د.فايز رشيد
” لا يتردد سياسيون ونافذون في أوساط يهود اليمن والشرقيين عموماً, في اتهام الحكومات الإسرائيلية الأولى التي سيطر عليها اليهود الأشكناز, بانتهاج سلوك عنصري ضد أطفال اليمن, أولاً بسبب بشرتهم السمراء, ثم لكونهم متدينين في مجتمع تريد الحكومة أن يكون أبيض وعلمانياً, ثم حقيقة أنهم “متخلفون وسذّج اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً”, وأنهم لن يقيموا ضجة على ما يحصل لهم.”
المقصود بالعنوان هو سرقة أطفال اليهود العرب من الذين هاجروا إلى فلسطين في بداية إقامة هذه الدولة المارقة, حتى لو تزنّرت بكل ما في الدنيا من أسلحة نووية, وإعطاؤهم إلى عائلات يهودية أشكنازية (غربية) ليس لديها أطفال.نعم, منذ أكثر من 68 عاما اختفى ما ينوف عن 4000 آلاف( بعض الأرقام الأخرى تؤكد 6500) طفل لعائلات يهودية عربية(وبخاصة يمنية من اليهود الذي هاجروا إلى الدولة الصهيونية), وحتى اللحظة فإن معظمهم, اختفت آثارهم, باستثناء بعض الحالات الفردية القليلة, التي بحث أصحابها عن أهاليهم بعد أن كبروا, واكتشفوا بالصدفة أنهم عاشوا بين عائلات غريبة, جرى تشكيل لجان في دولة الكيان الصهيوني لبحث هذا الأمر, إلا أن كلّ تقارير اللجان المذكورة, إما اعتبرت أنه لم يكن هناك حالات اختطاف, وإنما حالات اقتضت العلاج في المستشفيات, وماتت جميعها! والتقصير من وجهة نظر تلك اللجان تمثل في عدم إبلاغ السلطات أحياناً لأهالي الأطفال عن موت أبنائهم! لجان كثيرة أخرى بقيت تقاريرها قيد السرّية, باعتبارها من أسرار الدولة, وحتى هذه اللحظة (نهاية عام 21017) ما زال محظورا الكشف عنها!.
كانت إسرائيل قد استقبلت في السنوات الأولى لإقامتها (1948- 1952) أكثر من 50 ألفاً من يهود اليمن كـ “مهاجرين جدد” وعشرات الآلاف من مصر, ليبيا, تونس والمغرب, لكن حيال كثافة عدد المهاجرين من دول العالم, تم إسكان “اليهود العرب” تحديداً في مساكن خشبية ومخيمات مؤقتة, وتم فصل الأهالي عن أولادهم الذين وجهوا إلى المستشفيات للفحوص, لكن تم تبليغ مئات من هذه العائلات تباعاً بوفاة أطفالها ودفنهم من دون أن يرى الأهل “الجثث” أو مواقع دفنها, أو حتى إصدار شهادات وفاة رسمية لها. ولم تشفع الضجة التي أثاروها, بل تمت التغطية على الملف حتى أواخر ستينيات القرن الماضي حين تلقى مئات “لمتوفين” أوامر استدعاء للخدمة العسكرية الإلزامية مع بلوغهم الثامنة عشرة, لتفهم العائلات أن أبناءها ما زالوا على قيد الحياة, وأن الادعاء بخطفهم لا أساس له من الصحة. وتبيّن لعدد كبير منها بأن أبناءها “المتوفين” سُجلوا كمن غادر البلاد منذ سنوات, و”عندها فهمنا أن السلطات كذبت علينا, وأن أبناءنا اختُطفوا أو بيعوا للتبني”, كما قال أحدهم للإذاعة العامة الاسرائيلية في حينه. ومع كشف الموضوع, تمت عودة 30 منهم إلى عائلاتهم.
وتحت الضغط تشكلت لجنة تحقيق برلمانية أخرى عام 1975 , لم تتوصل إلى نتيجة. وبعد 20 عاماً, تشكلت أخرى, وهي أيضاً لم تتوصل إلى نتيجة, حتى تم تعيين لجنة تحقيق رسمية عام 2005 قدمت بعد ستة أعوام(عام 2011) تقريرها عن الموضوع بعدما استمعت إلى إفادات من حوالى 800 عائلة. وأقرت اللجنة أنه باستثناء 56 ملفاً “بقيت عالقة”, فإن 973 توفوا حقاً. مع ذلك قررت الحكومة فرض السرية على بروتوكولات اللجنة لمدة 70 عاماً, أي أن الوثائق سيفرج عنها عام2081 ـ إن بقيت اسرائيل حتى ذلك التاريخ . وعزز قرار الحكومة فرض السرية على مداولات اللجنة, واحتراق أرشيفين يتعلقان بالقضية( يا للصدفة!!) قبل بدء عمل اللجنة, الشعور لدى “يهود اليمن” بأن مؤامرة حيكت رسمياً في حينه بالتعاون بين وزارتي الشرطة والصحة لإخفاء أطفال “يمنيين” وبيعهم للتبني, وأنه لولا تورط المؤسسة الحاكمة في هذه الفضيحة, لما تم حظر النشر عنها لسبعة عقود. هذا وقد اعترف عدد من ممرضات عملن في المستشفيات في حينه (في صحوة ضمير) بأنهن لم يُعدن الأطفال إلى أهاليهم. وربطت إحداهن اختفاء الأطفال بوجود ممثلين للدولة في المخيمات والمستشفيات. وأضافت أخرى أن أطباء نقلوا أطفالاً من المشفى إلى جهات تابعة للدولة مباشرة وبأوامر منها.
بالطبع, لا يتردد سياسيون ونافذون في أوساط يهود اليمن والشرقيين عموماً, في اتهام الحكومات الإسرائيلية الأولى التي سيطر عليها اليهود الأشكناز, بانتهاج سلوك عنصري ضد أطفال اليمن, أولاً بسبب بشرتهم السمراء, ثم لكونهم متدينين في مجتمع تريد الحكومة أن يكون أبيض وعلمانياً, ثم حقيقة أنهم “متخلفون وسذّج اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً”, وأنهم لن يقيموا ضجة على ما يحصل لهم. ووصفت الفنانة من أصول يمنية مرغليت تسنعاني ما حصل بـأنه “جريمة ضد الإنسانية ارتكبتها الحكومة الأولى التي ظنت أولادنا غبار البشر, وتعاملت معنا باحتقار كأنها صنعت جميلاً لنا باستقدامنا”.
لقد اظهرت وثائق بأن العديد من الاطفال كان يتم ترحيلهم فوراً من مراكز الايواء التي وصلوا اليها الى مستشفى رمبام في حيفا, وكان يتم الترحيل بعد حضور زوار الى المركز وهم من يهود أميركا او من فرنسا, وأظهرت الوثائق طبيعة هذه الزيارات والتي كانت تجري في الوقت غير المسموح به للزيارة, وكذلك حديث الزوار يتم عن الأطفال, والرضّع منهم تحديداً , ثم يجري اختفاؤهم!.هذه جرائم الصهيونية وإسرائيل وعنصريتها الفاقعة حتى ضد اليهود وفقاً لإثنياتهم! هذه البشاعة الصهيونية على حقيقتها, في دولة يدّعون أنها “ديموقراطية”!.