Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

اتفاق إيراني-أميركي في الأفق وغياب التأثير الإسرائيلي

قناة فلسطين اليوم

بقلم / حسن لافي

الاتفاق الجزئي بين الجمهورية الإسلامية في إيران والولايات المتحدة الأميركية بخصوص الملف النووي الإيراني الذي يجري إبرامه، والذي تسرب للإسرائيلي بعيداً من الطريق الأميركي الرسمي بداية، ثم من خلال الإعلام الدولي، هو "اتفاق مصغر" كما أطلق عليه نتنياهو، بمعنى أنه اتفاق جزئي، لا يعالج الجوانب كافة بين أميركا وإيران في الملف النووي الإيراني، ولكنه يوقف تسارع المشروع النووي الإيراني، والذي منذ فشل الوصول إلى اتفاق كامل مع الدول الخمس +١ لا يوجد أي قدرة أميركية على إجبار إيران على وضع أي قيود على خطواتها في هذا المجال، ناهيك بانشغال الولايات المتحدة الأميركية في الأزمة الأوكرانية- الروسية. 

وهنا يجب ملاحظة الأمر الجديد في الاتفاق الجزئي، وهو دخول الملف الروسي -الأوكراني على خط النقاش الأميركي-الإيراني من خلال قصة السلاح الإيراني المباع إلى روسيا، والحديث عن الصواريخ الباليستية، والمسيّرات القتالية، وهذا تطور مهم، وكأن إيران باتت لديها ورقة سياسية جديدة للتفاوض والمناورة مع الأميركيين من جهة، وسيزيد من قدرة الإدارة الأميركية على تسويقه داخلياً من جهة أخرى. لكن، يبقى التساؤل المركزي كيف ستكون طبيعة الموقف الإسرائيلي من هذا الاتفاق؟ والأهم كيف ستتعامل الحكومة الإسرائيلية مع إدارة الرئيس جو بايدن في هذا الملف؟

من الواضح في ضوء التصعيد التهديدي الإسرائيلي، وتسخين الأوضاع، خاصة تجاه استهداف المشروع النووي الإيراني إسرائيلياً وارتفاع سخونة الجبهة الشمالية مع حزب الله، تسعى الإدارة الأميركية إلى نزع فتيل أي احتكاك وقطع الطريق أمام أي مغامرة عسكرية من الممكن أن تفكر "إسرائيل" في القيام بها تجاه إيران بشكل فردي، رغم صعوبة حدوث الاحتمال من وجهة نظرنا، فمجرد إعلان الولايات المتحدة الأميركية ذهابها إلى بلورة اتفاق حتى ولو كان جزئياً مع إيران حول المشروع النووي، هو بمنزلة ضوء أحمر أميركي أمام ذهاب "إسرائيل" إلى الخيارات العسكرية العلنية المفتوحة. 

وهنا، تجدر الإشارة إلى العلاقات المتوترة بين الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس جو بايدن وبين الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي منذ توليه الحكومة مجدداً لم تتم دعوته إلى زيارة البيت الأبيض.
والحوار الاستراتيجي بينه وبين الإدارة الأميركية يمر عبر وكلاء ووسطاء داخليين أو خارجيين، وتتمركز العلاقات الأميركية -الإسرائيلية في المستوى المهني التنفيذي في قيادة البلدين، وبالتالي بات واضحاً أن بايدن لن يشغل نفسه كثيراً بإقناع نتنياهو بأهمية الاتفاق حتى ولو كان جزئياً، بل كعادة الديمقراطيين الأميركيين سيتعاملون على أنهم أكثر فهماً لمصلحة "إسرائيل" من قيادتها الفعلية وخاصة نتنياهو، الذي باتت الإدارة الأميركية الديمقراطية تعدّه خطراً على الفكرة الصهيونية الأساسية، في ظل تحالفه مع الصهيونية الدينية الفاشية.

فكما صرح جو بايدن نفسه أنه صهيوني وقد يكون أكثر صهيونية من بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية الحالية بالمفهوم الصهيونية العلمانية المؤسسة لـ"إسرائيل". وهنا، لن يتعامل بايدن كما فعل الرئيس باراك أوباما سابقاً، بل ستفرض الإدارة الأميركية الاتفاق الجزئي على أرض الواقع السياسية، متخطية نتنياهو.

ولكن، هذا ليس معناه غياب التنسيق والنقاش العميق على المستويين العسكري والأمني بينهما، فزيارة يؤاف غالنت لنظيره الأميركي لويد أوستيد في هذا التوقيت، والتي سبقتها زيارات وجلسات مكوكية بين قيادات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والقيادات الأميركية، تؤكد وجود تعاون وتقديرات مشتركة، خاصة أن غالنت لم يطلب من الأميركيين إلا طلباً واحداً إضافياً عن المطالب الإسرائيلية التقليدية، أثناء لقائه لويد، حسب الإعلام الإسرائيلي، وهو إدراج بند عدم تصنيع إيران للصواريخ الباليستية وتطويرها في الاتفاق؛ لأن ذلك يهدد أمن "إسرائيل"، كون الاتفاق الجزئي كما الاتفاق السابق لا يعالج القوة العسكرية التقليدية الإيرانية بما فيها القدرات الصاروخية وحديثاً الطائرات المسيّرة، والتي كشف الإعلام الإسرائيلي أن هناك نية إيرانية لتطوير تلك المسيّرات ليصبح هجومها على شكل أسراب عديدة في الهجمة الواحدة وليس فردياً، ما يرفع من مستوى تهديد هجماتها، ويؤثر سلباً في قدرة الدفاعات الجوية الإسرائيلية للتصدي لها.

لكن تصريح غالنت ومطلبه، يحملان من الناحية السياسية، موافقة غير مباشرة من جانب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على المسار الأميركي الذاهب نحو الاتفاق مع الإيراني حتى ولو جزئياً، الأمر الذي يشير إلى تجاوز المؤسسة العسكرية لنتنياهو بشكل فعلي، وهنا مهم إدراك أن قدرة نتنياهو على التحشيد داخلياً وخارجياً ضد جو بايدن والاتفاق الجزئي، ليست بمستوى قدرته التحشيدية ضد باراك أوباما والاتفاق السابق. ورغم احتمالية أن يذهب نتنياهو إلى نظرية الهروب إلى الأمام والعمل على خلط الأوراق عسكرياً في المنطقة، لكن "الجيش" والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية لن يسمحا له بذلك بسهولة، إذ يشير سلوك نتنياهو في المعركة الأخيرة في غزة (ثأر الأحرار)، إلى التزام نتنياهو بإرادة "الجيش" والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية ورؤيتهما، بل أبعد أعضاء الكابينت لحكومته من الكثير من جلسات تقدير الموقف وأخذ القرار العسكري.

كل ما سبق يوصلنا إلى نتيجة أساسية مفادها أن الموقف الإسرائيلي الحكومي والعلني رافض لأي اتفاق أميركي مع إيران في الملف النووي الإيراني، كون أي اتفاق لا يمنع إيران من امتلاك القدرة النووية تعدّه "إسرائيل" خطراً وجودياً على أمنها القومي، لكن في ظل المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، من الصعب على نتنياهو وحكومته منع جو بايدن من الذهاب إلى الاتفاق.

وكالعادة ستحاول المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تقديم فاتورة كبيرة من المطالب التقنية والعسكرية والتمويلية إلى الإدارة الأميركية كتعويض عن الاتفاق. ومن الناحية السياسية، إذا استمرت حكومة نتنياهو الحالية الأكثر تطرفاً، فمن الممكن أن تزيد من تطرفها في ملفات أخرى رغماً عن الإرادة الأميركية، وخاصة في ملف الاستيطان والتهويد، كونها تدرك أن جو بايدن وإدارته لا يمكنهما الضغط على "إسرائيل" في أكثر من ملف.