بقلم/ حسن لافي
ما يحدث الآن من عمل عسكريّ إسرائيليّ ضد قطاع غزة، بعد أقل من خمسة عشر شهراً فقط على معركة سيف القدس، التي أعلن قادة الجيش والمستوى العسكري والسياسي الإسرائيلي أنها نجحت في ترميم قوة الردع الإسرائيلية تجاه فصائل المقاومة في غزة، وعدم السماح لها بترسيخ معادلة الربط بين غزة والضفة والقدس وأراضي فلسطينيي الداخل في جبهة فلسطينية واحدة موحدة، يطرح ذهاب "إسرائيل" مجدّداً إلى معركة ضد المقاومة في غزة تساؤلات عديدة وعميقة حول مفهوم الردع الإسرائيلي، ومرتكزاته وأنواع تصنيفاته، وإمكانية تحقيقه على أرض الواقع فعلاً، في ظل تغيّر البيئة الأمنية والعسكرية المحيطة بدولة الاحتلال.
يعد الردع المرتكَز المركزي في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، فالعقيدة العسكرية الإسرائيلية، مبنية في أولى أولوياتها على مرتكَز الردع، لأن كل المرتكزات الأخرى مثل الإنذار المبكر والحسم وحديثاً العمليات المحدودة، كلّها قائمة لهدف خدمة الردع".
يُعرف الردع في "إسرائيل" بأنّه "إظهار للقوة التي تقنع العدو المحتمل بأن ليس من مصلحته مهاجمتها، أو المس بمصالحها الحيوية"، لكن ما حدث على مدار أربعة أيام من إغلاق منطقة مستوطنات غلاف غزة بعد إعلان "سرايا القدس" استنفار جنودها إثر عملية اعتقال الشيخ بسام السعدي القائد والرمز الوطني الكبير في شمالي الضفة الغربية، يعد إلغاء لتعريف مفهوم الردع الإسرائيلي المتعارف عليه في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
من الملاحظ أن الردع الإسرائيلي مبني على أن يكون موافقاً لطبيعة العدو المحتمل، ولوضعه الاستراتيجي والجيو ــــــ سياسي في المنطقة، وبالتالي تدرك "إسرائيل" أن ما يردع عدواً معيناً لا يردع عدواً آخر، لذلك صنّفت "إسرائيل" أنواع الردع بحسب نوع العدو وطبيعة التهديد الصادر منه إلى:
1. الردع الاستراتيجي أو الردع الأساسي: ويهدف إلى منع الحرب الشاملة من لاعبين دوليين.
2. الردع المستمر: ويهدف إلى مواجهة أعمال عنف منخفضة الوتيرة من أعداء غير دوليين.
3. الردع المحدد: ويهدف إلى منع أعمال محددة تشكل خطراً على المصالح الحيوية الإسرائيلية.
4. الردع التراكمي: يهدف إلى إقناع الخصم أياً كان بأن يحقق أهدافه في ساحة المعركة، أو بطريقة عنف محكوم عليها بالفشل.
إن إدراك "إسرائيل" أنها دولة احتلال استيطاني إحلالي، موجودة في بيئة معادية، جعلها تدرك أن الردع لا يحل أزمتها الوجودية، لذا كان بن غوريون مقتنعاً بأن الردع لا يستطيع حل أزمة "إسرائيل" الأمنية، وأن الردع سينتهي في وقت ما، ولكن يبقى هدفه مساعدة جبهتها الداخلية من المستوطنين على التعايش مع هذه التهديدات المحيطة بكيانها الاستيطاني، لذلك المطلوب دائماً تعزيز الردع دائماً.
تتمثّل خصوصية فكرة الردع الإسرائيلية في عدم إمكان الردع على وقف استخدام القوة بالمطلق، وعليه أن يرتكز على استخدام القوة، من وقت إلى آخر، لذا يمكن القول بكل وضوح أن ليس من ردع لدى "إسرائيل" بصورة مطلقة لتنظيمات المقاومة، بل إن استخدام "إسرائيل" القوة العسكرية المتكرّرة، تجاه تنظيمات المقاومة في غزة، من أجل تعزيز قوة الردع الإسرائيلية، يخلق تناقضاً حقيقياً بين دور الردع في توفير أطول فترة هدوء ممكنة للجبهة الداخلية الإسرائيلية من جهة، والحاجة إلى تعزيز الردع، باستخدام القوة العسكرية، ضد تلك التنظيمات، ما ينهك الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي تعد نقطة الضعف الرئيسة في الأمن القومي الإسرائيلي.
وبذلك تحوّل دور الردع في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، إلى العمل لتقليل عمليات المقاومة العسكرية ضد "إسرائيل"، إضافة إلى إيجاد وضع يكون فيه الصراع المستمر، الذي تقوده تنظيمات المقاومة على مستوى مقبول "إسرائيلياً"، لذا بات فعلياً على "إسرائيل" أن تقدر الموقف يومياً، إذا ما ستستمر في تحمّل مستوى الصراع الموجود في الوضع الاعتيادي، أو أنها ستعمل لجعل الوضع يتدهور إلى درجة الحرب من أجل تغييره.
يذكر، أن الردع عموماً مرتبط بفترة ما قبل الحرب في الحال الإسرائيلية، التي تسمّى "الفترة الاعتيادية"، بمعنى أنه عند اندلاع الحرب ينتهي الردع، لكن في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، ارتبطت قدرة الحسم العسكري في أثناء الحرب بتعزيز قوة الردع في الفترة الاعتيادية بعد انتهاء الحرب، بمعنى آخر، الردع الإسرائيلي أساساً في الحالة الاعتيادية نتاج لقوة الحسم الإسرائيلية في أثناء الحرب، التي فقدها الجيش الإسرائيلي منذ حرب تموز عام 2006، وعلى مدار حروب غزة كاملة.
أضف إلى ذلك أن مستوى دعم المستوطنين الإسرائيليين للحكومة الإسرائيلية في استخدامها القوة العسكرية، ودرجة استعداد الجيش "الإسرائيلي وجاهزيته" للمعركة تعد كلها من أهم العوامل التي ترسّخ قوة الردع الإسرائيلية، التي تتراجع في فترة الانتخابات الإسرائيلية، حيث لا يمكن أن تقرأ الجبهة الداخلية الإسرائيلية أي قرار على المستوى السياسي يقضي بالذهاب في عملية عسكرية من دون الأخذ بالاعتبار الحسابات الحزبية الانتخابية الداخلية.
وفي الحصيلة، "إسرائيل" تدور في دائرة مفرغة عنوانها الرئيس كيفية استعادة قوة الردع في مواجهة قوى المقاومة في المنطقة عموماً وفي غزة خصوصاً.