان, لأنه احتلال مجرم اقصائي.
اما آن للسلطة واجهزتها الامنية ان تعيد النظر في علاقتها «بإسرائيل» وان تتوقف عن ملاحقة الفلسطينيين على خلفية سياسية, وان توقف التنسيق الامني مع الاحتلال, وان تعدد من خياراتها في مواجهته, الاحتلال ارتكب جريمة بالأمس في عرابة, والسلطة واجهزتها الامنية كانت تكمل المشهد الدموي بالملاحقة للمجاهدين الفلسطينيين واعتقالهم, «اسرائيل بالأمس سحبت السيارة التي كان يستقلها الشهداء الثلاثة من عرابة, لأنها تعلم ان تركتهم فستترك عبئاً كبيراً على اجهزة امن السلطة, لان جنين بأكملها ستخرج لتشييع مواكبهم, وهذا يعني عدم قدرة الاجهزة الامنية ضبط الشارع في جنين, وفقدان السيطرة عليه, وستعلوا الهتافات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في سجون السلطة, وربما تتدحرج الامور الى ما هو أسوأ, لذلك كانت السلامة تقتضي سحب جثامين الشهداء, واحتجازهم لدى الاحتلال, وهذا يحدث بالتنسيق الامني بين السلطة والاحتلال, فكلاهما يلعب دوراً في محاولة مستميتة للقضاء على المقاومة, لكن هيهات, فالمقاومة لا يمكن حصرها او اضعافها او القضاء عليها, فقد باتت ثقافة يتحلى بها شعبنا, وخيارا لا بديل عنه لمواجهة الاحتلال.