إبراهيم أبوصفية
" صُمود في زمَن الخنوع، وَ ثبَات فِي وقت المِحَن .. آل البرغوثي عُمَر"، كانت هذه الخاطرة كنت قد كتبتها قبل 3 سنوات عندما ارتقى الشهيد صالح عمر البرغوثي، واعتقال أخيه عاصم الذي نفذ عملية نوعية قتل فيها جندي وأصاب آخرين؛ ردا على ارتقاء شقيقه.
وقلت آنذاك أن هذه العائلة سليل نسل جالوت الفلسطيني، وسلاحهم يصوب البوصلة في كل مرة يعتلي فيها صوت التناقض، كأنهم طفرة في "زمن الصقيع".
عمر الذي جاء من زمن التوازن، قاطع المسافات صنديدا مقاتل، قلبه يغلف القدس في سويدائه، وحنجرته مئذنة تقرع أسماعنا بالحق، وروحه تبعث الأمل، يطرق جدار الوعي، ويرمم ما هدمه المهرولون نحو مصالحهم الشخصية، وكانت فلسطين كل فلسطين مصلحته ولا شخصنة في ذلك.
اليوم في خضم مرحلة المحاصصة وفي ظل الذي يبحثون عن مصالحهم في نفق مظلم أسمه تشريعي تحت سقف "أوسلو" يترجل سيدي عمر، تاركا الدنيا ويرتبط بحبل الله عن قرب أكثر.
وهو الذي قال قبل شهرين بالتمام عندما سأله المحقق الإسرائيلي اثناء التحقيق معه "لمَ أنت قوي دائماً ولا تضعف؟ فكانت اجابته "إن حبلي مع الله فكيف أضعف؟"، واليوم تحلق روحه أعلى وأعلى.
وهو الذي رد على سؤال زميل لنا، عندما سأله:
يا أبا عاصف كيف تعامل العدو بلا خوف وكأنكم أنداد متساوون؟
تبسم حينها وقال: والله هاي كانت زمان أنداد ومتساوون نحن اليوم ( الأعلون )
عمر البرغوثي قدوة بين أبناء كوبر
قال أحد النشطاء في قرية كوبر إن " عمر الاحتلال سيكون أقصر من حياة آل البرغوثي عمر، فعمر الثوريين طويل"، فإن للاسم جذورًا تاريخية ورمزية ثورية، حتى أصبح آل البرغوثي وخصوصًا في قرية كوبر يطلقون على أبنائهم " عمر"، فالرواية التاريخية تقول بأن عائلة البرغوثي تعود أصولها للصحابي عمر ابن الخطاب، وأما الرمزية الثورية في التاريخ الحديث فتعود لمشاركة عمر البرغوثي ( أبو عاصف) ـ والد "الشهيد" صالح البرغوثي ـ منذ السبعينيات في الثورة الفلسطينية في لبنان، وكذلك نقل تجربته إلى أهله وأقاربه.
وأكدت أستاذة الإعلام في جامعة بيرزيت وداد البرغوثي، أن أهالي قرية كوبر منذ السبعينيات اعتكفت على إطلاق اسم عمر على أبنائها اقتداءا بعمر البرغوثي أبو عاصف، مشيرة إلى أن الاحتلال ينتقم الآن من الذين أسمائهم عمر، مشيرة إلى أن غالبية المعتقلين الحاليين في سجون الاحتلال من عائلة البرغوثي وبلدة كوبر إما أسمائهم عمر أو في رباعية الاسم تجده.
وقالت الدكتورة وداد البرغوثي إنه وفي أواخر السبعينيات كانت هناك مجموعة مشكلة من عمر البرغوثي " أبو عاصف " وشقيقه الأسير نائل البرغوثي، وأبناء عمومتهم فخري البرغوثي، وجاسر البرغوثي، وأن هذه المجموعة قامت بقتل سائق باص" إسرائيلي"، وتبين أنه ضابط في جيش الاحتلال خدم في سيناء، مشيرة إلى أن المجموعة طُوردت، حتى تمكن جيش الاحتلال من اعتقالهم في بيت قديم في بلدة كوبر، وحكم عليهم بالمؤبدات.
وأضافت بأن " أبو عاصف " الأسير عمر البرغوثي أُفرج عنه في صفقة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال عام 1985، بينما أُفرج عن الباقي في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، وأُبعد جاسر الى قطاع غزة، بينما فخري ونائل عادا إلى بيتهم بالضفة الغربية، إلا أن قوات الاحتلال أعادت اعتقال نائل عام 2014 وأعادت له حكم المؤبد. مشيرة إلى أن كل واحد فيهم أمضى في سجون الاحتلال ربع قرن وأكثر، فالأسير نائل البرغوثي عميد الأسرى الفلسطينيين قد دخل في عامه ال 41.
وبينت أنه وقبل حادثة الاعتقال الأولى للشقيقين نائل وعمر، حيث كانا أطفالا، اقتحمت قوات الاحتلال القرية وطالبت الأهالي الخروج من منازلهم ورفع الرايات البيضاء، وما كان من الشقيقين إلا أن اعتليا منزل بيتهما متحضرين لضرب الحجارة على قوات الاحتلال رافضين الاستسلام.
وأشارت إلى أن والدة عمر ونائل البرغوثي، قادت اعتصامات " الصليب " الأسبوعية منذ اعتقالهما في أواخر السبعينيات، وتذكر الدكتورة البرغوثي قصة حول الموضوع، وتقول: "في أحد الأيام تغيبت والدة عمر ونائل عن أحد الاعتصامات، فامتنعت أمهات الأسرى وزوجاتهم عن بدء فعالية الاعتصام إلا بوجودها، فقاموا بإرسال " تاكسي " لإحضارها.
ومنذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وبعد الإفراج عن أبو عاصف، أعاد الاحتلال اعتقاله إدارياً عشرات المرات، حيث بلغت سنين سجنه 30 سنة، أمّا الأبناء الذين كبروا ووالدهم في السجن فقد تشرّبوا منه روح النضال، فاستشهد صالح بعد عمليّة "عوفرا" عام 2018، وحكم على عاصم بالسجن المؤبد 4 مرات بعد أن ثأر لأخيه. هدم الاحتلال بيتي صالح وعاصم على وقع تكبيرات أبيهم وأمهم التي اعتقلت أيضاً، إلّا أن العائلة لم تزدد إلا صموداً وقوة.
عمر البرغوثي ندا في وجه الاحتلال
"أنت أخطر علينا من حملة السلاح لأنّك تحرّك الناس"، هكذا هدد ضابط المخابرات الإسرائيليّ قبل أسابيع الشيخ عمر البرغوثي.
وعندما جاء إليه المحقق بالشاي رفض طيلة المقابلة شرب الشاي ، وعندما سأله الضابط عن سبب رفضه شرب الشاي قال له "إذا شربت من الشاي فعلي أن أقدم لك مثله عندما تأتي الى منزلي وأنت غير مرحب بك، وليس بيننا لغة الضيافة، لا أريد أن أشرب لكيلا أقدم لك الشاي في بيتي، وأكون صادقاً في الحالتين، لا توجد لغة ضيافة بيني وبينك".
اليتم وفلسطين
هذا قدر فلسطين بأن تبكي رجالاتها، وأن تتيتم برحيلهم، وأن يشعر الذين عشقوا مسار الثورة والقدس باليتم والفقدان، وإن لم تجمعك بهم قرابة أو دم، إلا أن فكرك وقبلك اجتمع بهم.
عمر البرغوثي 68 سنة أبو عاصف، إبن بلدة كوبر، أحد هؤلاء الذين باغتهم القدر بعد أكثر من شهرٍ بإصابته بفيروس كورونا الذي يتوالى على خطف من أحبتهم فلسطين.
خصال الثائر الذي تميزت في شخصية أبو عاصف
إن للثائر والمناضل خصل يحتاجها ليكون قائداً قدوة، وأهمها أن يكون إنسان متواضع بوعي كبير وعقل رزين، مغناطيس شديد الحساسية لجذب الخير والخيّرين، ويترك بصمة مميزة حيثما حلّ. شخص صبور وعنيد، باحث عن الحقيقة بمصباح الوحدة والجمع والعطاء، ولديه بديل حين تضيق الدرب. هكذا كان سيدي عمر.
ابتدأ مشواره النضالي بمبادرته الشخصية قبل أن يلتحق بحركة فتح عام 1976، ليكون وابن عمه فخري البرغوثي رفاقاً للحج حسن وحمدي سلطان وأبو حسن قاسم وعلي أبو طوق في الكتيبة الطلابية في جنوب لبنان، وفي تجربته مع فتح اعتقل وحكم مؤبد مع شقيقه نائل البرغوثي عميد الاسرى.
وبعد أن ضاق الدرب وهرول البعض نحو السلام الوهمي، قدّم عبر حركة حماس اثنين من أنجاله، صالح شهيداً وعاصم مؤبداً.
في كافة المحطات لم يفقد البوصلة أو يضل الطريق وظل وفياً دائماً، يبنى مدماكه الجديد على ما بناه قبله، يعطي ولا يأخذ، يتقدم ولا يتأخر.
كان إذا تحدث، تشتعل بالحاضرين قناديل الإقدام، وإذا لوّح بكفه عقب أوبة من سجن، تنفّست أوردة العاشقين للحرية، كانت حياته مواقف عزّ متصلة، سطرها ومعه كل عائلته برجالها ونسائها، فكان وأسرته المثال، نشير إليه كلما تسلل إلى دواخلنا التعب، واهتزّ فينا معنى اليقين والبذل والإباء.
عشيرة البرغوثي ذرية ثورية بعضها من بعض
إلا أن نضال عشيرة البرغوثي التي تتواجد بمناطق مختلفة في الضفة الغربية، شكلت نموذجًا ثوريًا مع بدء الثورة الفلسطينية الحديثة إذ انخرطت في الثورة منذ انطلاقتها، فارتقى الشهيد ربحي عصفور البرغوثي في أول عملية مواجهة نفذتها الجبهة الشعبية، مع الاحتلال في جنوب لبنان عام 1970، وكذلك الشهيد عبد الكريم رباح البرغوثي الذي يعد من أوائل شهداء الثورة الفلسطينية كما بينت د. وداد البرغوثي.
وأضافت أن هناك العديد من الشهداء من عائلة البرغوثي الذين التحقوا بالثورة الفلسطينية في الأردن مثل الشهيد سعد البرغوثي الذي ارتقى في معركة الكرامة 1968، مشيرة إلى أن والدها عادل البرغوثي اعتقل في سجون النظام الأردني على خلفية اتهامه بالتخطيط للانقلاب على النظام. وأردفت أن نضال العائلة لم يتوقف، وتحدثت عن زوجها عبد الكريم البرغوثي الذي طورد في بداية الانتفاضة الأولى واعتقل في 1991، وأعيد اعتقاله عدة مرات.
واستشهد خلال الانتفاضة الأولى من عائلة البرغوثي الشهيد علي عبد اللطيف البرغوثي من دير غسانة، و الشهيد أحمد مصطفى البرغوثي من عابود، ومحمود منير البرغوثي من بيت ريما.
وفي الانتفاضة الثانية، كانت بصمة استثنائية لعائلة البرغوثي، بدءا من اعتقال الأسير مروان البرغوثي 2002، حيث حمله الاحتلال مسؤولية العمليات التي نفذتها كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح، وأصدرت بالحكم عليه 5 مؤبدات و40 سنة، إلى اعتقال القسامي عبد الله غالب البرغوثي قائد كتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة الغربية عام 2003، واتهمه الاحتلال بتنفيذ وبتنسيق عمليات أدت لمقتل 67 جندي " إسرائيلي " وجرح أكثر من 400 آخرين.
ويعد الأسير عبد الله البرغوثي صاحب أعلى حكم في العالم، حيث حكمت محكمة الاحتلال عليه بالسجن المؤبد 67 مرة.
روايات حول نسب العائلة وجذورها!
تعود جذور وأصول عائلة البرغوثي حسب الروايات التي نقلتها د. وداد البرغوثي إلى قرية برغثة في تونس، وجاءوا لفلسطين في حملات صلاح الدين وغيرها، أما الرواية الأخرى تقول إن جذور العائلة تعود للعهد اليوناني عندما احتلوا فلسطين قبل الميلاد، لافتة إلى أن البراغثة سكنوا في قرية دير غسانة ومن ثم بدأوا بالتوزع على القرى المجاورة.
ويبين المؤرِّخ الفلسطيني مصطفى مراد الدبَّـاغ في كتابه الموسوعة " بلادنا فلسطين" الجزء الثامن ص266، أن اسم عائلة البرغوثي / البراغثة جاء من إسم الجد المؤسـس ( برغوث) و الذي تعود جذوره إلى عشيرة بني زيد وهي بطن من بطون قبيلة بني حرام من جذام القحطانية، وقد ارتحل برغوث إلى دير غسَّـانه الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله في فلسطين. ويشير الدباغ أن الناس يعتبرون زعامة ومشيخة بني زيد في آل البرغوثي.
ويذكر الكاتب عمر الصالح البرغوثي في مذكراته في كتاب المراحل أن البراغثة يعودون بنسبهم إلى الصحابي عمر بن الخطاب، وأنهم ارتحلوا من الحجاز إلى مصر، ثمَّ ارتحلوا إلى تونس ثمَّ توجهوا إلى فلسطين استجابة لنفير الجهاد الذي أطلقه صلاح الدين الأيوبي لتحرير فلسطين. ثم سكنوا القدس وتولوا حراسة أحد أبواب القدس ( باب الحديد)، ومن ثم انتقلوا إلى دير غسانة، وتوزعوا إلى قرى ( بيت ريما - كوبر - عبوين - عابود ) .
وعند الحديث عن آل البرغوثي لا يمكن المرور بوصية الشاعر مريد البرغوثي لعشيرته دون ذكرها: " إذا كانت الأمّ هنا، فالعائلة كلّها هناك، شرقاً أو غرباً. ابتسمي للصورة أيّتها العائلة، إنّنا نلتقطها قبل أن يعاد توزيعك على الجغرافيا أو يعاد تعريفك بإرادة سياسية".