بفلم: راغدة عسيران
تأكيدا على وحدة الساحات عقب اعتقال القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الشيخ بسام السعدي، استنفرت "سرايا القدس" في قطاع عزة وشلّت تماما الحياة في ما يسمى "غلاف غزة"، أي في المستوطنات المزروعة على أنقاض القرى والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1948 وما بعد 1967.
بعد الاغتيال الغادر للقائد في سرايا القدس الشهيد تيسير الجعبري، يوم الجمعة 5/8 وبدء عدوان صهيوني واسع على قطاع غزة، لضرب و"اجتثاث" حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس، للانتقام من توسيع دائرة المقاومة في الضفة الغربية، أعلنت الحركة، بلسان أمينها العام، القائد المجاهد زياد النخالة، أنها تخوض معركة "وحدة الساحات".
"وحدة الساحات" هي استكمال وتطوير لما أرسته معركة "سيف القدس" في العام 2021، التي اندلعت لحماية مدينة القدس من الاستيطان والتطهير العرقي الزاحف وحماية المسجد الأقصى والمقدسات من التهويد، كما أكده القائد الأمين العام عندما طالب سرايا القدس بالرد "بقوة" على العدوان الصهيوني الأخير. خلال هذه المعركة البطولية التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في أيار/مايو 2021، كانت "كتيبة جنين" في طور التشكيل، حيث شارك الشهيد جميل العموري فيها من خلال استهدافه، مع أخوانه، لحواجز الاحتلال في منطقة جنين.
في بيانها الصادر بعد عام على استشهاد المجاهد جميل العموري (10 حزيران/يونيو 2022)، أكّدت حركة الجهاد الإسلامي أن اغتيال القائد جميل العموري جاء "عقب تأسيس كتيبة جنين التي شكلت انطلاقة جديدة في مسيرة المقاومة والاشتباك مع العدو بالضفة المحتلة وفي جنين خصوصاً." وتم الإعلان عن ولادة الكتيبة بعد عملية الهروب الكبير من سجن جلبوع، في يوم 6/9، الذي نفذه 6 من أبناء منطقة جنين بقيادة الأسير المجاهد محمود عارضة.
"وحدة الساحات" هي ولادة جديدة للمقاومة الفلسطينية بعد سيطرة العدو على كافة ساحات المقاومة الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني، وتجزئتها الى أجزاء يعيش كل جزء منها في حالة تشرذم وتخبط أمام زحف المستوطنين الإرهابيين وتكاثر حواجز الموت في كل انحاء الضفة وعلى مداخل مدينة القدس، ومواصلة حصار قطاع غزة وفرض على حكومته، بمساعدة وموافقة "الأشقاء العرب"، معادلة "الخبز مقابل الهدوء". هي المعادلة التي يطبّقها العدو الصهيوني أيضا في الضفة الغربية، بعد تجزئتها الى مناطق هادئة ومناطق "مشاغبة" أي مقاومة، بموافقة السلطة الفلسطينية، بالسماح للعمال الفلسطينيين بالعمل في المستوطنة الكبيرة "إسرائيل".
"وحدة الساحات"، هي الوحدة التي عمل الشيخ بسام السعدي على ترسيخها في مدن الضفة الغربية، لا سيما بين جنين ونابلس، عبر مقاومة كتائبها، ما أزعج العدو الذي يريد إبقاء الضفة الغربية جزرا منفصلة عن بعضها البعض، مشلولة وغير قادرة على مواجهة المستوطنين، كما هو الحال في مناطق متفرقة من الضفة الغربية.
لقد جزأ العدو الضفة الغربية الى معازل محاطة بالمستوطنات والطرق الاستيطانية، كل قرية تواجه وحدها أعداد كبيرة من الجنود الصهاينة وآلياتهم وأسلحتهم. يقفل العدو منافذ المدن والقرى متى يشاء ويحاصرها ويقتحم بيوتها ويعتقل ويقتل من يريد. فكان الرد عليه بتوسيع الكتائب المقاتلة من جنين الى نابلس وطوباس وطولكرم، لتصل الى مشارف رام الله والخليل وبيت لحم. هي إذا وحدة الساحات في الضفة الغربية لمواجهة العدو المتغطرس، التي باتت تؤرق الصهاينة الذين اعتقدوا أن الدعم الأميركي والغربي لهم ولإرهابهم المتجذر في تاريخهم، وأن المطبّعين العرب والمسلمين معهم، سيمكّنهم من السيطرة والسيادة على الضفة الغربية وتحويل الشعب الفلسطيني الى قوة عاملة لصالح مشاريعهم التهويدية، بعد اقتلاع العديد من عائلاتها، كما فعل بعد الاحتلال عام 1967.
"وحدة الساحات" هي أيضا، كما أكدّتها معركة سيف القدس، وحدة المصير والمقاومة بين قطاع غزة ومجاهديها الأبطال ومدينة القدس المستباحة، والتي يواجه أهلها مشاريع التهويد في كل بقعة فيها، كما يواجهون الاقتلاع والخطط الاقتصادية المدمّرة للاقتصاد والانسان المقدسي والفلسطيني. فهم يواجهون أيضا تهويد التعليم الذي يعني استبدال الحقيقة بروايات صهيونية كاذبة ومحاولات محو الهوية العربية الفلسطينية عبر مؤسسات التطبيع، من مدارس ومراكز اجتماعية وغيرها من المؤسسات الصهيونية.
لقد سطّر المقدسيون، وما زالوا، مشاهد رائعة من الصمود أمام هؤلاء القتلة، في عدة وقفات تاريخية، كالتصدي للبوابات الالكترونية وفتح باب الرحمة والصلاة في مسجده، والتصدي الدموي في المسجد الأقصى المبارك ضد اقتحامات اليهود المدججين بالسلاح. وقبل معركة سيف القدس، كانت الهبة الشعبية في الشيخ جراح المهدّد بالاقتلاع، التي استقطبت الجماهير من الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 وكذلك في باب العمود والمسجد الأقصى المهدّد بمسيرة استفزازية صهيونية، ما تطلّب التدخّل من المقاومة في قطاع غزة، لدعم المقدسيين ومنع الاستفراد بهم. لكن، وبعد المعركة التي اعتبرها الصهاينة تهديدا وجوديا لهم، لأنها تكرّس وحدة الساحات، وتفتح عيون العالم العربي والإسلامي على القدس والمقدسات، شنّ العدو هجوما تهويديا غير مسبوق على القدس والمقدسيين، مستغلا انشغال العالم بصراعات دولية، وهو يحاول منذ ذلك الوقت إعادة تفتيت الساحات، والاستفراد بكل واحدة منها.
الإعلان عن "وحدة الساحات" كشعار للمعركة الأخيرة بين مجاهدي سرايا القدس والكيان المحتل، أي بين المقاومة الفلسطينية والعدو، يعني أيضا "وحدة الساحات" المقاومة والمناضلة في كل شبر من فلسطين، المحتلة عام 1948 أو 1967، التي تجسدت خلال معركة سيف القدس، عندما هبّت جماهير اللد وعكا وأم الفحم ومدن الداخل الأخرى لنصرة أهل قطاع غزة والقدس المحتلة، ما أشعر المحتل أنه يواجه جبهة داخلية خطيرة لا يمكن تجاهلها. فشنّ هجوما أمنيا واستخباراتيا وسياسيا على جماهير الداخل المحتل عام 1948 وفرض سيطرته الأمنية لإعاقة أي تحرك جماهيري، وإن كان لتوحيد الساحات النضالية في الداخل، كالالتفاف حول أهل النقب مثلا، أو الدفاع عن المعتقلين الذين ما زال بعضهم في السجون الصهيونية منذ تلك المعركة، دون أي تهمة محدّدة. وكان الانقسام الفلسطيني الداخلي ودخول منصور عباس الى الائتلاف الحكومي، وإشاعة الفوضى والقتل في المجتمع الفلسطيني من أهم عوامل تراجع هذه الوحدة السياسية والمجتمعية في فلسطين 48. وكان على المقاومة أن تجدّد الهدف الاستراتيجي، أي "وحدة الساحات" المواجهة للعدو، لبث الأمل بإمكانية الانتصار على العدو، حيث أن الوحدة، و"وحدة الساحات" خاصة، في كل أماكن التواجد الفلسطيني، هي الشرط الأول لتراجع العدو.
"وحدة الساحات" هي أيضا الوحدة بين ساحة المقاومة وساحة السجون الصهيونية، حيث يقبع الآلاف من الاسرى، الذين يواجهون أساليب قمعية وإرهابية، دون أن تلتفت أي من المنظات الدولية الداعية الى احترام حقوق الانسان وحقوق الاسرى. وبهذا المعنى، "وحدة الساحات" هي وحدة الشعب الفلسطيني حول المقاومة وفي المقاومة.