إبراهيم أبو صفية
ما زالت هبة باب العامود مستمرة، وتدور مواجهات ليلية في معظم أنحاء القدس المحتلة، رغم قرار شرطة الاحتلال مساء الأحد بإزالة الحواجز من على درج وساحة باب العامود، إلا أن حالة الاشتباك قائمة في ظل تحضير الاحتلال اقحام مستوطنيه بالآلاف بتاريخ 28 رمضان الجاري للبلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك.
وكانت قوات الاحتلال قد منعت الفلسطينيين من الجلوس وتنظيم الفعاليات الرمضانية السنوية في منطقة "باب العامود"، الباب الرئيسي للبلدة القديمة، ما تسبب بنشوب مواجهات، وبلغت ذروتها، في الأيام الأخيرة، خصوصا بعد قيام مستوطنين إسرائيليين باعتداءات على فلسطينيين بأنحاء القدس المحتلة.
وبعد تمكن للشباب الثائر من أحبار الاحتلال على التراجع وإزالة الحواجز وخفض الاعتداءات وتفتيش المرابطين والمصلين، إضافة إلى تجمهر المقدسيين في ساحات وعلى درج باب العامود دون قدرته على مواجهتهم وفض اعتصامهم، يكمن ذلك لعدة أسباب؟ كذلك أيضا إلى مقدرة المقدسيين على الانتصار في هباتهم وإرغام الاحتلال الانكفاء عن قبضته الحديدية والرضوخ لمطالبهم وهذا أيضا له أسبابه الموضوعية التي نبيها بالتقرير التالي.
قال الإعلامي المقدسي المبعد عن المدينة، عنان نجيب، إن تراجع الاحتلال وإزالة الحواجز، يعتبر هذا نصر جديد يضاف إلى سجل المقدسيين وشباب القدس على مختلف انتمائاتهم، ويضاف أيضا إلى نصرهم في هبة البوابات الإلكترونية وهبة باب الرحمة.
وأشار نجيب، إلى أن استرداد الحيز الفلسطيني في باب العامود؛ كان مطلب الشباب منذ البداية فبتالي لا بد من الحفاظ على هذا النصر بالتواجد المستمر المتواصل في منطقة باب العامود وفي كل زاوية يسعى الاحتلال السيطرة عليها، خصوصا عدم ترك المنطقة لتفرد الاحتلال.
ولفت إلى أن النصر يجب أن يتوج أيضا بالمطالبة بإزالة ثلاث نقاط تفتيش في منطقة باب العامود.
تحدي يوم 28 رمضان
وأوضح أن المقدسيين أنهم أمام تحدي جديد يفرضه علينا الواقع الفلسطيني والواقع المقدسي والواجب، هو امتداد لنصر واستغلال الحالة النفسية والمعنوية للشباب لتسجيل نصر أخر يوم 28 رمضان، حيث يتوعد المستوطنين اقتحام المسجد الأقصى بالمئات وإقامة مراسم تلمودية، لذلك يجب استمرار حالة الطوارئ في القدس المحتلة حتى نمنع المستوطنين من هذا الفعل.
وبين أن أسباب النصر التي يحققها المقدسيين، تكمن بعدم وجود سلطة لأوسلو، مشيرا إلى أينما لا يكون هناك سلطة لأوسلو يكون هناك انتصار، واينما تكون سلطة يكون التنسيق الأمني والهزائم وبيع دم الشباب وتضحياتهم في مفاوضات.
وتابع، أن الاحتلال بعد هبة باب الرحمة تقدم في مربعات أخرى داخل البلدة القديمة ومدينة القدس سواء بالتهويد وملف التعليم وتسريب العقارات، وقطع أشواطا كبيرة في الأسرلة، لذلك جاءت هذه التراكمات وأحيت الضمير المقدسي والوجدان الجمعي الذي انتفض رفضا لكل سياسات الاحتلال.
الخليل يجب أن تبادر
وأشار إلى أنه يجب أن تؤخذ الخليل زمام المبادرة واستنساخ تجربة القدس ونقلها هناك لاسترداد شارع الشهداء والمسجد الإبراهيمي.
سيناريو الاحتلال لتنكيس نصر المقدسيين
وحول سيناريو الاحتلال في مواجهة نصرة المقدسيين وإرغامه، قال نجيب، أن الاحتلال كعادته بعد انتصار يسجله المقدسيين، يمتص الروح المعنوية العالية سواء بالاعتداء او الاعتقال او التنكيل والتقدم في مربعات أخرى مثل التعليم والاستمرار في تسريب العقارات.
وأوضح أن الاحتلال سوف يعيد الحسابات وقراءة الواقع المقدسي، والتخوفات تكمن الآن في 28 رمضان؛ لأن الاحتلال يحشد مستوطنيه بأعداد كبيرة لدخول المسجد الأقصى في ما يسمى يوم توحيد القدس والتي هي ذكرى احتلال القسم الشرقي للمدينة.
ولفت إلى أنه يتوقع بأن الاحتلال قام بتهدأ وتيرة المواجهات استعدادا لهذا اليوم والسماح للمستوطنين دخول البلدة القديمة بالألاف ودخول المسجد الأقصى.
وأكد نجيب على أن المعركة لم تنتهي ويجب تسجيل انتصار أخر في 28 رمضان، وإذا حصل هذا الانتصار يكون قد ضرب المشروع الصهيوني في القدس بمقتله.
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي، المختص بشأن القدس، محمد هلسة، أن هذا الانتصار يسجل للفعل العفوي الشعبي في مدينة القدس، وهذا انتصار مشرف من انتصارات حققتها الحالة الشعبية في عديد من الهبات، وأن استمرار المواجهات هو تثبيت لهذه الهبة المستمرة.
وأكد هلسة على أن الشارع المقدسي والفعل الشعبي أثبت بأنه يستطيع أن يخلق المستحيل وينهض للبناء والمواجهة في ظل واقع احتلال يتمادى. لافتا إلى أن الشباب في فلسطين والقدس أثبتوا أنهم رقم صعب وهم حراس البيدر مؤتمنون عليه، وهم القادرون للحفاظ عليه من أعتى آلة بطش في الشرق الأوسط.
وبين أن الصمود الأسطوري على مدار 14 يوم في رمضان هو سبب رئيسي في انكفاء الاحتلال وخنوعه لمطالب الشباب.
أهمية الفعل الشعبي هو الذي يحقق الانتصار
وأوضح أن في كل مواجهة توكل الأمور للمزاج الشعبي والفعل الشعبي دون تدخل أصحاب الأجندات وأصحاب الربح والخسارة، تنتصر فيها الحالة الشعبية، وينتصر فيها الشباب الثائر؛ لأن حسابات الربح والخسارة السياسية لم تكن في حسابه بقدر انو ثوابته مستهدفة وهو يهب لنصرة هذه الثوابت.
وأشار إلى عندما توكل الأمور للنخب السياسة وأصحاب الأجندات غالبا ينكفئ الفلسطيني وينتصر الاحتلال، وهذا ما شهدناه على المستوى العربي والفلسطيني.
ولفت إلى أن في القدس عندما أوكل ملف التعليم إلى النخب السياسية والتعليمية، خسرناه ونحن الآن نخسر أكثر بهذا الملف.
وأضاف إلى أيضا من أسباب سرع الانتصار وخنوع الاحتلال، إلى أن امتداد رقعة المواجهات وانتشارها في مختلف مناطق القدس وبعض مناطق الضفة الغربية، وكذلك التعاضد على مستوى العالم العربي والإسلامي، أعطى دفعة لشباب القدس للاستمرار، وهذا ما خشاه الاحتلال بأن تنفجر الأمور على مصراعيها دون حسمها خصوصا أنه يمر في أزمة داخلية لا يستطيع تشكيل حكومة وتناقضات داخلية كثيرة.
وتابع هلسة، إلى أن تراجع الاحتلال هو عدم مقدرة المستوى السياسي والأمني على لجم الشارع المقدسي، وخصوصا في الأيام الأخيرة عندما ارتفعت وتيرة المواجهات، لافتا إلى أن الاحتلال راهن على بطشه واعتقالاته واعتداءاته ولكنه فشل ما دفعه للتراجع والخنوع لمطالب الشباب.
وبين أن الاحتلال راجع حساباته، ومنذ اليوم الأول بدأ بالتفاوض مع الشبان على أن يبقوا في ساحة باب العامود دون الدرج، ولكن رفض الشباب، دفع نتنياهو بنفسه بأن يطالب بالتهدئة وهذه لغة لم نعهدها من قبل، وهذا يدل على قوة الفعل الشعبي الصادق والعفوي.
عدم وجود طرف فلسطيني يتفاوض معه الاحتلال حسم مسألة الانتصار
وأردف، أن عدم وجود طرف فلسطيني للتفاوض معه جعل المسألة معقدة، خصوصا أن الاحتلال تعود على أن يكون هناك طرف فلسطيني يتفاوض معه ويقوم بتهدئة الحدث، ولكن في القدس لا يوجد طرف فلسطيني يتفاوض معه العدو.
وأكد هلسة، أهمية الحفاظ على هذا الانتصار، وذلك برتك لهذه الأفعال شعبيتها وعفويتها بعيدا عن التجاذبات السياسية؛ لأن نحن كفلسطينيين غير مؤهلين لقطف ثمار سياسية من خلف هذه الهبات؛ لأننا منقسمون وغير موحدون.
واستطرد هلسة، أن الاحتلال سيعاود دراسة حسابته، ويستخدم القوة الناعمة القائمة على التهويد والاستقرار في أحياء القدس، وسيلجئ للاعتقالات والإبعاد، وكذلك سيذهب لملف تسريب العقارات ومربعات أخرى.
وختم هلسة، أن الرسالة التي خرجت منها هبة باب العامود، بأن المقدسيين محصنون وليس بحاجة الى مجتمع دولي ولا سلطة ولا منظمات ولا دول عربية، ويكفيهم الاتكال على حراكهم وفعلهم الشعبي.
نتنياهو يحاول تنفيس الغضب الفلسطيني
ومن جانبه، كتب ياسين عز الدين، أن بعد إزالة الحواجز الحديدية من منطقة باب العامود، تجددت المواجهات مع قوات الاحتلال التي لم تحتمل رؤية علم فلسطين في المكان.
وأشار إلى أن هذا يؤكد على أن نتنياهو يحاول تنفيس الغضب الفلسطيني ومنع توسع واستمرارية الحراك الشعبي، لكن لن يقدم أي شيء حقيقي.
ولفت إلى أن والعين الآن على يوم 28 رمضان الذي ينوي المستوطنون الاحتفال فيه داخل المسجد الأقصى بذكرى احتلال القدس عام 1967م والذي يطلقون عليه "يوم توحيد القدس"، إذا استمرت الأوضاع مشتعلة فلن يتمكنوا من فعل ذلك بهدوء.