تواجه الشعاب المرجانية خطر الانقراض بسبب ضغوط تغير المناخ، وعانت من تدهور بنسبة تزيد على 50% في 50 عاما الماضية.
وتشير الأبحاث إلى أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات وتحمضها يمكن أن يقضيا على ما يصل إلى 90% من الشعاب المرجانية في العالم بحلول عام 2050 إذا لم يتم فعل أي شيء لإنقاذها.
لكن باحثين من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أطلقوا مؤخرا مشروعا طموحا يمكن أن يسهم في حماية الشعاب المرجانية من الانقراض.
وتقول صحيفة "الإندبندنت" (Independent) البريطانية إن الشعاب المرجانية لا تغطي سوى مساحة صغيرة من الأرض (أقل من 1%)، ولكنها تمثل اللبنة الأساسية للنظام البيئي البحري، من خلال توفير الغذاء والموائل للتكاثر والحضانة، واحتضان نحو 25% من جميع أشكال الحياة البحرية، بما في ذلك أكثر من 4 آلاف نوع من الأسماك.
كما توفر الشعاب المرجانية الغذاء وسبل العيش لملايين الأشخاص حول العالم، وتحمي الشواطئ من تأثير الأمواج المكثف، وتُستخرج منها العديد من الأدوية. ويقدر تقرير للأمم المتحدة من عام 2006 أن كيلومترا مربعا واحدا فقط من الشعاب المرجانية يمكن أن تصل قيمته إلى 600 ألف دولار أميركي سنويا.
مشكلة تبيض المرجان
تأتي الألوان النابضة بالحياة للشعاب المرجانية من طحالب صغيرة تسمى "زوزانتيلا" (zooxanthellae)، وتعيش داخل أنسجة الشعاب المرجانية وتوفر لها معظم غذائها.
تعد "الزوزانتيلا" حساسة بشكل كبير للتغيرات في المحيط، إذ أصبحت درجات الحرارة غير مناسبة بالنسبة لها، وتهدد بخروجها من موطنها الأصلي؛ وبذلك تفقد الشعاب المرجانية مصدرا رئيسيا للغذاء، وتصبح بيضاء شبحية في ظاهرة تُعرف باسم "تبيض المرجان".
في هذه المرحلة، يستطيع المرجان البقاء على قيد الحياة لكنه لا يصمد مدة طويلة من دون "الزوزانتيلا"، وهذا يعني أنه إذا ظلت درجات الحرارة مرتفعة فترات طويلة من الزمن، ولم تعد "الزوزانتيلا" إلى مكانها الطبيعي بين الشعاب، فإن المرجان سيموت في النهاية، وسيتردد صدى انقراضه في النظام البيئي البحري بأكمله، وتفقد المحيطات تنوعا بيولوجيا كبيرا، وتقل مصايد الأسماك، ويفقد الملايين من الناس مصادر غذائهم ودخلهم.
أمل من البحر الأحمر
في عام 2020، اكتشف الباحثون أن بعض الشعاب المرجانية في خليج العقبة (وهو خندق عند نقطة التقاء مصر وفلسطين والأردن والمملكة العربية السعودية) يمكن أن تتحمل درجات الحرارة القصوى.
ويؤكد الدكتور سباستيان شميت روتش من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في السعودية أن سبب وجود هذه الشعاب المرجانية فائقة التحمل في خليج العقبة يرجع إلى أن البحر الأحمر لديه تدرج قوي في درجات الحرارة في خطوط العرض، ولأن الشعب المرجانية في البحر الأحمر صغيرة نسبيا.
وخلال العصر الجليدي الأخير (قبل 2.5 مليون عام) انخفض مستوى سطح البحر وانفصل البحر الأحمر عن المحيط الهندي، وأصبح شديد الجفاف والملوحة. وعندما ذابت القمم الجليدية، عادت المياه إلى المنطقة.
وعلى مدى أجيال، وعندما هاجرت الشعاب المرجانية إلى البحر الأحمر، عابرة عنق الزجاجة في الجنوب حيث تصل درجات الحرارة إلى 34 درجة مئوية في المتوسط خلال الصيف، و16 درجة مئوية في الشتاء، تكيفت الشعاب مع درجات الحرارة القصوى ونقلت مرونتها الحرارية المكتسبة مع مرور الزمن.
وحسب الصحيفة، فإن هذا الاكتشاف -الذي شهده البحر الأحمر الذي يحوي المياه الأكثر دفئا في العالم- مهم للغاية في ظل ارتفاع درجة حرارة المحطيات.
حماية الشعاب المرجانية
يقارن البروفيسور مانويل أراندا من جامعة الملك عبد الله الجهود السابقة لترميم الشعاب المرجانية بأسطورة سيزيف، حيث تتدحرج الصخرة من أعلى التلة لتهبط إلى القاع بمجرد الوصول إلى القمة.
ويوضح قائلا "إذا كنت تزرع الشعاب المرجانية نفسها التي كانت موجودة هناك من البداية، فإن موجة الحرارة التالية تقتلها مرة أخرى، وتدمر كل العمل الذي قمت به".
لكن اكتشاف مرجان البحر الأحمر المقاوم للحرارة يغير قواعد اللعبة. ويركز البروفيسور أراندا والدكتور شميت روتش، جنبا إلى جنب مع بقية الباحثين في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، على تعزيز التكاثر الطبيعي للمستعمرات المرجانية التي أظهرت قدرة أكبر على تحمل الحرارة.
فبمجرد تحديد الشعاب المرجانية التي يمكن أن تعيش بشكل طبيعي في البيئات الأكثر دفئا، يعمل الباحثون على تسريع التبادل الجيني الذي يحدث عادة على مدى آلاف السنين، مما يمنح الشعاب المرجانية فرصة لمواكبة التغير السريع للمناخ.
ومن خلال تحفيز التلاقح بين الشعاب المرجانية المقاومة للحرارة، بدل زراعة أنواع متعددة من المرجان نفسه في طبق بتري، يتم الحفاظ على التنوع الجيني الذي يحمي الشعاب من الانقراض.
ويوضح البروفيسور أراندا أن "الطفرات موجودة بالفعل. هذا الاختيار يقضي على الشعاب المرجانية التي لا تتلاقح بشكل جيد، ويمنح الشعاب المتبقية إمكانية الانتشار"، ويضيف أن "المشكلة هي أن لدينا نحو 30 عامًا فقط".
بمجرد أن تصل درجات الحرارة إلى ما بين 1.5 و2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، سيتم فقدان ما بين 70 و90% من الشعاب المرجانية في العالم.
ونظرا لأن معظم الشعاب المرجانية في البحر الأحمر في حالة جيدة حاليا، يرى الباحثون أن من الضروري العمل بسرعة حاليا لاستغلال مرونة التكيف لدى هذه الشعاب قبل أن تضربها موجات الحر البحرية المستقبلية.
مستقبل الشعاب المرجانية
يعد مشروع البحر الأحمر -وفقا للصحيفة- مشروعا رائدا؛ إذ يرسخ مفهوما جديدا تماما، وهو استخدام مشاتل المرجان العائم لإنشاء مخزون من البذور في البرية.
ويحرص الباحثون على أن تكون مستعمرات الشعاب المرجانية قريبة بدرجة كافية من بعضها البعض حتى يحدث التكاثر، لأن مجرد وجود الشعاب المرجانية المقاومة للحرارة لن يكون كافيا للحفاظ عليها من الانقراض إذا حدث التبيض.
وطورت جامعة الملك عبد الله تقنيات من شأنها أن توفر مراقبة دقيقة ومستمرة لزيادة فرص النجاح إلى الحد الأقصى. ويستخدم الباحثون أجهزة متطورة تقدم صورا ثلاثية الأبعاد وعالية الدقة للشعاب المرجانية في نحو 300 موقع.
ويتم تكرار عملية النمذجة كل 6 إلى 12 شهرا لمساعدة العلماء على ملاحظة التغييرات الدقيقة في الشعاب المرجانية، خاصة بالنسبة للشعاب الضخمة التي تنمو بشكل بطيء، والتي عادة يزيد حجمها بمقدار 2 سنتيمتر فقط في السنة.
ومن خلال مراجعة هذه الصور، يمكن للباحثين اكتشاف التغييرات الطفيفة وتحديد معدلات النمو، وهو أمر يصعب القيام به باستخدام الطرق التقليدية. ويساعد ذلك على فهم المكان الذي تنمو فيه أنواع محددة من الشعاب المرجانية للتأكد من أن العينات التي سيتم أخذها لها قدرة عالية على التكيف قبل بدء الزراعة.