أجمع مشاركون في ندوةً افتراضية أنّ المعركة الأخيرة التي خاضتها المقاومة في قطاع غزة كانت بمثابة مفصل تاريخي في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، عدا عن تغيرات جوهرية حصلت في المعادلة لتصبح المقاومة على مساحة فلسطين كلها.
الجلسة الحوارية نظّمها ملتقى «حوار وعطاء بلا حدود» ناقشت انتفاضة فلسطين الأخيرة والتداعيات العسكرية والإستراتيجية والسياسية لمعركة «سيف القدس» وشارك فيها الوزير السابق د. عدنان منصور، ونقولا تويني، والخبيران في الشؤون الإستراتيجية العميدان المتقاعدان محمد عباس وشارل أبي نادر.
وقدم اللقاء الكاتب والإعلامي سركيس أبو زيد الذي اعتبر أنه «قبل العدوان على فلسطين كان هناك انطباع أنّ القضية قد صُفّيت، ولكن بعد الهبّة الأخيرة أظهر الأبطال تغييراً في المعادلة ما أعاد الاعتبار إلى القضية وأدخل الكيان في مأزق يؤشّر لبداية زوال إسرائيل».
بدروه أكد منسق الملتقى الدكتور طلال حمّود، أن وجود إسرائيل لطالما كان مصدر تهديد رئيسي لأمن العالم العربي واستقراره من المحيط إلى الخليج، والوقائع كثيرة في هذا الصدد. أضاف «ولمن يطالبون بالحياد أو بغيره من سياسات تطبيعية مغلفة بعناوين الرفاه والازدهار والسلام والتعايش والتسامح، نقول: لن تختفي أبداً المخاطر الإسرائيلية على لبنان منذ تأسيس هذا الكيان الغاصب، وقد زادت هذه المخاطر بقوة بعد انتصار المقاومة بعد تحرير الجنوب عام 2000 وعدوان تموز 2006، إذ ما زالت بؤرة الصراع المتمثّل بالاحتلال الإسرائيلي لأراض لبنانية قائمة ولا تزال إسرائيل تتربص بنا الدوائر لردّ اعتبارها بعد هزيمتها النكراء وهي تطمع بكل تأكيد بأرضنا ومياهنا وثرواتنا ونفطنا».
من جهته، أشار عباس إلى أن «توازن الردع حصل بعد عمل تراكمي وجهود جبّارة للمقاومة، بدأت عام 2000 في لبنان وألهمت الشعب الفلسطيني وحطّمت المرتكزات التي اعتمدها العدو كامتلاك قدرة ردع بسلاح نووي وعسكري واستخباري والتفوق النوعي وخوض الحروب الخاطفة خارج الكيان، وأخيراً سياسة التوسع لحماية الحدود والاستقواء بالخارج».
وعرّج على المحطات البارزة التي شهدت تطور المقاومة اللبنانية، معتبراً أن «انتصارات المقاومة اللبنانية ألهمت الدروس والعبر لحركات المقاومة لتمرّ تلك الأخيرة بأربع محطات تبدأ من عدوان 2008 على غزّة مروراً بعدوان الـ2013 و2014 لترسي المقاومة توازنات ردع معقولة لتأتي عملية سيف القدس بإنجازات كبيرة على المستوى السياسي وتحقيق إصابات قاتلة لكل عناصر ومرتكزات الأمن الصهيوني التي ذكرت آنفاً، وأبرزها تآكل قدرة الردع للعدو وضعف استخباري وفشل سلاح الجو بحسم المعركة وحده وغياب دور القوات البرية والمراهنة على القبّة الصاروخية التي أظهرت فشلاً وسقوط فكرة الكثرة مقابل القلّة حيث حاذر العدو المواجهة المباشرة، أمّا مبدأ الحروب الخاطفة ففشل فشلاً ذريعاً، وسيبدأ العدو بتقييم ما حصل ودراسة البدائل الممكنة عن الحرب لأن الأخيرة قد تهدّد بزواله».
وختم «إن السلطة الفلسطينية سقطت مع أوسلو وفقدت ثقة الشعب وعلى القوى الفلسطينية السياسية الممثّلة لفصائل المقاومة تشكيل جبهة موحدة تنضوي تحت منظمة التحرير وتُنتهج نهجاً مغايراً بالتفاوض لا يقدم التنازلات مسبقاً».
بدوره اعتبر أبي نادر أن «المقاومة الفلسطينية خطّطت بمنهجية وبتحضير دام عدة سنوات للاحتمالات كافة، فثبّتت قواعد لإطلاق الصواريخ وشبكة اخطبوطية من الأنفاق متطورة بتقنيتها، فأفشلت العدو في إمكانية الرد». أضاف «إن المواجهة كانت من المناطق كافة، وهذا التنسيق بين المناطق ولو كان عفوياً إنما هو متناغم ومترابط، ما أعطى موقفاً صادماً للعدو، بالإضافة إلى تضافر كل الجهود على مستوى الإعلام والدفاع والصمود، وهذه الوحدة الفلسطينية هي سلاح نوعي ورسالة مهمّة للجميع الآن ومستقبلاً، ما أسقط كل محاولات تمييع القضية تحت عناوين مثل التطبيع وغيرها».
أمّا منصور، فقال «إنّ العدوان الأخير هو مفصل تاريخي، والمعادلة تغيّرت لتصبح المقاومة على مساحة فلسطين كلها وهي انتفاضة بمعنى مختلف وتطورات جديدة، فإسرائيل كانت حريصة على فكّ هذا الارتباط بين المدن الفلسطينية، ولاسيما بين غزّة والضفة الغربية، باعتباره تهديداً مباشراً لها، وكلّ رهان الكيان على التفكيك قد سقط ولم تعد الحسابات هي نفسها، واتفاق أوسلو وصفقة القرن سقطا مع الحرب الأخيرة والخسائر بالجملة من هجرة عكسية وتراجع في السياحة وفشل القبّة الحديدية، والمعادلة الجديدة ستؤكد للإسرائيلي أن الصراع مستمر طال أم قصُر وسيستعيد الفلسطيني دولته».
وأكد تويني أنه «ومنذ الاعتراف بالكيان المحتلّ عام 1948 وحتى اليوم، لم يتخذ أيّ قرار دولي بإنشاء الدولة الفلسطينية، وتاريخياً كانت هناك عدة محطات انتصرنا فيها منذ تقدّم القوات العربية في الـ 1973 والتي لقّنت العدو درساً في الحرب، والعدو كان يدرك ذلك، وفي العام 1982 عند اجتياح إسرائيل للبنان حيث مُني العدو بخسائر فادحة، وبدأت صورة الأفول تزداد بعد انسحاب العدو من لبنان عام 2000 تحت ضربات المقاومة، وتكلّلت في عدوان تموز الفاشل في العام 2006، وفي مقاومة غزّة المتكرّرة، لا سيما في ما حصل منذ أيام، حين اتخذت المقاومة قرار الحرب وانتزعت القدرة الصاروخية رغم كلّ إمكانات العدو، والآن نشهد الهجرات العكسية من الكيان وفقدان السيطرة الغربية بعد التحوّل الاقتصادي ضمن نظام العولمة لتنتفي وظيفة الكيان في الشرق، كونه معسكراً للغرب في الشرق، وكل التحليلات اليوم تركز على جدوى وجود هذه الإثنية العنصرية، وبدأ الغرب يبتعد في مصالحه عن هذا الكيان، وبدأ الحلم الإسرائيلي يهتزّ باهتزاز المنصة العسكرية له».