بقلم/ حسن لافي
تعتري "إسرائيل" حالة من التوتر، على وقع الأخبار التي تؤكد اقتراب توقيع إيران والولايات المتحدة الأميركية اتفاقاً نووياً جديداً، الأمر الذي أنتج دبلوماسية أمنية نشطة باتجاه واشنطن، إذ زار كل من مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، ايال حولاتا، ووزير الأمن، بني غانتس، واشنطن تباعاً.
ورغم أنهم سمعوا من المسؤولين الأميركيين تأكيدات بشأن ضمان أمن "إسرائيل"، وعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، يؤكد رئيس الموساد الإسرائيلي، دفيد برناع، "أن توقيع الولايات المتحدة الأميركية على الاتفاق النووي الجديد لا يمكن منعه، إذ ثمة مصالح مشتركة لكل من إيران والولايات المتحدة الأميركية من وراء ذلك الاتفاق".
وبخلاف رغبة مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، هاجم برناع الاتفاق الجديد، وعدّه "كارثة استراتيجية على إسرائيل"، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤل رئيسي: لماذا تخشى "إسرائيل" من توقيع الاتفاق النووي مع إيران؟
تنبع الخشية الإسرائيلية من توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ليس فقط من خوفها من انتهاء زمن احتكارها للقدرات النووية في الشرق الأوسط، والدخول في مرحلة تسعى خلالها دول المنطقة إلى الانضمام إلى نادي الكبار النووي، وبالتالي إنهاء قوة ردع "إسرائيل" النووية، الأمر الذي من أجله خاضت الكثير من المعارك العلنية والسرية مع دول المنطقة على مدار تاريخها، ولكن هناك جملة من أسباب، أهمها:
أولاً، فلسفة الاتفاق النووي مع إيران مبنية على تأجيل القدرات النووية الإيرانية وليس إزالتها، ما يمنح إيران الشرعية الدولية لاستكمال مشروعاتها النووية السلمية.
يدرك الإسرائيلي أن 5 سنوات من انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي الأول عام 2018، أوصلت إيران لأن تصبح دولة على حافة امتلاك القنبلة النووية، كما تؤكد التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية، رغم سياسة الحصار والعقوبات واستراتيجية الضغوطات القصوى، التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية، في عهد الرئيس الأميركي، السابق دونالد ترامب، فكيف سيكون حال تطور المشروع النووي الإيراني في ظل عدم وجود عقوبات ومعوقات اقتصادية أو سياسية؟
ثانياً، الاتفاق النووي يحرر لإيران عشرات المليارات المحتجزة بسبب العقوبات الأميركية الجائرة، بالإضافة إلى رفع العقوبات عن الكثير من الشركات والبنوك والمؤسسات الإيرانية، الأمر الذي سينعكس إيجاباً بقوة على الاقتصاد الإيراني.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن التقديرات الإسرائيلية ترجح أن تمنح عائدات النفط الإيراني، بحسب الاتفاق النووي الجديد، الخزانة الإيرانية 5 مليارات دولار خلال 120 يوماً، المدة الزمنية لمراحل الاتفاق الأربع، بالإضافة إلى 30 مليار دولار، هي أموال إيرانية مجمدة، على أقل تقدير.
بالتأكيد، الانتعاش الاقتصادي الإيراني سيدعم أركان نظام الجمهورية الإسلامية في إيران واستقرارها الداخلي، وبالتالي انتهاء فكرة تدمير الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الداخل، بخلاف ما سعت إليه "إسرائيل" ومعها الغرب بقيادة أميركا على مدار 43 عاماً من عمر الثورة الإسلامية الإيرانية.
ثالثاً، العوائد الاقتصادية الإيرانية، واستقرار النظام السياسي والاجتماعي في إيران، سيفتحان الباب واسعاً أمام مزيد من تعزيز قوة محور المقاومة في المنطقة، والذي تعدّه التقديرات الإسرائيلية الخطر الاستراتيجي الأهم، والذي من الممكن أن يتحوّل إلى خطر وجودي.
وبما أن بنود الاتفاق النووي لا تمتد إلى المشاريع العسكرية الإيرانية ومحور المقاومة، يبرز الخوف الإسرائيلي الجدي، إذ سيجد نفسه محاطاً بدوائر النار من محور المقاومة، الذي بات أكثر تسليحاً وقدرات وإمكانات وأكثر قدرة على الصمود، والأهم أكثر جرأة على أخذ زمام المبادرة الهجومية.
وفي المقابل، يتطلب ذلك من "إسرائيل" مزيداً من الموازنات والمصروفات والقدرات والخطط لمواجهة هذا التطور الجديد، ولا ننسى عامل الوقت الذي سيحتاجه "الجيش" والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية لإنجاز ذلك، إن استطاع.
وهنا، من المحتمل بروز معادلات جديدة في الصراع بين "دولة" الاحتلال وبين مكونات محور المقاومة، بالتأكيد ليست في مصلحة "إسرائيل".
وبالمحصلة، يكمن الرعب الإسرائيلي في أن تجد "إسرائيل" نفسها في مواجهة قوة عسكرية محيطة بها من كل الجهات تحت مظلة دولة نووية.
رابعاً، الاتفاق النووي الإيراني مع أميركا بمثابة اعتراف ضمني بشرعية إيران كقوة إقليمية في المنطقة، ما سيفتح الباب أمام علاقات جديدة وجدية لدول الإقليم، وخاصة دول الخليج التي بدأت تستشعر أنه لا يمكنها الرهان على الأميركي في حفظ أمنها القومي، وبدأت تتحسس الطريق صوب علاقات طبيعية بإيران، الأمر الذي تنظر إليه "إسرائيل" على أنه تصدع في بنية اتفاقية "ابراهام" التطبيعية، التي تسعى لتحويلها إلى حلف عسكري ضد إيران بالشكل العلني والصريح.
ناهيك بحاجة الدول الأوروبية إلى خطب ود الأسواق الإيرانية المتعطشة للكثير من الاستثمارات، وخاصة في مجال التنقيب عن النفط واستخراج الطاقة، والطيران وغيرها، الأمر الذي سيمنح الشركات الأوروبية الكبرى بعض المكاسب لتعويض التداعيات السلبية على السوق الأوروبية من جراء الحرب الروسية- الأوكرانية، وهنا تتوقع "إسرائيل" أن تتحوّل تلك الشركات الأوروبية التي ستستثمر بمليارات الدولارات في الأسواق الإيرانية، إلى عقبات حقيقية أمام انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق، في حال قرر الرئيس الأميركي القادم ذلك.