في حوار مفتوح لـ"عربي21" الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي القائد زياد النخالة:
الخلاف بين فتح وحماس يرجع لتضارب مشروعين لا يمكن أن يلتقيا
على الفلسطينيين أن يقرؤوا "المشروع الصهيوني" أولاً حتى يعيدوا رسم مشروعهم الوطني
التسوية مع الاحتلال مستحيلة ما دامت موازين القوى على حالها
مشاريع التسوية عبارة عن تقديم تنازلات مجانية لعدو لا يعترف بنا أصلاً
كل من يؤمن بالتسوية مع الاحتلال لا يفهم طبيعة "المشروع الصهيوني"
انتخابات السلطة الفلسطينية هي تضليل لشعبنا وللعالم ولذلك رفضناها
المشاركة في انتخابات السلطة يعني تكريس الوضع القائم وإضفاء الشرعية على الاحتلال
الجهاد وحماس تتلقيان الدعم من إيران لكننا فصائل فلسطينية مستقلة ولسنا محسوبين على أحد
فتحت "عربي21" العديد من الملفات الساخنة في حوار شامل وحصري وغير مسبوق مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، الذي يُعدّ واحداً من المنظرين الفلسطينيين، الذي قلما يظهر على وسائل الإعلام، فيما كشف النخالة في حديثه لـ"عربي21" عن العديد من التقديرات والمواقف التي تتبناها حركة "الجهاد"، وأجاب عن العديد من الأسئلة التي يتداولها الفلسطينيون أو تشغل الشارع الفلسطيني.
وعبر إجراءات أمنية مكثفة، استغرق الوصول إلى النخالة نحو ثلاث ساعات، قبل أن تبدأ "عربي21" الحوار معه في مكان غير معروف بالعاصمة اللبنانية بيروت، حيث ظهر الرجل متوازناً متماسكاً واثقاً من نفسه، فيما استقبل الفريق الصحفي التابع لـ"عربي21" بالقول: "اسألوا ما شئتم، وتناولوا أي موضوع ترغبون، فليس لدينا أي قيود، ولا حدود للحديث".
ورغم أنَّ الحوار مع النخالة كان مقرراً أن يستمر نصف ساعة فقط، إلا أنه تواصل لأكثر من ساعتين ونصف، تم خلالها التطرق إلى العديد من الملفات الجدلية التي تشغل الشارع الفلسطيني، فيما بدا النخالة مفكراً عربياً فلسطينياً أكثر من كونه زعيماً لفصيل فلسطيني تلاحقه قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتضعه على رأس قائمة المطلوبين لديها.
وأدلى النخالة بتقييم شامل للحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، مؤكداً أنها "إنجاز وطني معتبر"، وإن كان يتجنب التعامل مع نتائج الحرب على أنه "انتصار"، لكنَّ الأهم من ذلك أن النخالة يؤكد على ضرورة "عودة الاشتباك مع الاحتلال في الضفة الغربية"، ويرى أن فصائل المقاومة أمام هذه المهمة.
ورداً على سؤال لــ"عربي21" عن مستقبل المصالحة الفلسطينية والدور الوسيط الذي يمكن أن تلعبه حركة الجهاد الإسلامي في التقريب بين حركتي فتح وحماس، جاء الرد غير المتوقع على لسان النخالة، بالتأكيد أن "المصالحة غير ممكنة، وأن أي وساطة في هذا الإطار ليست سوى تضييع وقت"، متسائلاً: "كيف يُمكن الجمع بين برنامجين متناقضين، أحدهما يتبنى المقاومة والآخر يرفضها؟".
وحول إمكانية التسوية مع الاحتلال، يؤكد النخالة أنها "مستحيلة"، وأن حركة الجهاد الإسلامي كانت تتوقع منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 أن هذا المسار سوف ينتهي إلى الفشل، وسوف يؤدي بالفلسطينيين إلى هذا المأزق دون أن يصل بهم إلى بناء الدولة الفلسطينية، ويُفسر النخالة ذلك بالقول: "كل من يطرح التسوية مع الاحتلال ويعتقد بأنها ممكنة فهو لا يفهم طبيعة المشروع الصهيوني".
ويخلص النخالة إلى تأكيد أن "إقامة دولة فلسطينية لا يمكن أن تتم إلا عبر تغيير موازين القوى وعبر المقاومة"، مؤكداً أن مسار التسوية لا يمكن أن يؤدي إلى أن ينال الفلسطينيون حقوقهم، ولا أن يُقيموا دولتهم.
وفيما يلي النص الكامل لحوار "عربي21" مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة:
الحرب على غزة ونتائجها
* هل نستطيع القول أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة انتهت بانتصار المقاومة؟
- هذه الحرب لها ميزة عن غيرها من الحروب السابقة، بأن أحدثت تغييراً في الوعي العربي والوعي الفلسطيني، وأيضاً تغيير في الوعي الإسرائيلي، حيث تمكنت من كيّ الوعي الإسرائيلي من جهة وبالمقابل رفعت من مستوى الوعي العربي والفلسطيني وأصبح الكل يدرك بأن إسرائيل لم تعد تلك التي كنا نعرفها في السابق، أي إسرائيل العظمى القوية المتنمرة على العالم العربي وصاحبة الجيش الذي لا يُقهر. كل هذه الأشياء كانت قد أوجدت فكرة في العقل العربي بأن هذه دولة لا يُمكن هزيمتها. وهذا كله تغير، فقد أحدثت هذه الحرب نقلة نوعية في العقل العربي والفلسطيني وهذا يتحقق في هذه الحرب لأول مرة.
بعد هذه الحرب أصبح لدى العرب والفلسطينيين إحساس بأن إسرائيل من الممكن هزيمتها، أما الإسرائيلي فأصبح مدرك بأنه يعيش في دولة مهددة ليس فيها أمان، وهذا أمر مهم لأن "المشروع الصهيوني" قام على قاعدة أنه "فرصة حياة" - صحيح أن "المشروع الصهيوني" كان خلفه أيضاً أيديولوجيا لكنها أيضاً لم تكن كافية لتحشد كل هذا العدد، إذ نسبة كبيرة منهم جاؤوا بناء على وجود "فرصة حياة". ولذلك كله فهذه الحرب خلقت عند الإسرائيلي شعور طوال الـ11 يوماً بأنه تحت التهديد. ولاحظنا كيف أن كل الإسرائيليين تقريباً نزلوا إلى الملاجئ، وكانوا في الشوارع يحتمون بالأرض لمجرد سماعهم صفارات الإنذار، وهذا كله أحدث كيّاً في العقل الإسرائيلي ووعياً في العقل العربي، ومن هنا أنا أقول بأن ما أحدثناه في هذه الحرب لا أستطيع أن أقول عنه انتصاراً ولكني أقول إنه إنجاز مهم في طريق تحرير فلسطين، وهو طريق ليس قصيراً.
لا أقول عنه انتصار بالطريقة التي يتم الحديث عنها في الإعلام بالمبالغة الكبيرة، لأننا ما زلنا نراوح في نفس المكان ونفس الجغرافيا، وإسرائيل تمارس عدوانها وتفعل كل ما تريده، وما زالت تحاصر قطاع غزة وتواصل ممارساتها ضد المسجد الأقصى. كما أن إسرائيل تحاول ترتيب أوراقها بعد الحرب بأن تقنع الآخرين بأن لا شيء تغير، وتحاول أن تُفقد هذا الإنجاز قيمته. وأنا أعتقد أننا الآن في معركة الحفاظ على هذا المكتسب. ويجب أن يظل الناس مقتنعون بالتغيرات التي حصلت.
* لكن الحديث الآن يدور عن اتفاق بين حماس والاحتلال يُعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 11 مايو..!
- إذا حصل ذلك فهذا يعني أننا لسنا أمام انتصار.. أنا لذلك أقول بأننا نستطيع أن نطلق على ما حدث اسم "إنجاز" بحجمه الواقعي أكثر من كلمة "انتصار".
* لكن هناك خشية من أن تكون إسرائيل نجحت بعد شهر ونصف من الحرب في أن تنزع الدسم من هذا الإنجاز.. ما رأيك؟
- هم يحاولوا ذلك فعلاً. وهذا مستمر بسلوكهم اليومي وممارساتهم التي لم تتغير. وأنا أعتقد أن هناك جهود كبيرة وتحدثت خلال المعركة أيضاً بأننا سنكون أمام معركة سياسية كبيرة ومهمة، وسيكون هناك محاولة إسرائيلية لإفراغ هذا الإنجاز من محتواه ونعود مرة أخرى للمربع الأول.
وأمامنا أيضاً معركة سياسية نخوضها الآن، حيث عندما نقول اليوم أن الأمور ستعود إلى ما قبل الحرب فهذا يعني أننا لم نحقق شيئاً، ولم نحقق الانتصار الذي يجري الحديث عنه. ولذلك فيجب أن نضع ما حدث في إطاره الطبيعي، وهو أنه إنجاز ويجب الحفاظ على هذا الإنجاز وأن نبني عليه كل ما سيأتي لاحقاً.
* هل نستطيع القول بناء على ذلك أن فصائل المقاومة تفتقد لجهاز سياسي لديه نفس الكفاءة التي لدى الجهاز العسكري.. أي أن المقاومين يحققون إنجازاً على الأرض بينما لا يجدون جناحاً سياسياً يحصد هذا الإنجاز؟
- البيئة الفلسطينية فيها الكثير من التعقيدات، من بينها تعدد الفصائل والانتماءات، وكل فصيل يضع رؤيته وله خطابه وميزاته. لدرجة أنني أستغرب بعض الخطابات التي تضع مبالغات كبيرة، لكن في النهاية كل فصيل لديه نمط معين في التعبير عن موقفه. وفي النهاية فان العرب والفلسطينيين لديهم شعور بأنه حدث أمر مهم، وهم يقدروا ما حصل، وتفاعلوا معه على كل المستويات. أنا ما أخشاه هو أن يعود الناس إلى المربع الأول عندما يتساءلوا كيف تستمر المعاناة ويستمر الحصار بينما كنتم قبل شهر واحد فقط من الآن تتحدثون عن انتصار.
لذلك أفضل شيء هو أن نتحدث إلى الناس بحجم ما أنجزناه، لا أن نعطي الناس جرعة أكبر مما حدث في الواقع، وهنا أعتقد أنه كان يوجد خلل في خطابنا الإعلامي الموجه لعامة الناس، وأنا دائماً أحاول الاكتفاء بالحديث عن إنجاز معنوي وليس مادي بحجم الانتصار.