بقلم: تيسير الغوطي
خيري علقم ابن مخيم شعفاط بالمدينة المقدسة, ومنفذ عملية القدس البطولية ضد المغتصبين الصهاينة في مستوطنة النبي يعقوب بتاريخ 27/1/2023 أكبر من كل الكلمات ومن كل المقالات التي كتبت أو ستكتب حول عمليته البطولية والفذة والمتميزة في طريقة أدائها مكانًا وزماناً, وما حققته من نتائج مبهرة أثلجت قلوب كل المكتومين بجرائم الاحتلال الصهيوني على امتداد الساحة الفلسطينية خاصة أبناء مخيم جنين، بل على امتداد كافة ساحات الوطن العربي والإسلامي، وفي نفس الوقت ولدت غصة وألماً وحزناً واكتئاباً في صدور ونفوس مجرمي الكيان الصهيوني من قادة سياسيين وعسكريين ومستوطنين مغتصبين، ويشاركهم في ذلك الحزن والألم والاكتئاب كل الذين ربطوا مصيرهم ومستقبلهم بمصير الكيان الصهيوني من الحكام والقيادات المتسلطة على شعوب أمتهم والمنبتة عن عقيدة ودين أمتهم ، لذلك كله - وغيره الكثير – سيظل الشهيد خيري علقم رمزاً متميزاً للنضال والجهاد والمقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، وسيمثل نموذجاً يحتذى به وتشرأب إليه الأعناق في كافة النواحي المرتبطة بعمله الجهادي وعمليته الفذة وفي مقدمتها الناحية الفكرية .
لقد مثل الشهيد خيري علقم نموذجاً فكرياً متقدماً تجاوز به النظام الرسمي الحاكم في العالم العربي والإسلامي بما فيه النظام الرسمي الفلسطيني وقيادات تلك الأنظمة التي رضخت للضغوط الصهيوأمريكية لملاحقة المجاهدين والمقاومين المنتفضين في وجه الكيان الصهيوني، وتلك التي قبلت بإمكانية التعايش مع هذا الكيان الغاصب للأرض والحقوق المدنس للمقدسات، رغم كل الجرائم التي يرتكبها صباح مساء بحق الأرض والإنسان والمقدسات في فلسطين وخارجها، وذلك حين يكتب في صفحته على الفيسبوك في أكتوبر 2021 " من قال أننا نريد السلام؟" لأنه يدرك تماماً أن هذا العدو المجرم المغتصب لا يمكن التعايش معه ولا يمكن بناء السلام معه، وكيف يكون ذلك وهو القائم على القتل والاغتصاب والإجرام ونفي الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه ووطنه ؟ ، بل كيف يكون ذلك وهو الذي أنشيء بدعم القوى الاستعمارية الظالمة ليكون بمثابة المركز المتقدم والعصا الغليظة التي تستخدمها تلك القوى لإدامة سيطرتها على المنطقة ونهب خيراتها وثرواتها، وبالتالي يجب أن يمثل هذا الكيان الصهيوني العدو الأول للفلسطينيين وللعرب وللمسلمين وما دونه هوامش .
كما مثل الشهيد خيري علقم نموذجاً فكرياً متقدماً في سرية العمل والتعمية على العدو ما أمكنه ذلك, متمثلاً قول رسول الله – الكريم " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان " ، الأمر الذي مكنه من مباغتة العدو في المكان والتوقيت، وإيلام هذا العدو بالنتائج التي حققها، ويمكننا إدراك مدى تقدمه في هذا النموذج (سرية العمل) إذا ما قارنا مسيرة حياته وتحركاته في السنوات الأخيرة بما عليه معظم أبناء الحركات والتنظيمات المقاومة العاملة في فلسطين، الذين لا يكاد يخفى أمرهم على أحد من عامة الناس فكيف بالأجهزة الاستخبارية خاصة الصهيونية بما تملكه من أدوات وقدرات وإمكانيات.
ومثل نموذجاً في التعالي على الحياة المترفة تحت حراب الاحتلال الصهيوني التي يمكنه الحصول عليها إذا ما قبل بالعيش المادي تحت الاحتلال وذل اغتصاب الحقوق وتدنيس المقدسات، ليتقدم رافضاً ذلك كله ويعلن ويؤكد بدمه أن الشهادة والاستشهاد في سبيل العزة والكرامة وانتزاع الحقوق والدفاع عن المقدسات هو الواجب المقدس الذي على الإنسان الحر والكريم أن يتقدم باتجاهه دوماً، وفي نفس الوقت قدم نموذجاً في التعالي على كل الأضرار التي ستلحق بعائلته ومحبيه وأهل بلدته نتيجة الإجراءات الصهيونية الإجرامية والمنهجية بحق الأرض والإنسان، وفي هذا المقام نستذكر قول الدكتور-فتحي الشقاقي - رحمه الله -–" إن ضريبة الذل التي ندفعها عند القبول بالعيش تحت الاحتلال الصهيوني أكبر بكثير من ضريبة العزة والكرامة التي ندفعها عند مقاومته والجهاد ضده" .
كما قدم خيري علقم نموذجاً مقاوماً تجاوز به كل الهياكل المقاومة الموجودة على الساحة الفلسطينية خاصة تلك التي تكلست وفقدت القدرة على الإبداع في أشكال وأساليب البناء للإنسان المقاوم, كما وأساليب العمل والتنفيذ للعمل المقاوم، وقبل ذلك الهياكل المقاومة التي قبلت على نفسها بعد تخليها عن المقاومة والجهاد لأن تكون أداة طيعة في يد الاحتلال الصهيوني ومن خلفه القوى الاستعمارية الظالمة لمواجهة المقاومين والمجاهدين، مقابل مكاسب مادية دنيوية سرعان ما ستزول، ولكن ستبقى ذكراها إلى أبد الآبدين, لأنها مكاسب مغمسة بالذل والهوان, وقبل ذلك بمخالفة قيم وتراث وعقيدة الأمة, فعندما يكتب الشهيد خيري علقم في صفحته على الفيسبوك في اكتوبر2020 " القناص الصحيح في المكان المناسب خير من ألف جندي في ساحة المعركة" فكأنه يضع علامة استفهام على طريقة البناء في معظم هياكل تنظيمات المقاومة الفلسطينية التي تعتمد على تكوين الكتائب وشبه الجيوش، والتي سرعان ما يتم كشفها وضربها وتصفية عناصرها الفاعلة سواء بعد تنفيذ عمل جهادي أو بناء على عمل استخباري تقوم به الأجهزة الأمنية الصهيونية ، ويؤكد من خلال النموذج الذي يدعو إليه في مقالته السابق الإشارة إليها ومن خلال نتائج عمله الجهادي أن هذا النموذج هو الأمثل وفي أقل تقدير هو الأفضل في التعامل مع الكيان الصهيوني ضمن الظروف التي تعيشها الساحة الفلسطينية في هذه الحقبة الزمنية، فمثل هذا النموذج يؤلم الكيان الصهيوني ويكلفه الكثير من الدماء والأمن والاستقرار، وفي نفس الوقت يفقده الكثير من مبررات أعماله الإجرامية الانتقامية بحق الأرض والإنسان، وعلى الجهة المقابلة تكون التكلفة اقل في عدد الشهداء وأضرار البنية التحتية في المجتمع الفلسطيني .
وقبل ذلك كله قدم الشهيد خيري علقم نموذجاً في الثقة المطلقة بالله عز وجل التي يجب أن يتمتع بها المجاهد في سبيل الله والمتقدم بجهاده دفاعاً عن أرضه ووطنه ومقدساته وحقوقه المغتصبة، الثقة بأنه سيكافأ من الله بأضعاف أضعاف ما يقدمه على الأرض في هذه الحياة الدنيا، يقول الشهيد خيري علقم في أخر ما كتبه في صفحته على موقع الفيسبوك " لا تقلق سوف يعطيك ربك حتى ترضى، وسوف يعطيك حتى تنسى أن هماً مر عليك " فهذا القول يحمل في ثناياه الثقة المطلقة بالله عز وجل وما عنده من الخير والنعيم، والتي تشكل دافعاً إضافياً وقوياً للمجاهد للانطلاق نحو هدفه وممارسة عمله دون خوف أو وجل، وهو ما يجب أن يتمثل به واقعاً كل المجاهدين الذين ينطلقون لتنفيذ عمل جهادي ضد الكيان الصهيوني، وما يجب أن يبنيه الإطار المقاوم في نفوس أبنائه عبر منهاجه التربوي والفكري والثقافي الخاص به.
إن نجاح نموذج الشهيد خيري علقم مثل وسيظل يمثل ضربة قوية للأجهزة الأمنية الصهيونية التي فشلت في حماية أكثر الأماكن حساسية وأهمية ودعائية رغم استنفارها الشديد وأعدادها الكثيرة المنتشرة في كل مكان و كل زاوية فيه ، وهو ما يعني تعميق أزمة الوجود للكيان الصهيوني،الذي يعتمد في حياته وبقائه على استمرار الأمن والاستقرار، ففقدان هذا الأمن والاستقرار يعجل من قرب نهاية هذا الكيان وزواله عن الأرض والمقدسات ان شاء الله .
كثيرة هي الفوائد والعبر والعظات التي يمكن الكتابة عنها والمستفادة من نموذج الشهيد خيري علقم, والذي سيبقى نبراساً يضيء طريق الجهاد والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني وجرائمه بحق الأرض والإنسان والمقدسات ، وسيبقى نموذجاً تشرأب إليه أعناق كل المجاهدين الصادقين للاحتذاء به وتمثله.
فسلام لروحك الطاهرة في عليين عند مليك مقتدر، وسلام لذكراك العطرة في الأرض وبين الناس حتى تحرير فلسطين كل فلسطين من دنس الاحتلال الصهيوني ، بل حتى قيام الساعة إن شاء الله .