بقلم/ أحمد الصباهي
حتى كتابة هذه السطور، لقد مرّ على عملية "ثأر الأحرار" التي أطلقتها "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي"، بالتعاون مع الغرفة المشتركة، خمسة أيام، وقد توصلت "الجهاد الإسلامي" إلى اتفاق تهدئة، من ثلاثة بنود، يتضمن عدم استهداف المدنيين، ووقف هدم المنازل، ووقف استهداف الأفراد، بوساطة مصرية.
كان من اللافت جداً، أن "الجهاد الإسلامي" تمهلت قبل أن ترد على جريمة الاحتلال الإسرائيلي، باغتيال ثلاثة من قادة "السرايا" مع عائلاتهم، وهم طارق عز الدين، وخليل البهتيني، وجهاد غانم، ولعل عملية "بزوغ الفجر" الإسرائيلية التي على أثرها ارتقى سابقاً قادة من "السرايا" أيضاً (تيسير الجعبري، وخالد منصور)، كانت محطة مهمة للوقوف على رأي بقية الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة "حماس"، للخروج بموقف سياسي وعسكري موحد، يفوت على الاحتلال فرص الاستفراد بحركة "الجهاد الإسلامي"، وهو ما حاول الاحتلال اللعب على وتره، عبر تصريحات كبار قادته، من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وصولاً إلى وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت اللذين شددا في تصريحاتهما، على أن المعركة هي مع "الجهاد الإسلامي" وليس مع "حماس"، وإن لم تخلُ تلك التصريحات من تهديدات لـ"حماس" باغتيال قادتها في حال تدخلت.
الخلفيات والأسباب المباشرة للحرب على حركة "الجهاد"
تحدثت الصحافة الإسرائيلية والمحللون السياسيون عن الأسباب التي دفعت نتنياهو لشن هذه الحرب، وهي بظاهرها، "مبررة" إسرائيلياً لجهة الأزمة الداخلية التي يعاني منها الكيان الإسرائيلي، جراء التعديلات القضائية، وصولاً إلى الحفاظ على الائتلاف الحكومي اليميني العنصري القومي المتشدد، جراء اعتراض كل من الوزيرين إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، على ما أسموه "الرد الباهت"، بعد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، إثر استشهاد خضر عدنان، (افتتاحية هآرتس 10\5\2023 )، والانسحاب من جلسات التصويت في الكنيست الإسرائيلي، إلا أن تصريحات القادة الأمنيين، وما جرى تسريبه عبر الصحافة الإسرائيلية عن الخلفيات الحقيقية لهذا العدوان، تبين بما لا يدع مجالاً للشك، أن ما جرى تم التحضير له منذ فترة، وله علاقة مباشرة بما يعتقد الاحتلال أنه خطر مميت، وهو استمرار مفهوم "وحدة الساحات"، لدى "الجهاد الإسلامي".
ففي المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بعد يوم من إطلاق عملية "سهم ودرع" الإسرائيلية، تحدث رئيس جهاز "الشاباك" رونين بار بأن الجهاز أحبط خلية في منطقة جنين بدأت بتصنيع صواريخ ومنصات لإطلاق الصواريخ من شمال الضفة باتجاه "إسرائيل"، وأشار إلى أن طارق عز الدين، الذي استشهد مع طفليه علي وميار عز الدين في العملية ضد غزة، موّل هذه الخلية وقام بتوجيهها، بدوره، قال رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، هرتسي هليفي، إن الجيش يعدّ العدّة لهذه العملية منذ فترة، وقد انتظر واختار التوقيت الأنسب للقيام بها. (صحيفة معاريف، 10\5\2023 ).
من جهته، ذكر رون بن يشاي في موقع "واي نت" العبري (9\5\2023)، أن أهداف الحملة الإسرائيلية على "الجهاد الإسلامي" تتلخص في الردع، ومنع تنفيذ عمليات في الضفة الغربية، والثالث ما أسماه "الانتقام ودفع الثمن".
أما يوآف ليمور من صحيفة "يسرائيل هيوم" (11\5\2023)، فقد أوضح كذلك الأسباب الحقيقية لهذه العملية بالقول: "لقد أراد التنظيم (الجهاد الإسلامي)، الربط بين غزة والضفة بحيث يجري فور سقوط كل "قتيل" في الضفة إطلاق نار انتقامي".
ماذا يحصل لو جرى التراجع عن مفهوم وحدة الساحات؟
بالرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمتها "سرايا القدس" من خيرة قادتها، ومن عموم أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فإن التراجع عن هذا المفهوم، دونه مخاطر جمة:
أولاً: تراجع مكانة القضية الفلسطينية عربياً ودولياً، ذلك أن إبقاء جذوة الصراع مشتعلة مع الاحتلال على التراب الفلسطيني كله، جدير بإبقاء القضية الفلسطينية حية، وعلى جدول الأعمال العربي والدولي، وعلى المستوى الإعلامي.
ثانياً: المضي قدماً بمشاريع التطبيع مع الدول العربية، ومن هي مرشحة لذلك، ذلك أن تضحيات المقاومة، والشعب الفلسطيني بأطيافه كافة، كفيلة بإبقاء شعلة القضية الفلسطينية حية في نفوس الشعوب، مما يشكل حرجاً أو تحدياً لتلك الدول لتعيد حساباتها قبل الموافقة على التطبيع مع الاحتلال.
ثالثاً: المخاطر المحدقة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، وتشجيع عودة مخططات التوطين، على شاكلة ما خططت له الإدارة الأميركية بـ"صفقة القرن".
رابعاً: انتهاء دور المقاومة في القطاع على مستوى مشروع تحرير فلسطين، لينحصر بالمتطلبات الحياتية لأهالي القطاع.
خامساً: إطلاق يد الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس، مع ما يحمله ذلك من تداعيات على مصير المسجد الأقصى لجهة أطماع الاحتلال التهويدية، وترسيخ مبدأ التقسيم المكاني، بعد معادلة التقسيم الزماني، والتي تواجه بصمود المقدسيين، ذلك أن رفع غطاء المقاومة العسكري من غزة عن اعتداءات المستوطنين، سيترك المقدسيين وحدهم في الميدان.
سادساً: اجتياح الضفة الغربية، وإجهاض المقاومة، وخصوصاً في شمال الضفة الغربية، في المناطق الملتهبة، كجنين ونابلس، بحيث من الممكن أن نشهد عملية "سور واقي2" كالتي شهدناها عام 2002، ذلك أن ما يمنع الاحتلال من شن عدوان واسع، هو الأخذ بالحسبان ردة فعل المقاومة في القطاع.
سابعاً: إطلاق يد مصلحة السجون ومحاكم الاحتلال الإسرائيلية بإجراءات قمعية خصوصاً بحق المعتقلين إدارياً، والمضربين عن الطعام، وبأسرى الجهاد تحديداً.
ثامناً: ضياع دماء الشهداء خلال السنوات الأخيرة التي سقطت بفعل الحروب التي خاضتها "الجهاد الإسلامي" والمقاومة في القطاع، وفق مفهوم "وحدة الساحات".
إن ضريبة "وحدة الساحات" ستكون مرتفعة، لكن أليس التراجع عنها مكلفاً أكثر.