يحمل القول بـ «نهاية المثقف» واستبداله بـ «المفكر» محاولة ماكرة لطي مقولة متقدمة سطع نجمها مع صعود حركات التحرر في العالم، وأخذ المثقف لدوره كصاحب رسالة في المجتمع، لا يمكن النظر إليها باستقامة دون المشاركة في الشأن السياسي والانخراط في الهم العام
، وبالتالي استبدالها بمقولة تقنية تحت عنوان: «المفكر" ما هو إلا إعادة لشكلانية الدور ونخبويته، بل الإيحاء باقتصار فعاليته ضمن نشاطها في السياق النظري المحض، بعيداً عن الترشيد المفترض للفعل السياسي.
وما يزيد هذه الدعوات شبهة هو تحميلها للمثقف العربي مسؤولية ما آلت إليه الحال العربية، عبر إشاعته للأوهام ودفاعه عن شعارات لا يمكن تحقيقها.. فالمثقف مصدر كل الخيبات والنكسات والهزائم التي ألمت بنا، ويضمر ادعاء كهذا تغييباً للمسؤول الحقيقي كما يُشتّم منه رائحة كريهة لتزلف بائس، يحاوله القائل لوصول أهداف ضيقة، وتحقيق مطامح صغيرة... وإذا ما أردنا الربط بين الامتياز الأمريكي الشهير بـ «نهاية التاريخ»، والنسخة العربية بـ «نهاية المثقف»، سنكون غداً، وبكثير من الاعتياد أمام دعوة بـ «نهاية الحلم»، وعليه يتوجب قبولنا بكل ما تأتيه النهايات هذه من مفاهيم وتصورات لحاضرنا ومستقبلنا»..
تصدر مخاتلات «الأحصنة النظرية» هنا من تعريب ممسوخ لسجال «التفكيك» الذي ترعرع ونما في تربة لها خصوصيتها، أثمرت بتطور «الابستمولوجيا» الأوروبية عموماً، والفرنسية منها على وجه الخصوص، وبالتالي تحتم الموضوعية في الاستفادة منها بقراءة الواقع العربي أولاً واستخلاص الدروس العيانية، والتي لا أعتقد أنها تتحمل الإسقاط الميكانيكي على واقع كواقعنا ثانياً.. فليّ أعناق الحقائق كي تناسب المواقف المسبقة «لخلطات فكرية» كي لا تشوبها تهمة «الإيديولوجيا»، هو «براغماتية» من نوع خاص لا تقل خطورة عن سواها في انتفاء الناظم الأخلاقي لبنائها النظري، وممارستها، وأعتقد أن الاغتيال الفكري لفكرة «المثقف» لا يقل بشاعة عن اغتياله الجسدي.
زاوية الاسبوع