عام 1962، وحين لم يكن مستوى التطور التقني يسمح بالتفكير في تعديل الجينات وإعادة برمجة الخلايا بهدف إبطاء زحف الشيخوخة وإطالة الحياة طويلاً، أصدر روبرت إتنغر عالم الفيزياء والكاتب الأميركي كتابه الشهير "احتمالية الخلود" متناولا إمكانية تجميد الإنسان قبيل موته ثم إحيائه عند ما تظهر علاجات للأسباب التي أدت إلى موته.
وفي سبعينيات القرن الماضي تم افتتاح 6 شركات متخصصة بتقنية التجميد المقترحة كريونيكس (cryonics) بالولايات المتحدة، وكان أول شخص تم تجميده بالتبريد هو الدكتور جيمس بيدفورد (أستاذ علم النفس) عن عمر ناهز 73 عاماً في 12 يناير/كانون الثاني 1967. ويوجد حالياً مئات الجثث المجمدة حول العالم (بدرجة حرارة تقارب 196 تحت الصفر) كما سجل آلاف الأشخاص أسماءهم لإجراء هذه العملية فور موتهم.
وعلى الرغم من أن هذه العملية لا يمكن عكسها حالياً، فإن التطور الذي يشهده الذكاء الاصطناعي، والنمو التقني المتسارع، شجع بعض الباحثين على القول إن إحياء الجثث المجددة قد يصبح ممكناً بدءً من عام 2040.
اختراقات علمية
شهد العقد الأخير من القرن الحالي 3 اختراقات علمية/تقنية غذت أحلام الإنسان في الخلود عن طريق إعادة برمجة شيفرته الوراثية:
الأول: اكتمال مشروع التعرف على تسلسل الجينوم البشري عام 2003، بعد 13 عاماً من التعاون والاستثمار الدوليين، بلغت قيمة المشروع نحو 2.7 مليار دولار أميركي.
الجينوم هو كامل المادة الوراثية المكونة من الحمض النووي الريبوزي منزوع الأكسجين، وتعرف اختصاراً باسم "دي إن إيه" (DNA) وتضم ما بين 20-25 ألف جين مشفر بروتينياً.
تبع هذا الإنجاز انخفاض تكلفة التعرف على تسلسل الجينوم البشري وتحليله الكامل للفرد الواحد (WGS) من 100 مليون دولار بداية، إلى 10 آلاف عام 2010، ثم إلى ألف عام 2015 وأخيراً إلى 400 دولار، ويتوقع أن تصل التكلفة إلى عدة دولارات فقط خلال أقل من عقد من الزمن مع بدء استخدام الحوسبة الكمومية تجارياً.
الثاني: توصل العالم الياباني شينيا ياماناكا (حاز على جائزة نوبل عام 2012) إلى أنه بإضافة 4 بروتينات فقط (تُعرف الآن باسم عوامل ياماناكا) يمكن إعادة برمجة الخلايا الناضجة وإعادتها إلى حالة الخلايا الجذعية الجنينية، مما يسمح بإعادة الشباب إليها.
وبحلول عام 2016، طبق مختبر علمي جميع هذه العوامل على الفئران الحية الشائخة، وتحقق من ظهور علامات عودة الشباب إليها، مما أدى إلى إطلاق مصطلح "إكسير الحياة" على هذه الطريقة.
الثالث: توفر أدوات تحرير الجينات بشكل زهيد الثمن مع ابتكار تقنية كريسبر-كاس 9 (CRISPR-Cas9) من قبل العالمة الأميركية جينيفر دودنا، والفرنسية إيمانويل شاربنتير عام 2012 (حازتا على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2020 في مجال تحرير الجينات).
بدأ استخدام هذه التقنية على الأجنة البشرية عام 2015، واعتبرتها مجلة "ساينس" أهم الاكتشافات العلمية ذلك العام.
الاختراقات العلمية/التقنية السابقة فتحت الباب أمام عمل كبير قد يستغرق سنوات عديدة للتعرف بدقة على وظائف ما بين 20-25 ألف جين يحتويها الجينوم البشري موجودة في نواة الخلية، ومرتبة على هيئة 23 زوجاً من الكروموسومات. ويتطلب الأمر أيضاً التعرف على الآثار الجانبية لتعديل أي جين.
الشيخوخة كمرض
بناءً على التطورات المشار إليها، أصدرت مجموعة من الباحثين الدوليين عام 2015 مقالة تطالب بتصنيف الشيخوخة البيولوجية كمرض.
وفي الثامن من يونيو/حزيران 2018 نشرت منظمة الصحة العالمية المراجعة الـ 11 للتصنيف الدولي للأمراض (ICD-11) وتم إقراره في 25 مايو/أيار 2019 من قبل أعضاء المنظمة، على أن يصبح سارياً ابتداءً من الأول من يناير/كانون الثاني 2022، وليحل مكان الإصدار العاشر من التصنيف الدولي للأمراض.
وتتضمن الإصدارات الجديدة تغيرين مهمين فيما يتعلق بالشيخوخة:
التغير الأول – تغيير في تسمية الكود المرضي "الإعاقة الجسدية المرتبطة بالعمر" وفق الإصدار العاشر (ICD-10) إلى "الشيخوخة" في الإصدار الـ 11 (ICD-11).
ويمثل هذا التغيير تحولاً من تسمية لأمراض ترافق التقدم بالعمر إلى ما يمكن قراءته كمرض التقدم بالعمر (الشيخوخة) وكمقياس للعمر الزمني، وهو ما اعترض عليه بعض المفكرين والأطباء كونه يوحي بأن كل شخص يزيد عمره على 60 أو 65 عاماً يعاني من هذه المشكلة الصحية "الشيخوخة".
الثاني – توسيع الكود المرتبط بالشيخوخة ليشمل العمليات التي تؤدي إلى تراجع قدرة الكائن الحي على التكيف مع التقدم بالعمر. فقد نُظر إلى هذا التوسع على أنه خطوة مهمة لتشجيع الاستثمار المحتمل في تطوير الأدوية التي تستهدف العمليات البيولوجية للشيخوخة التي يبدو أنها تكمن وراء العديد من الأمراض المرتبطة بالسن.
انتقادات
وبغض النظر عن الانتقادات التي وجهت إلى هذين التعديلين، فقد ساهما في تسارع الاستثمار بهذا المجال. ففي عام 2011 كانت الاستثمارات لإيجاد علاج للشيخوخة صفراً. والأعوام التالية تم تخصيص أكثر من 5 مليارات دولار لهذا الموضوع. ومن المتوقع ضخ المزيد من الاستثمارات بهذا المجال خلال الأعوام القادمة.
في أكتوبر/تشرين الأول 2020، اجتمع عدد كبير من العلماء في قصر الملياردير الروسي يوري ميلنر، القابع على تلال لوس ألتوس، لحضور مؤتمر علمي لمدة يومين موضوعه: كيف يمكن استخدام التكنولوجيا الحيوية لجعل الناس أصغر سناً؟
أسفر هذا الاجتماع عن تشكيل شركة جديدة طموحة لمكافحة الشيخوخة تسمى "ألتوس لابس" (Altos Labs) مهمتها تطوير تقنية إعادة برمجة خلايا الإنسان بحيث تعود أصغر مما يؤدي في النهاية إلى إطالة عمره.
وأشارت التقارير إلى أن جيف بيزوس، مؤسس أمازون وأغنى رجل في العالم، كان من بين المستثمرين في هذه الشركة، إلى جانب يوري ميلنر.
وأشارت التقارير أيضاً إلى أن نخبة من العلماء انضموا أو سينضمون لهذه الشركة منهم خوان كارلوس إيزبيسا بيلمونتي، عالم الأحياء الإسباني الذي اشتهر بأبحاثه التي تمزج بين الأجنة البشرية والقرود، والذي يعتقد أن "الشيخوخة ليست عملية لا رجوع فيها" وأن عمر الإنسان يمكن أن يزداد بنحو 50 عاماً.
وانضم إلى الشركة ستيف هورفاث، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا ومطور "ساعة بيولوجية" يمكنها قياس شيخوخة الإنسان بدقة. وسوف يرأس المجلس الاستشاري العلمي للشركة، ياماناكا، المتخصص بإعادة برمجة الخلايا والذي سبق أن أشرنا إليه.
قبل 8 أعوام تأسست بالولايات المتحدة شركة كاليكو (Calico) المدعومة من غوغل (google) بهدف الكشف عن العمليات البيولوجية الكامنة وراء الشيخوخة، ومعالجة الأمراض المرتبطة بها، والبحث في كيفية استخدام البرمجة البيولوجية لعكس الشيخوخة بالخلايا والأنسجة، ولم يتضح حتى الآن مدى التقدم الذي أحرزته الشركة في هذا المجال.
وإلى أن يتم ابتكار علاجات جينية فعالة لإبطاء زحف الشيخوخة بأسعار في متناول اليد، عليك بالطرق التقليدية الموثوقة: تخفيض السعرات الحرارية والغذاء الصحي والتمارين الرياضية.