كانت آثار هذه الكائنات الحية مبعث حيرة للعلماء لنحو نصف قرن، لأنها كانت في غير موضعها، وتم أخيرا الكشف عن العمليات الجيولوجية التي تسهم في حل هذه المعضلة.
نجح فريق من الباحثين في حل لغز جحور الحيوانات الغامضة الذي أثار حيرة علماء الجيولوجيا لنحو نصف قرن.
فقد عثر علماء في منتصف السبعينيات من القرن الماضي في جنوب غربي أستراليا على ثقوب قطرها نحو سنتيمتر واحد تشبه الجحور التي تحفرها القشريات على الرمال، داخل صخور كوارتزيت (نوع من الصخور المتحولة ذات أصل رسوبي رملي) عمرها مليار و700 مليون عام. وسُجل هذا الاكتشاف للمرة الأولى في دراسة نشرت عام 1977.
وكانت المشكلة أن أقدم الأحافير التي عُثر عليها لحيوانات قادرة على الحفر لا يتعدى عمرها 600 مليون عام.
وطُرحت تفسيرات عديدة لهذا اللغز، منها أن هذه الجحور حفرتها حيوانات بدائية في العصر البروتيروزوي القديم (الذي امتد من 2500 مليون عام إلى 1600 مليون عام)، ولم يُعثر لها على أحافير أخرى قط.عندما تتحرك الحيوانات تترك آثارا على الرمال، مثل آثار أقدام الديناصورات (غيتي)
الأثر الأحفوري
عندما تتحرك الحيوانات تترك آثارا على الرمال مثل آثار أقدام الديناصورات، وتكشف هذه الآثار عن أساليب حياة الحيوانات القديمة وطرق بحثها عن الطعام وتفاعلها مع الحيوانات الأخرى، وتعد هذه الجحور واحدة من أقدم الأحافير التي عُثر عليها لحيوانات متعددة الخلايا.
ففي عام 2017، عثر فريق دولي من العلماء غربي البرازيل على ثقوب وجحور حفرتها كائنات حية في الصخور منذ ما يتراوح بين 555 و542 مليون عام.
وأعلنت جامعة مانشستر (The University of Manchester) على موقع تويتر أن هذا البحث قد يدعونا لإعادة النظر في تاريخ تطور الحيوانات.
ولكن الجحور التي عُثر عليها جنوب غربي أستراليا أثارت حيرة علماء الجيولوجيا لأنها حُفرت في صخور الكوارتزيت الصلبة التي تتكون بفعل تعرض الرواسب الرملية لدرجات حرارة وضغوط مرتفعة.
ويقول بروس رونيغار -الأستاذ الفخري بقسم الأرض والكواكب والعلوم الفضائية بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس (University of California Los Angeles (UCLA))، الذي شارك في إعداد هذا البحث الجديد، حسب البيان الذي نشر على موقع الجامعة بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول الماضي- "إن صخور الكوارتزيت من الصلابة بحيث يستحيل على الحيوانات اختراقها".
وأضاف "لا بد أن تكون هذه الآثار التي عُثر عليها قد حُفرت عندما كانت الرمال سائبة، ولكن الرمال ترسبت قبل مليار و700 مليون عام، أي قبل ظهور الحيوانات الأولى في سجل الأحافير بنحو مليار عام".
حل لغز جحور الحيوانات الغامضة
قدمت الدراسة الجديدة التي نشرت في دورية "بروسيدنغز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينسيز" (PNAS) تفسيرا لمعضلة الجحور الغامضة، مفاده أن الرمال التي شكلت الجحور أحدث عهدا بمراحل من الطبقات الأخرى من صخرة الكوارتزيت المحيطة بها.
واستخدم الفريق مواد مشعة وتقنيات متنوعة، منها المجهر الإلكتروني الماسح، لقياس عمر الرمال في هذه الجحور، واكتشفوا أن حبيبات الرمال انفصلت في البداية عن سطح الصخرة بفعل عوامل التجوية والفيضانات، التي أتاحت الفرصة للكائنات الحية لحفر جحور وثقوب في الصخرة، وبعدها استعادت الصخرة صلابتها مرة أخرى عبر ترسبات السيليكا، وتحولت مرة أخرى إلى حالة الكوارتزيت الصلبة.
وقارن الباحثون بين أعمار طبقات الصخرة، واكتشفوا أن الطبقة التي حفرت فيها هذه الكائنات جحورها تعود إلى عصر الإيوسين، أي منذ نحو 40 مليون عام.
ويُرجح الفريق أن هذه الكائنات من القشريات، التي غزت جنوب غرب أستراليا إثر تمدد المحيط الجنوبي في هذا الوقت، وكانت المنطقة آنذاك يسودها مناخ استوائي.
وتكمن أهمية هذه الآثار الأحفورية في أنها تكشف عن كيفية تطور الكائنات الحية من كائنات بدائية وحيدة الخلايا إلى كائنات معقدة متعددة الخلايا، وتؤرخ لكل مرحلة من مراحل تطورها بدقة.
ويقول ستيفان بنغتسون من المتحف السويدي للتاريخ الطبيعي "كانت آثار هذه الكائنات الحية مبعث حيرة للعلماء لنحو نصف قرن، لأنها كانت في غير موضعها، وقد تمكنا أخيرا من كشف العمليات الجيولوجية التي تسهم في حل هذه المعضلة".