مرة أخرى نعود في أعقاب هذه العمليات الفدائية البطولية الأخيرة في فلسطين المحتلة 48 وفي أنحاء الضفة الغربية، للتأكيد مجددا على أن صراعنا مع المشروع الصهيوني مفتوح حتى هزيمة ذلك المشروع، وأن الاشتباك مع ذلك المشروع عابر للأجيال والأزمان، فوفق الوثائق والصحف والشهادات المختلفة، فإن الجيل الفلسطيني الرابع هو الذي يقف اليوم منتفضا مقاوما في مواجهة الاحتلال الصهيوني، مواصلا الأجيال الفلسطينية الثلاثة التي سبقته في الميدان منذ نحو أربعة وسبعين عاما، ولكنه يكون الجيل الفلسطيني الثامن إذا ما أخذنا في الحساب أن التصدي العربي الفلسطيني بدأ مع بدايات الاستيطان الصهيوني منذ عام 1878، مع إقامة أول مستعمرة صهيونية وهي "بيتح تكفا" على أراضي قرية الملبس الفلسطينية، ولذلك نوثق ونقول: ما أعظم وما أروع فلسطين في مسيرتها الكفاحية المفتوحة المليئة بالهبات والانتفاضات والثورات والتضحيات، هذه المسيرة التي تصدت وتتصدى للمشروع الصهيوني نيابة عن الأمة العربية.. ثمانية أجيال متتابعة تخوض الكفاح بلا تعب أو كلل أو يأس أو استسلام، يذهب جيل ليأتي الجيل التالي بعده، والجيل الثالث فالرابع وهكذا، ليحمل الراية والرسالة والأهداف الوطنية التحررية وها هو الجيل الرابع منذ النكبة والثامن أو التاسع منذ نحو قرن وأربعين عاما كاملة، هو الذي يحمل الراية ويقود التصدي في الميدان في مواجهة جيش ومستعمري الاحتلال، ليضيف ملحمة كفاحية أخرى إلى جملة الملاحم التي سطرها الشعب العربي الفلسطيني في مواجهة الصهاينة الغزاة ..
وعن هذا الجيل الفلسطيني الجديد، وإسرائيليا، كانت مجلة "إسرائيل ديفينس" العسكرية الصهيونية، كشفت عن مفاجأة مفادها أن: "أجهزة الأمن الإسرائيلية تواجه ورطة كبيرة، بالنظر إلى أن الهجمات التي ينفذها الفلسطينيون في الوقت الراهن تختلف كثيرا عن سابقاتها في السنوات الماضية، حيث تتمييز بروح تضحية عالية غير مسبوقة"، وأضافت المجلة في تقرير لها "أن جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك) أصدر تقريرا حول العمليات الفلسطينية الحالية أظهر أن منفذي هذه العمليات، نوعية جديدة من الشباب الفلسطينيين الذين يتمتعون بروح تضحية عالية". وأكدت الكاتبة الإسرائيلية عميره هاس في صحيفة هآرتس على ذلك قائلة: "أن المواجهات المستمرة في الأراضي الفلسطينية يقف خلفها جيل جديد من الفتيان والشبان الفلسطينيين، الذين فقدوا كل أمل في اتفاق أوسلو". وتحت عنوان "جيل لا يخافنا"، كتب نوعم أمير في معاريف يقول: "لقد نشأ هنا جيل لا يتذكر السور الواقي ولا يخاف".
وخلاصة القول عن الشباب والفتيات الفلسطينيين والفلسطينيات: "أن الفكرة الأهم في هذه الانتفاضة المستمرة، أنها كسرت فكرة أن هناك جيلا فلسطينيا يهزم، لأن الإسرائيلي منذ العام 1948 راهن على كسر إرادة الأجيال الفلسطينية، وفي كل مرة كان هنالك جيل يفاجئه ويطلق ثورة من نوع خاص، ترسّخ بقاء المقاومة في البيئة الفلسطينية وتحبط الإسرائيليين... الإسرائيليون راهنوا على أن الجيل الفلسطيني الجديد هو جيل “أوسلو”، لكن العدو الإسرائيلي فوجئ بأن هذا الجيل يقاوم بكل ما أتيح له من قوة، ولا ينتظر أن يمتلك أدوات مميزة ليقاوم".
وفي تطورات هذا المشهد الفلسطيني الكفاحي يواصل الجيل الفلسطيني الجديد نضاله ومقاومته الباسلة، وما الشهداء المتتابعين على ثرى الوطن مثل البطل رعد حازم والذين سبقوه وهم قافلة كبيرة من الشهداء منهم: أشرف نعالوه وأحمد جرار وعمر أبو ليلى والفتيين نسيم محمد أبو رومي وحمودة خضر الشيخ، في القدس سوى نماذج قوية، وهم أيقونات الكفاح الشعبي الفلسطيني ورمز الجيل الفلسطيني الشاب الجديد الذي لا يهزم ولا يكسر أمام عنجهية وقمعية الاحتلال.
وفي تطورات هذا المشهد الفلسطيني الكفاحي المتصل عبر الأجيال، يظهر دور الطفل الفلسطيني، كما يظهر دور المرأة والفتاة والطفلة الفلسطينية في الميدان الفلسطيني، فهناك الشهيدات وهناك الأسيرات في معتقلات الاحتلال، ليصبح هؤلاء الأطفال أيقونة الكفاح الشعبي الفلسطيني ورمزا للجيل الفلسطيني الشاب الجديد الذي لا يهزم ولا يكسر أمام عنجهية وقمعية الاحتلال.
ننحني احتراما وإجلالا للجيل الفلسطيني والجديد الصاعد الذي يخشاه الاحتلال وتتحدث وسائل إعلامه عن جيل لا يهاب الموت أبدا.. فهذا هو الفلسطيني الجديد الحقيقي الذي تابعناه في شتى الميادين الفلسطينية الممتدة، من المدينة المقدسة إلى كل المدن والأماكن الفلسطينية الأخرى خلال الأسابيع الأخيرة وقبلها على مدى السنوات الماضية، وتلك هي فلسطين الجديدة التي سيبنيها هذا الجيل الجديد بقوة الإيمان والمقاومة والتحرير.