أجمع متحدثون على ضرورة إطلاق حملة دولية مُنظمة لتدويل قضية الأسرى الفلسطينيين، على غرار حملة المقاطعة الدولية المعروفة باسم BDS، مطالبين بجهود وطنية سياسية وإعلامية ونقابية وشعبية متكاملة بهذا الاتجاه.
جاء ذلك في لقاءٍ نظمته مؤسسة مهجة القدس ورابطة فلسطين الطلابية، ظهر اليوم السبت (14/8)، بمقر المجلس الوطني الفلسطيني في العاصمة السورية دمشق، تحت عنوان :"الحملة الوطنية والدولية لدعم الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي وإسنادهم".
وضم اللقاء قيادات فصائلية، أسرى محررين، شخصيات نقابية، ممثلين عن أطر طلابية، مثقفين، كُتّاب وإعلاميين.
زخم وحضور
ورحّب مسؤول رابطة فلسطين الطلابية بالساحة السورية المهندس علاء الدين حمزات، بالحضور الكريم، مؤكداً في السياق أن هكذا فعاليات تُسهم في إكساب قضية الأسرى الفلسطينيين زخماً وحضوراً.
واستعرض ظروف الأسرى الفلسطينيين ومعاناتهم في 24 معتقلاً للاحتلال الإسرائيلي، لاسيما المرضى منهم، والأطفال، والنساء والشيوخ.
وتحدث حمزات عن معاناة الأسرى المضربين عن الطعام، ودورهم في لفت أنظار العالم باستمرار على ما يعانيه أحرارنا خلف قضبان القهر والقمع الإسرائيلي، فضلاً عن تعريتهم للاحتلال، الذي يضرب باعتقالهم عرض الحائط كافة القوانين والأعراف الدولية.
كما تحدث عن دور الطلبة - من كافة المراحل الدراسية والأكاديمية- في دعم صمود الأسرى وذويهم، موضحاً أنهم يقودون نشاطات وفعاليات وإصدارات دورية في المدارس والجامعات لا تغيب عنها قضيتهم، من أجل تعزيز الوعي بها.
الالتحام مع المضربين
من جانبه، أثنى منسق حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بالساحة السورية أبو مجاهد السنداوي، على مؤسسة مهجة القدس ورابطة فلسطين الطلابية لتنظيمها لهذه الفعالية، كونها جاءت لنقف مع أنفسنا، ومع ضمائرنا، ومع حقنا، ومع واجبنا، ومع قادتنا، مهجة القلب والفؤاد الأسرى في سجون الاحتلال الغاشم.
وقال السنداوي :"نحن هنا لكي نُذكِّر أنفسنا بأن لنا أخوةً خلف قضبان سجون العدو الإسرائيلي محرومين من أبسط حقوق الإنسان، لا يودع الواحد فيهم أمه إلى مثواها الأخير، لا يحضر تخرج ابنته من الجامعة، و لا يأخذ طفله في اليوم الأول من العام الدراسي إلى البيت، لا يجد حبةَ دواء الأسبرين لتسكين ألم رأسه".
وتساءل: هل مطلوب منا أن نعيش واقع الأسر لكي نعرف معنى الأسر وسلب الحرية؟!.
واستدرك السنداوي "هذا خطاب ضمائرنا، لكى نقف ونعرف ماهو دورنا وواجبنا تجاه الأسرى، ونحن هنا لنؤدي التحية لجميع الأسرى المضربين عن الطعام".
وثمّن دور الحملة الوطنية والدولية للدفاع عن الأسرى والضغط لإنهاء ملف الاعتقال الإداري، التي أعلنت عنها لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية والمؤسسات العاملة في شؤون الأسرى في الأرض المحتلة،
واستجابتها لدعوة أهالي الأسرى إلى توحيد كل الطاقات والجهود الفلسطينية من أجل تسويق الرواية الفلسطينية إلى العالم وفضح جرائم الاحتلال بحق الأسرى، وجعل قضية الأسرى الإداريين قضية رأي عام دولي.
ولفت إلى أن الأسرى المضربين عن الطعام احتجاجاً وتنديداً بظروف اعتقالهم الإداري التعسفي في سجون الاحتلال، يتعرضون لأبشع الانتهاكات في محاولاتٍ متواصلة ويائسة لكسر إضرابهم والالتفاف على حقهم في الحرية.
ونوه السنداوي إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر عرَّفت الاعتقال الإداري منذ تأسيسها بأنه حرمان للمعتقل من حقه في الحرية، وعليه فإن الاعتقال الإداري الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني يتنافى مع أبسط المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأعرب منسق حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بالساحة السورية، عن أسفه لإعلان عدد من أمهات وزوجات الأسرى الإداريين المضربين وعددهم 14 أسيراً عن إضرابهن عن الطعام، في محاولةٍ منهن عساها تحرك الضمير العربي والدولي والإنساني، وتشكل ضغطاً على الاحتلال الإسرائيلي لإطلاق سراح أبنائهن.
ودعا السنداوي الكل الفلسطيني لإسناد الأسرى، ولإطلاق الحملات الداعمة لهم، لأجل كسر سياسة الاعتقال الإداري التعسفي، مبيناً أن الهدف من إسناد الأسرى المضربين، هو أن يشعروا بأننا ملتحمين معهم في معركة الحرية والكرامة.
على غرار BDS
من ناحيته، اعتبر الأسير الفلسطيني المحرر تحسين الحلبي، أن قضية الأسرى يجب أن تحتل أولوية شأنها شأن كل قضايا الأرض والإنسان.
وأعرب الحلبي عن أسفه لكون اتفاقيات "أوسلو" تخلت عن الإنسان، وتخلت عن الأرض، موضحاً أن هذا ليس اتهاماً بل حقيقة على الأرض.
وبين أننا يجب أن نشخص من تخلى عن الأسرى، ومن يقف معهم، موضحاً أن الكل الوطني الفلسطيني مع أسر جنود إسرائيليين لتحرير الأسرى.
وقال الحلبي :"كأسير محرر، وخرجت بعملية تبادل، وكنتُ مشاركاً في مفاوضات بفينا بين عامي 1983-1985 تمكنا خلالها من تحرير 1150 أسيراً، فإن على فصائل المقاومة تشكيل لجنة مشتركة في غزة والضفة لأسر جنود إسرائيليين لتحرير أسرانا".
وتطرق للحديث عن حملة PDS لمقاطعة إسرائيل، وهي نواة فلسطينية طلائعية من منظمات غير حكومية والآن تكتسح أوروبا، وفشلت في إيقافها، داعياً لحملة على غرارها للمطالبة بتحرير الأسرى، وتدويل قضيتهم.
وبحسب الحلبي هناك وسائل عدة للضغط في قضية الأسرى، ويجب أن تصل أحرارنا خلف قضبان القهر والقمع الإسرائيلي بأننا نصل الليل بالنهار من أجل تحريرهم وخلاصهم.
نماذج مُلهمة
وأثنى الأسير المحرر - قضى 26 عاماً في سجون الاحتلال- أحمد أبو السعود، على ما طرح سلفه بتشكيل حملة دولية على غرار PDS للتعريف بمعاناة الأسرى والضغط للإفراج عنهم.
وقال أبو السعود - تحرر في صفقة وفاء الأحرار عام 2011- :"حالة الأسر منذ احتلال ما تبقى من أرض فلسطين عام 1967 لم تتوقف، فكل يوم هناك اعتقالات تطال العشرات من أبناء شعبنا".
وعن الاعتقال الإداري، أوضح أنه يجري وفق "ملف سري" لكل من يشكل وجوده تحريضاً على الاحتلال، بدعوى خوف الاحتلال على أمن "دولته".
واعتبر أبو السعود أن من حق المعتقلين الإداريين خوض الإضراب مطالبةً بحريته، باعتبار أن اعتقالهم ظالم، بل كل أشكال الاعتقال تعسفية وظالمة.
وتحدث عن إضراب الشيخ خضر عدنان الشهير وإضرابه الذي نجح، ليكون ملهماً لعشرات الأسرى الإداريين من بعده كسامر عيساوي، وماهر الأخرس ونماذج كثيرة دخلت التاريخ ببطولاتها التي سبقها بطولات طيلة سنوات الصراع المتواصل.
ودعا أبو السعود إلى ضرورة الاستشهاد بهذه النماذج البطولية في إطار التعريف بقضية الأسرى، وتحديداً شهداء الحركة الوطنية الأسيرة.
الأسرى بالأرقام
أما عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أبو باسل عبد المجيد، فاستعرض واقع الأسرى في سجون الاحتلال بلغة الأرقام، موضحاً أن هناك 140 طفلاً معتقلاً، وأن هناك 550 أسيراً يعانون أمراضاً مختلفة، فضلاً عن 543 أسيراً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد في سجون الاحتلال، ناهيك عن ارتقاء 230 أسيراً شهداء منذ عام 1967، منهم 75 بسبب التعذيب، و70 بسبب الإهمال الطبي، عدا عن وجود 440 معتقلاً إدارياً في سجون الاحتلال اليوم، قد تصل فترة اعتقالهم ل10 سنوات، دون عرضهم على المحاكن، غالبيتهم في سجن النقب الصحراوي.
وطالب عبد المجيد بالالتفاف الوطني الشامل حول الأسرى، وتدويل قضيتهم، ونقلها لكافة المحافل الدولية لتعرية السياسة العدوانية للاحتلال.
وناشد المؤسسات والمنظمات العربية بنصرة ودعم قضية الأسرى الفلسطينيين، كون ذلك واجباً دينياً، أخلاقياً، قومياً وحتى إنسانياً.
ماركة مسجلة للأسرى
بدوره، خاطب أمين سر تحالف القوى الفلسطينية أبو عمر ياسر، جيل الشباب الذي سيحمل الراية من قادته، بأن يصونوا الأمانة التي حمّلنا إياها الشهداء، وسار على دربهم فيها الأسرى الأبطال.
وقال :"صحيحٌ أن شعبنا يحمل هموماً كثيرة ومتعددة، لكن يجب ألا نغفل عن هم الأسرى ومعاناتهم، كونهم مشاعل الحرية التي ننشد".
وأضاف ياسر "مسؤوليتنا في التجمعات الفلسطينية بالخارج وخاصةً في أوروبا لا تقل عن مسؤولية أهلنا بالأرض المحتلة، في التعريف بمعاناة الأسرى، وتعرية جرائم الاحتلال، وقمعه المستمر لهم".
ولفت إلى أن الصراع بالأمعاء الخاوية ماركة مسجلة للأسرى الفلسطينيين، الذين يعي دوره ويقارع الاحتلال بقوة وثبات لنراه يرضخ أمامه مستشهداً بإضراب الكرامة الذي خاضه الشيخ خضر عدنان وسامر العيساوي، الذي دام إضرابه 6 أشهر.
مسيرة كفاحية متواصلة
وكان لعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة- أبو أُبي، مداخلة، اعتبر فيها تحرير الأسرى يكون بالعنف الثوري، مذكراً بعمليات التبادل التي تمت لتحرير الأسرى كعملية "الجليل"، "النورس"، "الوعد الصادق"، و "وفاء الأحرار".
وبيَّن أن الأسيرات والأسرى الذين تحرروا بعمليات التبادل التي تمت مع الاحتلال الإسرائيلي، لم يتراجعوا أو ينطووا بل على العكس تقدموا وكانوا في مواقع قيادية؛ واصلوا فيها مسيرة الكفاح والثورة بزخم أكثر من ذي قبل (قبل اعتقالهم ومنهم من قضى أكثر من ثلاثة عقود في سجون الاحتلال).
لا عُذر للمقصرين
وشارك عضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين محمد الشريف، في الحديث، أكد فيه أن الأسرى الفلسطينيين خط أساسي من خطوط النضال الوطني.
وقال :"أسرانا الأبطال تضيع أعمارهم، وهم يشعرون بالفخر لأنهم في ساحة نضال وشرف، لذا مطلوب منا ممارسة كل أشكال الدعم والإسناد لهم".
وتابع الشريف "لا عذر لمن يقصر في إسناد الأسرى، لذلك نحيي من ينظم هكذا فعاليات كونها تجعلنا نعيش مع أبطالنا لحظاتٍ عز وبطولة وتضحية".
لهذا يهون الأسر
ومن المتحدثين كان المناضل المقدسي شحادة أبو شريف، الذي روى تجربته في الأسر إلى جانب 3 آخرين من أشقائه في سجون العدو الإسرائيلي.
ولفت إلى أن سر رباطة جأشهم وثباتهم أمام الاحتلال ومحققيه، كان والدهم، الذي عبأهم منذ الصغر بأن الوطن يعلو، ولا يعلو عليه أحد.
وقال أبو شريف "أتذكر وقت كنت يافعاً بأن والدي كان يجعلنا ندوس على أعلام من شنوا العدوان الثلاثي عام 1956، ليُحرك فينا مشاعر التحدي والثبات أمام العدو، ومثل ما أراد كنا والحمد لله، صحيحٌ أننا كنا نتألم في الأسر، لكن ذلك يهون فداءً للقدس وللأقصى الذي نعيش في رحابه".
الإعلام والأسرى
بدوره، تحدث باحث الدكتوراه الإعلامي عوض أبو دقة، عن دور الإعلام في إسناد الأسرى، لاسيما تسليط الأضواء على معاناتهم من سياسات الإهمال الطبي، ومنع ذويهم من زيارتهم، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.
وتحدث عن تجربته في تغطية إضراب الأسرى لاسيما قضية الشيخ خضر عدنان، مشيراً إلى أن نجاحه كان نتيجة عدة عوامل أبرزها صموده الأسطوري، وتنظيم حملة إعلامية وفق خطة تتناسق مع فعله يوماً بيوم، وتكامل الجهود الوطنية مع الحملة التي أطلقت للتعريف بإضرابه بكل اللغات، وتناغم الإعلام والكُتاب والفنانين والنقابيين مع كل ذلك بقوة وحيوية.
وبحسب أبو دقة فإن الإعلام الهادف يعكس المشهد على الأرض بموضوعية وحِرفية، فما بالك لو كان القائمون على المؤسسات الإعلامية مسكونين بالهم، فمن شأن أي قضية وطنية أن تكتسب زخماً وحضوراً متواصلاً في تغطيتهم المهنية، وهذا ما حدث في قضية الشيخ خضر عدنان، ماهر الأخرس وسامر العيساوي.
ودعا أبو دقة إلى عدم الاستهانة بدور وسائل الإعلام الجديد، التي يجب استثمارها لتوجيه رسائل للرأي العام حول قضية الأسرى بشكلٍ مستمر بكل لغات الكون، مستفيدين بذلك بامتداداتنا الفلسطينية والصديقة والمناصرة في كل بقاع العالم، فخلق رأي عام دولي يُعرِّف بهذه أمرٌ بالغ الأهمية، وله ما بعده.