إبراهيم أبو صفية
في 30 آذار من كل عام منذ خمس وأربعين سنة، تشرق في قلوبنا شمس فلسطين كل فلسطين، ويضيئ الشهداء ليلنا بقناديل نور لا تنطفئ، هذا الحدث الأبرز من تاريخ ثوري متواصل منذ مئة سنة ونيف، حدث التحمت فيه كل الأرض المحتلة من رأس الناقورة إلى أم الرشراش ومن البحر إلى النهر، لم متقوقع في منطقة الجليل بل انتقل لمواجه أوسع، وانخرط فيها الكل الفلسطيني، لمواجهة المشروع الاستعماري الاحتلالي الإحلالي.
ماذا يعني يوم الأرض
تعود قصة إحياء ذكرى يوم الأرض إلى عام 1976 عندما أقدم الاحتلال على مصادرة نحو 21 ألف دونم لتنفيذ مشروع أطلق عليه "تطوير الجليل" وكان عبارة عن عملية تهويد كاملة للمنطقة، ما دفع الفلسطينيين للانتفاضة ضد المشروع.
وكان القرار يستهدف مباشر أراضي بلدات عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد ومناطق أخرى من الجليل والمثلث والنقب، أضيفت إلى أراض أخرى صودرت من قبل بغرض بناء مستوطنات جديدة.
وفي أعقاب هذا القرار تداعت لجنة الدفاع عن الأرض بتاريخ 1 فبراير/شباط 1976 لعقد اجتماع عاجل في الناصرة، نتج عنه إعلان إضراب عام شامل في 30 مارس/آذار من السنة نفسها احتجاجا على ما جرى.
اعتبر الاحتلال هذه الاحتجاجات مصدرا للقلق على مشروعه الاستعماري برمته، خصوصا أن حجم الاحتجاجات والتلاحم كان كبير جدا، فباشر برد دموي، فصب غضبه باستخدامه السلاح الناري بشكل عشوائي، مما أدى إلى ارتقاء ستة شهداء من الداخل الفلسطيني، وسقوط عشرات الجرحى.
فخرج الفلسطيني الذي لم تتغير صورته يوما ما كـ"الفنيق" من تحت ركام مشاريع الأسرلة والتهويد، مستعيدا قوته وترابطه، يواجه بكفه المخرز الصهيوني، وأعادوا رواية الدم الفلسطيني الذي ينتصر على رصاصة المحتل وموته.
الوعي حد السلاح
أكدت الصحفية صابرين دياب، من الداخل المحتل عام 1948، أن الوعي الجماهيري سبق يوم الأرض بعقدين من الزمن في مواجهة مشاريع الأسرلة والتهويد، مشيرة إلى أن في أواخر الخمسينيات من القرن المنصرم تأسست حركة الأرض: وهي أول حركة جذرية ثورية تأسست بالدخل المحتل عام 1948، وهي ترفض الاعتراف بالاحتلال تقوم على مشروع ثوري وتمر على الكيان، وهي منذ تأسيسها تمر بحالة مواجهة ومطاردة.
وأشارت دياب، إلى أنه كانت هناك مواجهة مسلحة في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وهي عمليات بطولية، وخلايا فدائية، وأبرزها خلايا فوزي النمر وسطرت أروع ما يكون في الكفاح المسلح في أواسط فلسطين المحتلة باللد والرملة وفي كل فلسطين، واشتدت هذه العمليات في بداية السبعينيات وغطت كل فلسطين في مواجهة المشروع الصهيوني الاستعماري.
ولفتت أن هذه المواجهة المسلحة سبقت يوم الأرض، حيث كان الوعي الجماهيري حد السلاح في مواجهة المشروع الاستعماري، مبينة أن يوم الأرض هو يوم مفصلي من ناحية مصادرة الأراضي والانتفاض لمنع هذه المصادرة، ولكن فلسطينيي الداخل المحتل كانوا في مواجهة مسلحة عظيمة تعبر عن الوعي الحقيقي لديهم، وليس ما تبينه بعض وسائل الإعلام والأحزاب المتأثرة بالأسرلة أن فلسطينيي الداخل انتفضوا فقط في يوم الأرض وأن قبل ذلك لم تكن لديهم مواجهات مع الاحتلال، فتاريخ المواجهة العمليات العسكرية تثبت ذلك.
وتابعت، أن يوم الأرض هو يوم مفصلي كون أن كل الوطن المحتل انخرط في مواجهة المشروع الاستعماري، ولم ينحصر فقط في الجليل وشمال فلسطين.
وأوضحت أن هناك مغالطة تاريخية ونكررها دائما، بأن يوم الأرض فقط حدث في الجليل وهذا غير صحيح وإنما امتد بكل الأرض المحتلة، وأن عمليات التضامن يجب أن تكون احتفاءا وليس تضامنا، لأن كل فلسطين كانت في يوم الأرض، ويجب ألا نقع في فخ الاحتلال الذي يريد منا أن نتضامن ولا نحتفي ونكون جزء من أي مرحلة مواجهة ومقاومة.
وحول مظاهرات أم الفحم ورفع العلم الفلسطيني هناك، قالت الصحفية دياب، أن مخطط الاحتلال هو مخطط اقتلاعي ويحتوي على برامج ومخططات: (هدم، مصادرة أراضي، تطفيش الشباب، تفشي الجريمة" وهي كلها عناوين كبيرة محصلتها اقتلاع الفلسطيني من وطنه، وخصوصا اقتلاع فلسطيني الداخل من أرضهم كونهم يعيشون في قلب المشروع الصهيوني، لذلك المظاهرات في أم الفحم التي توجه وانتفضت ضد العنف هي أيضا تواجه و منتفضة ضد المشروع الاقلاعي.
يوم الأرض.. أول حراك سياسي جماعي منظّم في وجه الاحتلال
ومن جانبها، قالت الناشطة السياسية في الداخل الفلسطيني المحتل، نيفين أبو رحمون، إن يوم الأرض شكّل محطة مفصلية سياسية للفلسطينيين خصوصا انه يعبّر عن أول حراك سياسي جماعي منظّم في وجه الاحتلال، والذي عبّر عن غضب الجماهير من سياسة مصادرة الأرض والاقتلاع نتاج مخطّط تهويد الجليل.
وأشارت أبو رحمون، أن الاحتلال راهن من ال48 على تشويه هوية فلسطينيي الداخل لصالح الأسرلة وسلخهم عن شعبهم وقضيتهم، ولكن في هذا الحدث السياسي الهام أعاد الفلسطينيون في الداخل اعتبار الكل الفلسطيني من خلال فرض يوم الأرض كحدث فلسطيني عام، حيث شكّل من خلاله تثبيت قضية الأرض في الصراع القائم. وفي هذا أيضا رافعة في العمل الجمعي التي أصبحت اليوم مناسبة وطنية فلسطينية على امتداد الوطن.
وبينت أن الحراك الفحماوي الموحد يشكل نموذجا خاصا في النضال الشعبي و النزول الى الشارع خصوصا في المراكمة والمهنية والأدوات النضالية الجديدة، لهذا هنالك التفاف حقيقي حول هذا الحراك. وقد تكون هنالك قواسم مشتركة خصوصا أن النزول الى الشارع قد أعاد اعتبار النضال الشعبي الكفاحي كخط دفاع أولي عن الوجود الفلسطيني، وهنا هذا النضال تشكّل ضد تواطؤ الشرطة مع العنف والجريمة، وهي خطوة الى الامام في المواجهة مع الاحتلال خصوصا أن في ذلك قرار سياسي في التعامل مع الفلسطيني بتقاعس تام دون تفعيل القانون.
وتابعت إلى هذا الحدث يعيد الفلسطينيين الى النضال الشعبي في يوم الأرض والى انتفاضة القدس والأقصى والى عدة محطات سياسية فلسطينية تكاد تشكّل الذاكرة الجمعية الفلسطينية الى جانب الوعي والإدراك في الحفاظ على ذلك.
يوم الأرض هو الصرخة الأولى في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية الهادفة لمصادرة الأرض، وانخراط عملي وتراكمي للعمل الثوري الذي شكلته المجموعات الفدائية و الخلايا العسكرية في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات في كل فلسطين المحتلة، والتي جسدت عملا ثوريا يبني الوعي ويحافظ على الهوية والأرض الفلسطينية.
ومنذ ذلك اليوم (30 مارس/آذار 1976)، يحتفي الفلسطينيون في الداخل والشتات بهذه الذكرى، لتجديد تشبثهم بأرضهم المحتلة، وبحق العودة، ومسار التحرير.