يصادف العاشر من آب/ أغسطس، الذكرى السنوية الأولى لرحيل الإعلامي والكاتب الفلسطيني «نافذ أبو حسنة» أحد مؤسسي الأدب الفلسطيني المقاوم؛ والمدير التنفيذي لــ «قناة فلسطين اليوم».
ولد «أبو حسنة» بمخيم رفح جنوبي قطاع غزة، لينزح مع عائلته بعد حرب يونيو/ حزيران 1967، إلى العاصمة السورية دمشق، وقد ترعرع في عذابات النكبة والنكسات فكان حاله كآلاف المهجرين الفلسطينيين المقيمين فيها.
درس الراحل «أبو حسنة» في جامعة دمشق، وتخرج منها في العام 1983م، وعاش متنقلاً بين سوريا ولبنان وعمّان، وعمل بلا هوادة في سبيل أفكاره وانتمائه السياسي وثوابته الوطنية، وأصبح مفكّراً ومنظراً وأديباً وإعلامياً بارزاً، وصاحب قلمٍ فولاذيٍ لم ينكسر وبقى يقاوم حتى النهاية.
غادر «أبو حسنة» دمشق ليستقر به المطاف مؤقتاً في بيروت، لكن ومع مرور الوقت تقطعت السبل بأسرته المكونة من زوجته وأربعة من الأبناء، ما دفعهم للهجرة إلى دولة البرازيل أقصى بقاع الأرض، بعد أن ضاقت عليهم البلاد العربية والتي رفضت مراراً استقبالهم، وتأمين حياة كريمة لهم.
شهدت حياة الإعلامي «أبو حسنة» عدة تنقلاتٍ خلال مسيرته الإعلامية، حيث عمل لسنوات طويلة في إذاعة القدس في دمشق، ومعد ومقدم للبرامج السياسية، مروراً بـ قناة «المنار» و«العالم» و«القدس»، قبل أن ينتقل ليتولّى مهام المدير التنفيذي لفضائيّة «فلسطين اليوم» منذ عام 2010، والتي أتاحت له وبقوة، بث روح المقاومة والانتفاضة.
قدم الراحل «أبو حسنة» للقضية الفلسطينية جهودًا أدبية وثقافية وإعلامية متميزة عالج فيها أهم القضايا الوطنية، وسلط الضوء في مقالاته ومؤلفاته ورواياته، والبرامج التلفزيونية التي كان يقدمها بنفسه على أهمية ومركزية قضية القدس والأقصى، وحق العودة، وتبنى قضايا الاجئين وأطلق مبادرات دعماً لهم.
رفض «أبو حسنة» مسار اتفاق أوسلو الذي تقوده السلطة الفلسطينية ومسلسل التطبيع العربي، وعمل مع رفاق له على تأسيس الهيئة الوطنية لحماية ثوابت الشعب الفلسطيني والتي عقدت مؤتمراً عربياً شاملاً في بيروت، ضمّ قوى وتيارات قومية ويسارية وإسلامية في العالم العربي رفضاً لمشاريع التسوية التي تقوض حقوق الشعب الفلسطيني.
أعدّ الفقيد «أبو حسنة» صاحب الصوت والصورة والإطلالة الواثقة عشرات البرامج والأفلام الوثائقية التي عُرضت على فضائيات عدة، وكتب مئات المقالات في الصحف والدوريات العربية وله ومؤلفات سياسية وأدبيّة منها: «جغرافيا الاستيطان ووهم الدولة»، و «الأحزاب الصهيونية العلمانية والدينية في إسرائيل»، و«خالد الفاهوم سيرة ذاتية»، «أملاك المغاربة في فلسطين» إضافة إلى روايتين هما «مقام البكاء» صدرت في العام 2000، و«عسل المرايا» صدرت في العام 2015.
كما، عمل الأديب الراحل «أبو حسنة» خلال مسيرته الحافلة على تصنيف وإعداد يوميات أكرم زعيتر التي دوّنها بين 1949 و1984، وقد نُشر الجزء الأول منها، وحتَّى وقتٍ قريب صدر كتاب «من جمر إلى جمر: صفحات من ذكريات منير شفيق» عرض خلاله مذكرات القيادي الفلسطيني منير شفيق في عقود أمضاها بالعمل المقاوم، حيث عمل على تدوين وتحرير الكتاب بنفسه.
وفي خضم الثورة الأدبية للراحل فقدَ «أبو حسنة» مكتبته الثرية التي أُحرقت في منزله الموجود بمنطقة الحجر الأسود القريبة من مخيم اليرموك أثناء الأزمة السورية، والتي تحوي مخطوطاتٍ وتسجيلات خاصة به مع عشرات الشخصيات الفلسطينية، ومسوَّدات كتب وأعمالاً أدبية كان يعكف على الانتهاء منها وإطلاقها.
توفي الباحث الروائي النافذ «أبو حسنة» صاحب المقالة الرصينة العميقة، إثر إصابته بنوبة قلبية مفاجئة، عن عمر يناهز 59 عاماً في العاصمة اللبنانية؛ بيروت، مكان إقامته دون أسرته حتى رحيله، ليجعل من العاشر من آب/ أغسطس من كل عام مقاماً للبكاء!! و"مقامُ البكاءِ" هو عنوانُ الرواية الأولى التي خطها «نافذ» بقلمه.
وصل جثمان الأديب المقاوم «أبو حسنة» من بيروت ليوْدَع ويُشيّع جثمانه الطاهر في دمشق التي أحبَّها؛ تاركاً خلفه إرثًا أدبيًا قيماً وعريقاً في الحكاية الفلسطينيّة المعاصرة.
نعى الراحل المئات من رفاقه الأدباء والكتاب والإعلاميين الفلسطينيين والعرب وتوالت البيانات التي ذكرت بمناقب الفقيد، والثناء عليه، إلى جانب برقيّات التعزية من العلماء والشخصيات الاعتبارية، وكافة القوى الفلسطينية والعربية والإسلامية، فيما عبارات رثاء مضمخة بعواطف قوية صادقة كُتبت عبر صفحات التواصل الاجتماعي، تعبّر عن فاجعة ألمت بكل من عرف الفقيد « نافذ أبو حسنة».