أكد متحدثون في ندوة حول المشهد الفلسطيني بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة نظمتها بلدية البيرة في مركز البيرة الثقافي، ضرورة وجود خطة فلسطينية للتعامل مع التطورات الحاصلة إسرائيليا، على ضوء نتائج الانتخابات والتغيرات المتوقعة في الحكومة المقبلة بناء على مفاوضات الائتلاف الحالي، مشيرين إلى أن هذه النتائج تعني مرحلة مختلفة تماما وبعضهم وصفها بميلاد "إسرائيل الجديدة".
وقدم الصحفي والخبير بالشأن الإسرائيلي وليد العمري رؤية للواقع الجديد لدى الاحتلال مؤكدا أن "إسرائيل القادمة لن تكون هي ذات إسرائيل التي عرفت ما قبل الانتخابات"، مشيرا إلى وجود نتيجتين مؤثرتين هما النتيجة الكبيرة لتحالف الصهيونية الدينية الذي يضم ثلاث حركات يمينية متطرفة والتي لها مظلة عقائدية واحدة وخطيرة جدا، والنتيجة الثانية هي النتائج في الوسط العربي، بحيث لم تعد الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة هي الحزب الأول، بل إن القائمة العربية الموحدة هي الأولى.
وأكد العمري على الخطورة الناجمة عن الفوز الكبير للصهيونية الدينية، بالاتجاه نحو الفاشية، حيث عرّض بنيامين نتنياهو نفسه لابتزاز هذا التيار، مشيرا إلى أن هناك تحذيرات من داخل الاحتلال من موافقة نتنياهو على مطالب بن غفير وسموتريتش خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الإسرائيلية على إسرائيل نفسها، حيث يسعى بن غفير إلى تحويل حرس الحدود إلى سيطرته، ويريد سموتريتش تحويل الإدارة المدنية لتبعية وزارة المالية، أي إنشاء عصابات لكل منهما خصوصا في الضفة الغربية، كما أشار إلى وجود تخوف لدى الإسرائيليين من تفكك النظام القانوني لديهم، بحيث يسعى نتنياهو من خلال تحالفه إلى إمكانية إلغاء أغلبية بسيطة في الكنيست لقرارات المحكمة العليا، وكذلك لإقرار قانون يجنب رؤساء الوزراء أي مساءلة قانونية مهما كانت التهمة وهم على رأس عملهم.
وتابع العمري أن الحركة الصهيونية كانت ذكية بإنشاء 3 دول، هي "إسرائيل الليبرالية في تل أبيب" التي يراها الغرب ويقول إنها تشبهه، و"إسرائيل المتدينة المتزمتة" والتي أخفوها في القدس وبني براك، وكذلك أسست "إسرائيل الفاضية الاستيطانية في الضفة الغربية" والتي تظهر الآن على السطح
وطالب العمري بثلاث خطوات فلسطينية، هي استخدام أدوات نضالية يحترمها العالم، وإنهاء ملف الانقسام السياسي الفلسطيني بأي ثمن، واحترام الرأي والرأي الآخر داخل الشارع الفلسطيني وإنهاء فكرة الإقصاء سواء في مناطق ال67 أو ال48.
بدوره أكد مدير مركز مسارات هاني المصري أن الاحتلال يدخل مرحلة جديدة لا تتوقف على حصول حزب فاشي على 14 مقعدا، بلد تدل على سير دولة الاحتلال المستمر نحو اليمين، وأن ما حصل ليس لحظة طارئة، وأن هناك تنافس إسرائيلي بين اليمين واليمين الأكثر تطرفا، بين يمين علماني وديني، فبرأيه معظم من سيكونون خارج الحكومة المقبلة هم يمين كذلك.
واعتبر المصري أن للصهيونية الدينية الذين لم يتجاوزوا 14 مقعدا في الكنيست اليد العليا في مفاوضات الحكومة، لأن نتنياهو لا يستطيع تشكيل الحكومة بدونهم.
وحذر المصري من استمرار الفلسطينيين بالسياسات السابقة كما هي، والرهان على العامل الخارجي، لأن أي عامل خارجي برأيه يحتاج إلى أن يبدأ الفلسطينيون بأنفسهم، خصوصا مع ما وصفه بتقلص الفروقات بين المعسكرين الفلسطينيين بحيث لا يوجد حاليا مفاوضات، وفي المقابل المقاومة العسكرية معطلة.
وطالب المصري بالنظر إلى عدالة القضية الأخلاقية في أي مواجهة عسكرية، باستهداف جيش الاحتلال وعدم استخدام التفجيرات نحو المطاعم والكافتيريات، كما حذر من استغلال الاحتلال لحروب إقليمية من أجل تهجير جديد للفلسطينيين لا سيما في الداخل المحتل، في ظل وجود سيناريوهات إسرائيلية منشورة.
وقال المصري إنه يجب تغيير الأداء الفلسطيني بشكل جذري، حيث تتواصل الالتزامات الفلسطينية كما هي رغم قرارات المجالس الوطنية والمركزية في إشارة إلى الاتفاقات مع الاحتلال، مطالبا بوضع خطة للتخلص منها؛ مشيرا إلى أن الالتزامات التي كانت بعد إنشاء السلطة لا تتناسب مع الوضع الحالي.
وطالب المصري بضرورة توجيه الأولويات تجاه المناطق المهددة مثل القدس ومناطق ج، والتغيير في موازنات السلطة الفلسطينية، وتقوية عوامل الصمود، والتفكير في أن الفلسطينيين في مرحلة دفاع استراتيجي، ولن يتحرروا بحراك أو حروب خارجية، لم يجب عليهم القيام بواجباتهم.
أما رئيس نادي الأسير قدورة فارس، فاعتبر نتائج الانتخابات الأخيرة ميلاد لإسرائيل الثانية، بحيث كانت الحركة الصهيونية تستغل وتوظف الدين لأغراض مشروعها، بينما الآن يريدون اعتماد الأمور الدينية كأساس.
وقال فارس إن عدم صدور أي ردة فعل أو اجتماع ولو من باب التمعن في المشهد الفلسطيني قد استوقفه، منتقدا ذلك، مؤكدا أن الحديث عن تشابه الحكومات الإسرائيلية على اعتبار أن العام الحالي شهد مقتل 200 شهيدا، هو مجرد تهرب من المسؤوليات.
قائلا إن المتطرفين لدى الاحتلال لديهم حلول وهو إخراج الفلسطينيين من بلادهم، ولديهم خطط موجودة في العقل وتنتظر الفرص المناسبة لتطبيقها، مشيرا إلى أن عدم وجود ردود فلسطينية يساعد الاحتلال بالتطرف.
وانتقد فارس طريقة التعامل مع الملف الفلسطيني الداخلي، وخصوصا بعد جولة الحوار الأخيرة في الجزائر، قائلا إن أي حوار فلسطيني يعتمد المداخل ذاتها فسيكون مضيعة للوقت، معتبرا أن التغير في المعطيات من إنشاء السلطة يتطلب تغيير في المداخل.
واعتبر فارس أن الحل هو الاصطدام بالمشروع الصهيوني، حيث لا يمكن كبح جماحهم إلا بالاصطدام، مشيرا إلى ضرورة بلورة فكرة العصيان الوطني الشامل، وتخريب البنية التحتية للمستوطنات، والتي بنتها حكومة الاحتلال على مدار سنوات لتوفير رفاهية للمستوطنين.
وعرض مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد تقييما للوضع الداخلي الفلسطيني، مشيرا إلى أن النتائج على الأرض للحكومة الحالية (حكومة بينيت- لابيد) على الفلسطينيين كانت أكثر سوءا من الحكومة التي سبقتها، بسبب ظل نتنياهو وبن غفير وسموتريتش الذي كان موجودا على الحكومة، وأشار إلى أن الواقع الإسرائيلي وصل إلى هذه الحالة تحت عنوان واحد هو نتنياهو، بحيث أصبح هناك من ينادي إسرائيليا لترك فساد نتنياهو جانبا، وتشكيل حكومة وحدة وطنية معه كي لا يظل من وجهة نظرهم تحت ابتزاز بن غفير وسموتريتش، وظهر ذلك في استطلاعات رأي.
مؤكدا أن ذلك يعني وجود تخوف من سموتريتش وبن غفير، والتخوف من تخريب البيت من الداخل، وأشار إلى بعض الأرقام التي تدل على المشهد من وجود 40% من الضباط من الصهيونية الدينية، بينما هي في المجتمع الصهيوني لا تتعدى 11%.
وأكد أبو عواد أن تخريب إسرائيل من الداخل مبشر للفلسطينيين، لكنه في المقابل يعني تسليم نتنياهو رقبة الفلسطينيين خصوصا في الضفة وكذلك القدس والمسجد الأقصى لكل من بن غفير وسموتريتش الذين يريدان عمل ميليشيا في الضفة، وتغيير الواقع في المسجد الأقصى
كما توقع تأثيرات سلبية على الفلسطينيين من الحكومة المقبلة، لكن مع ازدياد الشعور بالغربة داخل الجمهور الإسرائيلي، متوقعا زيادة عدد حاملي الجنسية الإسرائيلية الذين لا يعيشون داخل دولة الاحتلال، بل في دول أخرى.