بقلم / سامر العريفه
لقد أثبت أبناء الشعب الفلسطيني، ولايزالون، ولاسيما في الداخل الفلسطيني المحتل، أنهم موحدون في وجه التغوّل الصهيوني، الذي يمعن في استهداف الهوية والكينونة الفلسطينية، بل الوجود الفلسطيني برمّته، وأن شعبنا عصّي على الهزيمة أو الانكسار، أو الذوبان، وهو متمسك بحقوقه غير القابلة للتصرف أو الشطب، كما أثبت أنه متجذر في أرضه، وسيبقى يدافع عنها ويضحّي من أجلها حتى لو وقف العالم كله خلف الاحتلال، ومهما حاول المتآمرون والمطبعون عبثاً، أن يحرفوا البوصلة عن فلسطين فلن يستطيعوا، ومهما حاولوا أن يشرّعوا وجود هذا الكيان الباطل والزائل على أرض فلسطين فلن يقدروا على ذلك.
إن الفعل الفلسطيني المقاوم لم يتوقف يوماً دفاعاً عن الحق التاريخي في فلسطين، دفاعاً عن مقدسات الأمة العربية والإسلامية. فالشعب الفلسطيني يؤكد في كل يوم ثباته على أرض الوطن، بالكلمة والموقف بالكفاح والسلاح، بالجهاد والنضال. ولم يبخل الشعب الفلسطيني يوماً أو يتخاذل أو يتراجع، أمام كل التحديات والمؤامرات.
نشهد في هذه الأيام ارتفاع وتيرة العمليات الفدائية لاسيما في الداخل الفلسطيني المحتل، ضمن ما يمكن أن نطلق عليه "متلازمة العمليات الفدائية"، ويعيش كيان الاحتلال أزمة فقدان الشعور بالأمن والأمان، تضاف إلى "أزمة ثقة" ونقمة داخلية تعيشها حكومة الاحتلال برئاسة نفتالي بينيت، واتهامها بأنها عرضت أمن الكيان للخطر، وسط دعوات لها بالاستقالة لاسيما من اليمين الصهيوني الذي يتربص خلف ستار التحركات الاحتجاجية الناقمة أملاً بالعودة إلى "سدة الحكم"، تلك التحركات اكتسبت زخماً كبيراً لاسيما بعد انسحاب النائبة البرلمانية عيديت سيلمان من "حزب بينيت"، مما أفقد "الائتلاف الحكومي" الأغلبية البرلمانية في "الكنيست".
وبكل موضوعية يمكننا القول بأن كيان الاحتلال في ورطة حقيقية، وارتفاع وتيرة العمليات الفدائية وتوقيتها وأماكن تنفيذها، بل ونجاح المنفذين بالوصول إلى عمق الأراضي المحتلة الأكثر تحصيناً لاسيما في "تل أبيب" وغيرها، رغم الإجراءات العسكرية والاستخباراتية والأمنية الشديدة والمعقدة، بات له تأثيرات ليس على الحكومة والمؤسسة العسكرية الصهيونية بل حتى على جوهر المشروع الصهيوني، فحتى اليوم وبعد 74 عاماً على قيام كيان الاحتلال، لايزال يبحث قادته عن توفير الأمن لهم وللمستوطنين، وباتوا عاجزين عن منع "الهجرة المعاكسة" لأنهم غير قادرين بعد اليوم على توفير أهم ركائز الاستقطاب من الخارج للداخل الفلسطيني المحتل والقائمة على ثنائية "الأمن والاقتصاد"، لأن كل من هذين العنوانين قد تم ضربه في الصميم على أيدي رجال المقاومة، ويشار هنا إلى أن موقع "الكنيست الإسرائيلي" كان قد نشر العام الماضي دراسة سلطت الضوء على زيادة مضطردة في نسبة "الهجرة اليهودية المعاكسة" من كيان الاحتلال باتجاه العودة للبلدان الغربية، وخصوصاً أولئك الذين جيء بهم من أوروبا وأميركا وكندا بهدف الاستيطان في فلسطين المحتلة.
ومما يزيد الأمر تعقيداً لدى العدو أن البحث عن "شاخص" كهدف للتصويب عليه غير قابل للتحقق أقله في المرحلة الحالية، لأن العمليات الفدائية أو في غالبيتها هي ضمن العمل الفردي الذي يستفيد بالتأكيد من البيئة المقاومة الحاضنة. وبالتالي لا يوجد عنوان كبير للعدو في حال اغتياله او اعتقاله يمكن الترويج لذلك وكأنه "فعل خارق"، وحتى التحريض على القيام بعملية عسكرية كبيرة في جنين ومخيمها، أو في غيرها من مناطق الضفة الغربية المحتلة، واضح أنه لن يفيد في منع العمليات الفدائية كون غالبيتها فردية، بل وسيفتح الباب على مواجهة كبيرة وانتفاضة جديدة.
في هذه الأيام المباركة التي نعيشها في ظل ما نشهده من عمليات فدائية نوعية، جاءت رداً على العدوان المتواصل على أبناء الشعب الفلسطيني ولاسيما في القدس والأقصى والمحاولة عبثاً لفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد المبارك، بات العدو يفقد ثقة المستوطنين وباتت خياراته وعلى كل الصعد محدودة، ومحاولة التحريض على غزة لن تنجح، والعدو عاجز عن الدخول في مواجهة جديدة مع المقاومة هناك، بل يسعى لتحييد القطاع عن الجغرافيا الفلسطينية في الداخل قدر المستطاع، وبالطبع هو فشل في فرض ذلك، حيث أعادت المقاومة التأكيد على ترابط الجغرافيا الفلسطينية ما بين قطاع غزة والقدس والأقصى وكل الضفة والداخل الفلسطيني المحتل، وأن تمادي الاحتلال في عدوانه سيجر إلى مواجهة كبيرة، وبتنا اليوم أمام معادلة أكدت عليها المقاومة غير مرة وهي أن المساس بالأقصى والقدس سيجر المنطقة برمتها إلى "حرب إقليمية".
كذلك فإن أي هجمة أو "عملية أمنية كبرى" على الداخل الفلسطيني المحتل منذ العام 1948، سيكون أكثر تعقيداً لدى العدو، وسيضيف زيتاً على النار ويضعه أمام مواجهة مفتوحة وكبيرة على غرار ما حصل خلال العام 2021 في معركة "سيف القدس" حين انتفض الكل الفلسطيني في مواجهة العدوان.
من هنا التأكيد على أن المشروع الصهيوني في جوهره بات اليوم في خطر كبير وأنه إلى زوال، وكثرت في الآونة الأخيرة الأصوات من داخل الكيان والتي باتت تتحدث عن ذلك، بل وذهب البعض منهم للدعوة إلى الهجرة خارج فلسطين المحتلة بحثاً عن الأمن والأمان والرخاء، وهو أشار إليه العديد منهم كذلك خلال "معركة سيف القدس"، حيث كتب المحلل الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي جدعون ليفي مقالاً دعا فيه المستوطنين للهجرة إلى أوروبا لأنهم "أصبحوا بلا حماية".
وحين تنشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية مقالاً تحت عنوان «الهجرة المعاكسة وشراء شقق خارج إسرائيل تحسباً لليوم الأسود» فذلك يعني استحالة قيام "دولة يهودية"، وأن اليقين بتفكك كيان الاحتلال وزوال "دولة إسرائيل" صار متجذراً في وجدان الصهاينة.
وأختم بقول للمؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند في كتابه "اختراع الشعب اليهودي" حيث يقول: "اليهودي ينام في إسرائيل وخنجر موته في بطنه"؛ أي أنه يستفيق كل يوم مذعوراً وهو يتوقع بأن يأتي صاحب البيت أو الأرض ليسترد حقه، هذا الشعور عند الصهاينة لأنهم يدركون جيداً بأنهم غرباء محتلون لا حق لهم في فلسطين، وأن شعبها حتماً سيعود