يدخل الاشتباك الميداني والسياسي الفلسطيني مع الاحتلال أسبوعه الثالث، ولا مؤشرات على احتمال تراجعه، اتصالاً بأن محركات إدامته وتحويله إلى انتفاضة شاملة وممتدة، تزداد يوماً بعد يوم، ذلك بالنظر إلى:
أولاً: إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ليست في وارد التراجع عن قرارها بشأن القدس ؛ بل وتمعن في تحدي العالم وصب الزيت على النار. فمن استخدامها لحق النقض، (الفيتو)، في مجلس الأمن؛ إلى تهديدها السافر بقطع المساعدات الأمريكية عن كل منظمة دولية تقبل عضوية فلسطين، وعن كل دولة تصوت ضد «قرار ترامب» بشأن القدس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بكل ما ينطوي عليه ذلك من انتهاك لميثاق الأمم المتحدة، ولسيادة دول العالم واستقلالها وكرامتها؛ إلى إعلانها بأن حائط «المبكى»، (أي حائط البراق)، «جزء من» «إسرائيل»، علماً أن «ثورة البراق»، عام 1929، جاءت رداً على زيارة مجموعة من اليهود لهذا الحائط.
ثانياً: أما استفزازات حكومة الاستيطان والتهويد، بقيادة نتنياهو، بعد القرار الأمريكي بشأن القدس، فحدث ولا حرج. فمن إعلان العزم على بناء 14 ألف وحدة استيطانية في القدس، وبناء ثلاث مستوطنات جديدة في منطقة الأغوار؛ إلى الإيغال في سياسة القمع والتنكيل والقتل والجرح بحق المتظاهرين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن و«المقعدون» والمسعفون والصحفيون.
على أية حال، بفعل انكشاف أن واشنطن شريك للاحتلال، واندلاع معركة القدس، حقق الفلسطينيون إنجازات أولية مهمة، لعل أبرزها:
1: حشْر «إسرائيل» والولايات المتحدة في عزلة غير مسبوقة على الإطلاق. وفي هذا إنجاز كبير، بكل المعاني، ولا ينبغي التقليل من مغزاه السياسي، أو الاستخفاف بتبعاته على مكانة واشنطن ودورها ونفوذها في المنطقة والعالم.
2: حصلت القضية الفلسطينية على دعم رسمي وشعبي عالمي (غير مسبوق منذ انتفاضة الحجارة عام 87)، ما أعادها، بالفعل، إلى احتلال مركز الصدارة في اهتمام العالم، عرباً و«عجماً».
3: البرهنة مجدداً على أن فلسطين ما زالت حاضرة في وجدان الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم، ما يعني أن ما حازته «إسرائيل»، بالقوة ودون وجه حق لم ينه، ولن ينهي، مشكلتها المفتوحة مع شعوب المنطقة، كمشكلة لا فكاك منها إلا بإنهاء الاحتلال وإحقاق الحقوق الفلسطينية في العودة والدولة وتقرير المصير.
4: أكد الفلسطينيون، مرة أخرى، وحدتهم كشعب حي مقاوم لا يسلِّم ولا يستسلم، وعصي على كل مساعي التجزئة والاختزال والتهميش والطمس، أهدافاً وحقوقاً وهوية ورواية وطنية. ولا عجب. فالوطنية الفلسطينية باتت متجذرة، ولا يمكن تجاوزها، على عكس ما تظن واشنطن، بقيادة إدارة دونالد ترامب.
5: أثبت الفلسطينيون أنهم، وإن كانوا لا يستطيعون، في ظل الميزان القائم، انتزاع حقوقهم، أو إلزام «إسرائيل» بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بقضيتهم، فإنهم قادرون على منع إدارة دونالد ترامب من تمرير خطة لتصفية قضيتهم.
المراد من كل الكلام أعلاه القول: إن انتزاع الحقوق الفلسطينية، بما فيها إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس، هو مهمة كفاحية، اتصالاً بحقيقة أن لا شئ يوحد الفلسطينيين مثلما يوحدهم الانخراط في ميدان المواجهة، بأشكالها، مع الاحتلال؛ وحقيقة أن نهوضهم هو مدخل استقطاب الدعم متعدد الأوجه والجنسيات لقضيتهم، علماً أن مخزون استعدادهم لكل أشكال التضحية لا ينضب، وأن جاهزيتهم دائمة للسير خلف كل قيادة وطنية تطلق شرارة محطة نضالية للخلاص من كابوس الاحتلال. ونؤكد مجدداً أن «الوحدة السياسية والميدانية الفلسطينية هي الحلقة المركزية لمعركة القدس»، ما يستدعي تسريع تشكيل قيادة ميدانية وطنية مركزية، وتوفير الركائز الموحَّدة، في السياسة والتنظيم، هو مفتاح توحيد الشعب الفلسطيني، وشرط تحويل فعله الميداني، في الوطن والشتات، إلى قوة جماعية منظمة، تستقطب الدعم الخارجي المنتظم، وتُطور ما تم إحرازه من إنجازات حتى الآن.