بقلم: خالد صادق
ونحن نحيي الذكرى الثانية لرحيل الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبد الله شلح – أبا عبد الله- نستذكر شيئًا من سيرته العطرة، فالرجل لا يمكن أن نوفيه حقه ببعض الكلمات ؛لأن عطاءه أكبر بكثير من مجرد ايفائه لحقه بكلمات، لكننا نحاول أن نتقرب إلى شخصيته الفريدة من خلال الحديث عن بعض مآثره، فالدكتور رمضان شلح نشأ وترعرع في حي الشجاعية الشعبي المكتظ بالسكان في مدينة غزة، وهو عاش هموم الناس وأوضاعهم المعيشية وفقرهم ومعاناتهم، لذلك كان منحازًا إليهم يشد من أزرهم ويسعى لمساعدتهم، وعندما اعتلى منبر المسجد كان يتحدث بلسان الناس البسطاء ويعبر عن توجهاتهم وإرادتهم، فاكتسب شعبية كبيرة حتى قبل أن يكون دكتوراً أكاديمياً أو قائداً في حركة الجهاد الإسلامي أو أميناً عاماً للحركة، وكان محل ثقة واحترام من الجميع، ورأيه مسموع، وله قدره في قلوب الناس، فهذا الرجل الزاهد العابد الذي يعيش حياته ببساطة، ويعتلي المنابر ويؤم الناس في الصلاة، ويقف على مصاطب المسجد الأقصى ليتحدث مع الناس بخطاب ديني ووطني وثوري فيلامس قلوبهم ويعبر عما يجول في خواطرهم، ويجسد حالة الانسجام بينه وبين المستمعين إليه بقدرة فائقة على ملامسة من يدور في الأذهان، وما يبحث المستمع عن إجابة له، فالدكتور رمضان شلح _رحمه الله_ كان يتمتع بتنوع الثقافات، فهو يجيد اللغة الإنجليزية واللغة العربية وكان قلبه معلقًا بالقرآن الكريم وسيرة الرسول الأكرم والنبي الأعظم محمد _صلى الله عليه وسلم_، وكان رجل فكر وثقافة ورجل سياسة وأكاديمياً كبيراً استقى من منابع العلم والمعرفة الكثير، وكان قارئًا مجدًا ومطلعًا على كل الثقافات فاكتسب صفات خاصة.
الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين القائد زياد النخالة _حفظه الله ورعاه_، قال في ذكرى رحيل رفيق دربه الثانية، "ما أصعب أن أتحدث عن قائد فلسطيني بحجم الدكتور رمضان وأحيط بدوره وحضوره في مسيرة حركة الجهاد منذ تأسيسها"، فالدكتور رمضان لم يكن مجرد أمين عام للجهاد الإسلامي، إنما كان صانعًا لسياسات الحركة ومحددًا لثوابتها وأهدافها، ومرسخًا لخطواتها المستقبلية بإرساء قواعد المقاومة ومساراتها.
قال عنه الأمين العام القائد زياد النخالة: "عرفته منذ أكثر من ثلاثين عامًا ونيف، لم يغب لحظة واحدة عن ميدان الكفاح بالكلمة والموقف والرأي في أعقد الظروف وأيسرها», بمعنى أن الثابت عند الدكتور رمضان لا يتغير ولا يخضع للمساومة ولا يقف في وجهه عقبات، فالحق أحق أن يتبع، ووصفه ببضع كلمات لخص بها تفاصيل شخصيته فقال: "إذا كتب أبدع، وإذا تحدث كان محاربًا ومميزًا لا يشق له غبار في معركة الثقافة ومعرفة التاريخ، وفترات الصعود والهبوط التي مرت بها الأمة، يدهشك الدكتور رمضان وأنت تستمع إليه في كل شيء من السياسة إلى التاريخ والقرآن والفقه»، إنها كلمات تلخص صفات الرجل وتنصفه قالها الأمين العام بصدق وعن دراية وصداقة وملازمته لأكثر من ثلاثين عامًا.
وتطرق الأمين العام القائد النخالة للحديث عن فترة قيادة الدكتور رمضان للحركة فقال: « خلال قيادته للحركة لم يكن الكفاح المسلح والمقاومة لتغادر قلبه وروحه وعقله، محرضًا ومنافحًا وقائدًا»، نعم هذه حقيقة لمسناها من خلال خروج الأمين العام أبي عبد الله على القنوات الفضائية لتبني العمليات الفدائية والاستشهادية بنفسه، رغم ما يحمل ذلك من خطورة على حياته، لكنه باع نفسه لله من أجل دينه ووطنه.
ووفاءً للدكتور رمضان واعترافًا بعطائه وخدمته لقضيته الفلسطينية حتى بعد رحيله عن عالمنا، قال عنه القائد النخالة: « لم ينته الحضور فيما ترك، وستكتشفون في موسوعة الأعمال الكاملة للدكتور رمضان، التي ستصدرها الحركة قريبًا أنه يستحق أكثر مما كتب عنه أو قيل فيه»، وهذا هو الوفاء والإخلاص بعينه. فالأمين العام النخالة يحفظ للرجل عطاءاته، ويوثق كتاباته وسيرته، ويؤكد على الاستمرار على نهجه ونهج الشقاقي وكل الشهداء الأطهار، وإن القائد يخلفه قائد يمضى على نفس الدرب رغم وعورة الطريق وكثرة العقبات لكنه طريق الأحرار، فالتضحيات التي قدمها الأمين العامل الدكتور رمضان شلح _رحمه الله_ لم يكن من ورائها أي مطمع دنيوي كمنصب أو جاه أو مال، إنما كانت لله ومن أجل الله عز وجل، ولخدمة شعبنا الفلسطيني ونصرة قضيته، وهذا التجرد والزهد في حياته هو الذي عزز حالة الإبداع في مواقفه السياسية وعطاءاته، لقد كانت خطاباته تحمل لغة وحدوية والكلمة مسؤولة وصادقة، الثورة تنبعث لديه من رحم الكلمات، كانت كتاباته في زاوية المرايا في صحيفة الاستقلال والتي رسمها بقلمه تحت اسم مستعار هو محمد الفاتح، كأنها صواعق تفجير، وكانت الكلمات تتراقص مع كل عملية استشهادية ضد الاحتلال، فعنون أحد مقالاته بعنوان «يا من تحملون الوصية في شظية»، وبدأ في أحد المقالات بكلمات بعد عملية استشهادية بالقول: «دق الرمح بعود الزين، وأنتم يا شباب منين.. احنا شبابك فلسطين.. والنعم والنعمتين»، وكانت "إسرائيل" قد قتلت عددًا من رجال الشرطة الفلسطينية دون أن ترد السلطة على الجريمة التي مرت مرور الكرام، فانشد الدكتور رمضان بعد رد السرايا على الجريمة «دق الرمح بعين السلطة.. احنا أبناء الإسلام... أخدنا بتار إخوانا الشرطة.. والنعم والسبع تنعام»، هكذا كانت كلماته وابداعاته تتراقص على أنغام العمليات البطولية لتعبر عن ايمان عميق بنهج المقاومة كسبيل للنصر والتحرير.