Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

السجناء انجزوا ما عجز عنه الطلقاء

بقلم عيسى قراقع 

الاسرى الفلسطينيون الستة الذين انتزعوا حريتهم بهروبهم من سجن جلبوع الاسرائيلي يوم 6/9/2021 , انجزوا ما عجز عنه الطلقاء , وهي مفارقة اصابت الجميع بالدهشة وبالخجل وبوجع السؤال , كانوا ينتظرون اي احد ليصرخ ويقلب الطاولة ويساعدهم على تغيير المعادلة , سنوات طويلة ومريرة مرت عليهم داخل السجن في حصار الزمن وحصار الدائرة .

اربعون عاما يقضيها اسرى بالسجن , المئات من االمحكومين بالمؤبدات , المئات من الاسرى الذين سقطوا شهداء , المئات من الاسرى المرضى الذين  يصارعون الموت ، الابواب صدئت ، الاعمار شاخت ، لم يسمعوا سوى الكلام ، لم يحفر احد أملا  في خطاب سياسي او في قصيدة تشبه الفأس ، لهذا فالاسرى حفروا بعظامهم وجوعهم واحلامهم وارواحهم وجروحهم جدار السجن ، استعانوا بالصبر والصلاة ، بالماء والملح والجوع ونبوءة الذاكرة

الاسرى الستة كانوا يعرفون السبيل ، الهروب الى الامام ، الهروب الى الوطن ، لا حاجة لخارطة او مؤتمر او خبير ، فالارض هي الدليل ، البساتين والنجوم والغيوم وهواء البحر المتوسط ونفوسهم الثائرة ستة اسرى عبروا سجن جلبوع المسلح والمحصن باحدث الاجهزة الامنية والتكنولوجية ، عانقوا مدينة بيسان في ذلك الفجر الفلسطيني ، خرجو من تحت الارض ومن قاع الزنزانة وتنسموا هواء الحرية ، استنفرت  حكومة الاحتلال بجيشها وطائراتها ووحداتها الخاصة ، فتشت كل حجر وصخرة ومكان لألقاء القبض عليهم , لكن الشجر كان حارسا لهم وهديل الحمام وقمر يدلهم على الطريق .

ستة اسرى فلسطينيين اعلنوا الانتصار وتفوقوا على منظومة القمع الصهيونية : على الحارس والبرج وكاميرات المراقبة ، على السياج والكلاب البوليسية ، انتصروا على اطول احتلال في التاريخ المعاصر ، على منظومة القمع وسياسة الفصل العنصري ، انتصروا على المشانق والمسالخ والاعتقالات الجماعية التعسفية ، على البطش والاذلال والتعذيب وانتهاك كرامة الانسان ، انتصروا على اليأس الذي تحول الى قنبلة بشرية .

لم يصدق احد ان الاسرى الستة تحرروا من الباطون المسلح ، من جدران وخزانة وحديد مصفح ، من قيد يطوق اليد والقدم ، تحرروا من وهم السلام الموعود ، من تحت قصف القمع وقنابل الغاز والعزل والامراض الفتاكة ، تحرروا من المحاكمات التعسفية ومن العزل الانفرادي ومن التشريعات العنصرية المعادية لحقوق الانسان ، انتصروا على دولة همجية ، دولة السجون والاعدامات والمعسكرات والجيتوات والاسلاك الشائكة .

الاسرى الستة انتظروا طويلا سلاما حقيقيا يحررهم ، انتظروا مفاوضات وتسوية سياسية تتعامل مع حريتهم كجزء اساسي من حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ، انتظروا صفقات وتفاهمات ولقاءات وتحركات دولية ، انتظروا مؤسسات حقوق الانسان وارادة المجتمع العالمي وقرارات الهيئات القضائية الدولية , طال الانتظار سنوات وسنوات ، الجريمة مستمرة ، الديمقراطيات العالمية واتفاقيات القوانين الدولية عاجزة ، لم يصل اليهم احد ، لم  يدق اي مسؤول اممي على الباب المغلق ، على الروح الحبيسة ، العتمة كثيفة ، الاسوار ازدادت سمكا وعلوا ، القمع الممنهج ازداد تصعيدا وشراسة ، السجن صار هو الموت ، لهذا قرر الاسرى ان يحملوا المعول بأنفسهم ويهدموا بأيديهم كل هذا الصمت .

الاسرى الستة ساروا على مجرى ينبوع في مدينة بيسان، اتبعو لغة القلب والعشب والحصى ومجرى الماء في الارض وتفتح زهرة الرمان في الفجر ، امدتهم اسراب الطيور بالاجنحة ، لا شيء نخسره سوى القيد والمذلة , قال الاسرى الواثقون ان ارادة الشعوب هي الاسلحة .

الاسرى الذين  تحرروا من سجن جلبوع حرروا الخوف والاستسلام من النفوس الميتة ، لم يحرروا انفسهم فقط ، وانما حرروا الخنوع لمخططات وسياسة الاحتلال ، حررونا من قبول ثقافة السجناء والعبيد ، ثقافة الحواجز والكانتونات والمعازل ، حررونا من الخضوع لهيمنة الامر الواقع ، نستطيع ان نهدم الحائط والمتاريس الحجرية ، قال الاسرى ، نستطيع ان نصمد ولا نهاجر ، نستطيع ان نصل الى  حقولنا ومساجدنا وكنائسنا ونتصدى للمستوطنين  والجنود ، نستطيع ان نصل الى بيوتنا واولادنا  والعائلة ، لا تخيفنا الرصاصة او الطائرة ولا جرافة المستوطنة ، نستطيع  ان ننتصر لا شيء مستحيل ، الحق هو القوة الكبرى والذخيرة والرواية والمقاومة .

سجن جلبوع الاسرائيلي لم يعد سجنا بعد الان ، تحول الى اسوار واهية ، فشلت كل الاجراءات البوليسية التي حولته الى سجن منيع ، فشلت كل الخبرات الاسرائيلية الامنية ، لم يهدم هذا السجن بطائرة او صاروخ ، لم يقصف بقنبلة مدفعية ، ستة اسرى فلسطينين عزل هدموا هذا السجن ، الارادة تهدم اكبر السجون ، انها دعوة من ابطال حرروا انفسهم بأنفسهم لهدم كل السجون والمعسكرات الظالمة ، انها دعوة لهدم هذا الاحتلال وتقويض كل منطومته العسكرية والامنية ، نستطيع  ذلك، فالسجن لن يبقى جزء من حياتنا ولن يكون .