د. يوسف مكي
أحد عشر يوما مضت، منذ بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد تكشف خلالها أن أوكرانيا، ليست لقمة سهلة، وأن المقاومة الأوكرانية، بقيت ضارية وصعبة. ولعل مرد الصمود الأوكراني، حتى هذه اللحظة، يكمن في أن الهجوم العسكري الروسي، لم يكن مفاجئا. فقد أشار له عدد من المسؤولين الأمريكيين والأوربيين، مرارا وتكرارا، رغم نفي القيادات الروسية لذلك. وعلى رأس من أكدوا عزم روسيا على اجتياح أوكرانيا، الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، الذي صرح قبل أسبوع من بداية الحرب، أن الغزو الروسي لأوكرانيا بات مؤكدا ووشيكا.
الروس يعلنون أن احتلال أوكرانيا ليس ضمن أهدافهم، وإنما نزع أسلحتها وإقامة حكومة غير معادية لهم فيها. وأيضا الاعتراف باستقلال إقليم دنباس. لكن هذا القول، لا يمكن الأخذ به على علاته. فاجتياح روسيا لمعظم المدن الأوكرانية الرئيسية، لا يمكن وضعه في غير خانة الاحتلال، والأحداث اليومية، تدحض الاصريحات الروسية. فالروس حاولوا عدة مرات الدخول في المدن الرئيسية، ومن ضمنها العاصمة كييف، لكنهم يتراجعون عن ذلك، أمام قوة الدفاعات الأوكرانية. وهم يدركون بالتأكيد حجم الخسائر التي تكبدها حرب الشوارع. وقد تمكنوا مأخرا من دخول مدينة خيرسون في جنوب أوكرانيا.
اعتمد الجيش الروسي، خلال الأيام الماضية، محاصرة المدن دون الدخول فيها، والعمل على استنزاف القوى المدافعة عنها. لكن التوقف عند حصار المدن له كلف باهضة. فقد جعل ذلك الجنود الروس، عرضة لهجمات قوية معاكسة، من قبل الجيش الأوكراني، مما جعل عملية الاستنزاف متبادلة بين الجيشين.
إن طول أمد الحصار الروسي على المدن الأوكرانية، عمل ذو حدين، فهو من جهة، سيضاعف من حالة الرفض الدولي للغزو، والذي برز في قرار مجلس الأمن الدولي، الذي حال حق النقض الر وسي دون صدوره. وقد صوت لصالحه كل الأعضاء باستثناء ثلاث دول، وكذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أدانت بغالبية ساحقة، الاحتياح الروسي للأراضي الأوكرانية. كما برز هذا الرفض بقوة، في المظاهرات التي عمت المدن الرئيسية بأمريكا وأوربا رفضا للغزو الروسي. لكنه في ذات الوقت، يكشف خيبات الدول الحليفة، لأوكرانيا، مثل أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، التي رفضت اتخاذ قرار بفرض حظر طيران فوق أجواء أوكرانيا، بسبب ما يجره ذلك من مواجهة مباشرة بين أمريكا وروسيا، ويهدد باحتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة ومواجهة نووية مدمرة.
أمام هذا الواقع، تنتقل حكومة بوتين باستراتيجيتها من سياسة الاستنزاف إلى الحسم العسكري. يلحظ ذلك، من خلال التدفق الهائل للقوات الروسية، إلى أوكرانيا، حيث قدر امتداد رتل واحد بأكثر من ستة وعشرين كيلو مترا. ومنذ يوم الأحد، بدأت القوات الروسية هجوما واسعا على الأراضي الأوركرانية، تركز بشكل كثيف، من ثلاثة جهات على العاصمة كييف.
ولتحفيف الحملة الدولية المناوئة للسياسة الروسية، وافقت إدارة بوتين على إجراء مفاوضات ماريثونية، مع وفد أوكرانيا، لم تثمر حتى اللحظة للتوصل إلى ما من شأنه تحقيق وقف إطلاق النار بين المتحاربين. كما عملت على تخفيف المعاناة الإنسانية، للمدنيين المحاصرين في عدد من المدن بفتح مرات عبور آمنة، يتجه من خلالها المدنيون إلى الخارج، وبشكل خاص للأراضي البولندية.
ومن جهة أخرى، تعلن إدارة بوتين، قبولها بمبادرات الوساطة. وفي هذا السياق، يذكر أن السعودية وتركيا و"إسرائيل" عرضت التوسط بين روسيا والحكومة الأوكرانية. بل إن الإدارة الأمريكية، وبعض دول الاتحاد الأوروبي، تعول كثيرا على الصين، وتطالب بتدخلها على خط الوساطة، نظرا لعلاقتها القوية مع القيادة الروسية. لكن ذلك لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على قرار الحسم العسكري الذي اتخذته قيادة الرئيس بوتين.
من المتوقع أن يكثف الجيش الروسي، هجماته بمختلف المدن الأوكرانية، وأن يعمل على إقفال الطريق الرابط بين أوركرانيا وبولندا، لحرمان الجيش الأوكراني، من الدعم العسكري القادم من الخارج، والذي يعتبره الروس، أحد أسباب فاعلية المقاومة الأوكرانية للغزو. كما يتوقع أن يجري حسم المعركة في كييف وأوديسا وخاركيف وبورديانكا وماريوبول ومنع اتصال أوكراينا بشكل نهائي ببحر أوزوف.
التطورات الأخيرة، دفعت إدارة الرئيس الأمريكي بايدين، للتفكير جديا في تشكيل حكومة أوكرانية بالمنفى، ذلك لأن معظم التوقعات تشي بأن العمر المتبقي للحكومة الأوكرانية الحالية سيكون قصيرا، وأن احتمالات اعتقال أو اغتيال الرئيس الأوكراني الحالي، من قبل الجيش الروسي باتت مرجحة عند الغرب.
الأيام القليلة القادمة ستكون ملئية بالأحداث، وربما بالمفاجئات، ولن يطول بنا الانتظار.