بقلم: راغدة عسيران
بالعودة الى ثلاثة أعوام تقريبا، الى معركة "صيحة الفجر" التي خاضتها سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، يومي 12 و13 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، يمكن ملاحظة تشابه واسع مع معركة "وحدة الساحات" التي خاضتها أيضا سرايا القدس، بين يومي 5 و7 آب/أغسطس 2022.
اندلعت المعركتان بعد عدوان صهيوني تمثل باغتيال قادة في سرايا القدس: الشهيد القائد بهاء أبو العطا وزوجته في غزة، بقصف منزله، ومعاذ العاجوري، نجل القائد أكرم العاجوري الذي كان مستهدفا، وهو عضو في المكتب السياسي للحركة، ومرافقه عبدالله يوسف حسن، في دمشق (تشرين الثاني/نوفمبر 2019)، والشهيد القائد في سرايا القدس، تيسير الجعبري، ثم الشهيد القائد خالد منصور وأخوانهما (آب/ أغسطس 2022).
وقد سبق المعركتين توتّر شديد بين المقاومة الفلسطينية وكيان العدو الذي رفع سقف تهديداته، تمثل في رد المقاومة على الاعتداء الدموي على مسيرات العودة في قطاع غزة، بإرسال بعض الصواريخ على مستوطنة سيدروت، وتعطيل الحملة الانتخابية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو آنذاك (2019)، واستنفار المقاومة بعد اعتقال المجاهد الشيخ بسام السعدي في مخيم جنين، الذي استمر ثلاثة أيام عاشت فيه مستوطنات غلاف غزة حالة ذعر وترقب، دون أن تطلق المقاومة رصاصة واحدة.
لقد برّر العدو عدوانه واغتيال القادة المجاهدين بأن الشهيد بهاء أبو العطا كان يعمل خارج التوافق الفلسطيني في قطاع غزة وحتى خارج تعليمات حركة الجهاد الإسلامي، كما برّر عدوانه الأخير بالقول أن حركة الجهاد الإسلامي تعمل خارج التوافق الفلسطيني، وفقا لأجندة خارجية، ما يعني أن العدو حاول في المرتين عزل حركة الجهاد الإسلامي عن فصائل المقاومة والغرفة المشتركة للمقاومة التي تم تدشينها قبل معركة "صيحة الفجر" وعن الجماهير الفلسطينية، وخاصة في قطاع غزة.
شنّ الصهاينة عدوانهم في 2019 و2022 على المقاومة في قطاع غزة، في حالة تخبط وأزمة داخلية عميقة، لم تنته بعد، وان اختلفت عناوينها. يتسابق الصهاينة فيما بينهم على قتل أكبر عدد من الفلسطينيين، وتهويد المقدسات وسرقة الأرض، من أجل الفوز في انتخابات الكنيست وتشكيل الحكومات والتخلص من الملاحقات بعضهم لبعض. قد يساعد العدوان على قطاع غزة المعتدي أو لا يساعده على كسب أصوات الجمهور الصهيوني، وذلك وفقا لما يروّجه وما يخبّئه الإعلام الصهيوني من نتائج العدوان.
لقد ردّت سرايا القدس، في المعركتين، بشكل مباشر على العدوان، بقصف العديد من مناطق الاحتلال، وخاصة مستوطنات غلاف غزة، حيث اضطر المستوطنون الرحيل الى "المركز" بشكل جماعي.
لقد وصلت صواريخ المقاومة في "صيحة الفجر" الى ضواحي تل أبيب وتم تدمير المباني والمركبات. لقد صرّح القائد زياد النخالة أن "قرار الردّ كان مباشرة بعد دقائق من اغتيال القائد أبو سليم، استهدفت السرايا مدن المركز في الكيان ووصلت حتى الخضيرة.. سرايا القدس تقاتل في الميدان بالأدوات المتوفرة في هذه اللحظة ولم تستنفذ كل قوتها". وكشفت "يديعوت أحرونوت" الصهيونية أنه بعد اغتيال القائد بهاء أبو العطا، تمكنت حركة الجهاد الإسلامي من شل الحياة في الكيان لمدة ثلاثة أيام.
في معركة "وحدة الساحات"، كان الرد في ساعة "تاسعة البهاء"، أي بعد بضعة ساعات من العدوان، "وعلى مدارِ ثلاثةِ أيامٍ قُمْنَا بِدَكِّ المُغتصبَاتِ والقواعدِ العسكريةِ ومدنِ المَرْكَزِ بِمَا فيها البقرةُ المقدسةُ تلُّ أبيبَ وما حَوْلَهَا بِمَا يزيدُ عن ألفِ صاروخٍ وقذيفةٍ، والتي من ضِمْنِهَا دكُّ ثمانٍ وخمسينَ مدينةً ومغتصبةً بدقيقةِ واحدةٍ برشقاتٍ صاروخيةٍ مُكثَّفةٍ"، كما ورد في كلمة أبو حمزة، الناطق باسم سرايا القدس.
استشهد 48 مواطنا فلسطينيا من جراء عدوان آب 2022، بينهم 16 طفلا و4 سيدات، وارتكب العدو مجزرة مقبرة الفالوجا بحق 5 أطفال، منهم 4 من عائلة نجم. وخلال عدوان تشرين الثاني 2019، استشهد 34 مواطنا، بينهم 8 أطفال، وارتكب مجزرة دير البلح بحق عائلة السواركة، التي فقدت 8 من أعضائها في قصف همجي على منزلها، ما يعني أن القتل والمجازر بحق الفلسطينيين سمة أساسية من سمات العدو، مهما كانت مدة العدوان.
فيما يخص مشاركة فصائل المقاومة، لا تختلف الأمور كثيرا في المعركتين، حيث كانت حركة الجهاد الإسلامي والسرايا وحدها في الميدان للرد على العدوانين واغتيال قادتها وعناصرها، مع مشاركة بعض الفصائل وفقا لامكانياتها. لم تشارك حركة حماس في معركة "صيحة الفجر"، وأصدرت الغرفة المشتركة للمقاومة بيانا أكدت فيه على وقوفها الى جانب حركة الجهاد وصرّح القيادي الحمساوي إسماعيل رضوان بأن "لن نسمح للعدو بالاستفراد بسرايا القدس. فكتائب القسام وسرايا القدس صنوان".
لقد وضّح الأمين العام للجهاد الإسلامي القائد زياد النخالة أن "باقي فصائل المقاومة موجودة على الأرض لكن سرايا القدس حاليا تتقدم المواجهة" وتم الحديث في ذلك الوقت عن "وليّ الدم" أي أن حركة الجهاد الإسلامي هي ولية الدم الذي سال، وأن عليها الرد، فكان ردّ القائد النخالة على هذه المقولة بالقول: "لا أقبل، لأن الشعب وليّ الدم"، وأكد "لمن يقول إن المعركة الحالية هي معركة سرايا القدس نقول إنها معركة الشعب الفلسطيني".
رغم هذا التشابه بين المعركتين، لقد أحدثت معركة "سيف القدس" التي اندلعت في أيار/مايو 2021، معطيات مهمة غيّرت الواقع، بالنسبة لفلسطين وللمقاومة. لقد اختلفت عن المعارك السابقة، كونها لم تندلع كردّ على عدوان مباشر على المقاومة في غزة، بل على العدوان الصهيوني على مدينة القدس وأهلها ومقدساتها، أي أن المقاومة قررت ربط ساحة غزة بساحة القدس، أولا. ثم نشأت كتيبة جنين بعد عملية الهروب الكبير من سجن جلبوع في 6/9/2021، وكان قد دشّنها الشهيد جميل العموري وأخوانه خلال معركة سيف القدس باستهداف حواجز وجنود الاحتلال، وحثّ الشباب على حمل السلاح ومراكمة الانحازات. ما يعني أن الضفة الغربية عادت لتكون ساحة مواجهة مع العدو، بعد أن تم ترويض أو ملاحقة واعتقال شبابها لأكثر من 15 عاما.
فلذلك، اختلف الهدف نوعا ما بين المعركتين، إذ ظهر هذا الاختلاف في شروط المقاومة لوقف اطلاق النار. في حين كانت هذه الشروط متعلقة بوضع قطاع غزة وفك الحصار عنها عام (2019)، إضافة الى وضع حدّ للاغتيالات، لقد كانت الشروط في المعركة الأخيرة تتعلق بالدفاع عن الأسرى وعن المقاومة في الضفة الغربية، عبر أحد أهم ممثليها السياسيين، الشيخ بسام السعدي، الذي عمل على توسيع انتشارها من جنين الى نابلس وغيرها من مدن الضفة الغربية.
لقد حاول العدو، في المعركة الأخيرة، زرع الفتنة بين المقاومين، أكثر من أي وقت مضى. فكانت تصريحاته أكثر خبثا وعنفا إزاء حركة الجهاد الإسلامي، في سعيه لعزل الحركة عن باقي الفصائل وعن الشعب الفلسطيني، بتحميلها مسؤولية العدوان والمجازر. ومن خلال تصريحاته وبث الأكاذيب وتفعيل جيوشه الالكترونية العربية والفلسطينية، حاول تصوير الحركة وكأنها معادية لمصلحة الشعب الفلسطيني الذي يطمح الى التهدئة والخبز، بدلا من الحرية، وذلك لأنه شعر بخطورة ربط الساحات، ساحة الضفة الغربية المقاومة بساحة غزة، لا سيما بعد معركة سيف القدس.
لقد أثبت مهرجان "وحدة الساحات" الذي أقيم في خمسة مناطق، في فلسطين وفي اللجوء، قبل أيام، أن العدو فشل في عزل حركة الجهاد الإسلامي عن المقاومة وعن الشعب الفلسطيني، وأن مساحة فلسطين المقاومة توسعت وأصبحت قابلة للتوسع أكثر، كما توسعت شعبية حركة الجهاد الإسلامي، فلسطينيا وعربيا.