إبراهيم أبوصفية
لن يؤذن الشهيد عاطف حنايشة لصلاة الفجر ولن يقول حيّ على الفلاح بعد أن لبى نداء حيّ على الجهاد، و لن يستمع أهالي بيت دجن لصوته بعد اليوم، لكن فلسطين كل فلسطين لن تنسى صورة مقلاعته ومقاومته والعلم المخضب بالدم.
لن تجف دموع أم الشهيد عاطف التي رأت في منامها قبل استشهادة بساعات من ناداها بأم الشهيد فأخبرت أولادها بالرؤيا فأمن وتمنى عاطف أن يكون الشهيد، فكان؛ صدق الله فصدقه الله، وزرع الله في قلب والدته صبرا جميلا.
من هو الشهيد المؤذن
عاطف يوسف حنايشة، الشاب الذي ترعرع في بلدة فلسطينية نابلسية، وهي بيت دجن البلدة الواقعة تجاه الشرق من المدينة، والتي تطل على الأغوار الفلسطينية، وهي نقطة استراتيجية بين جبل النار والأغوار، هذه المنطقة التي يستهدفها الاحتلال في مخططاته الاستيطانية، ويصادر أراضيها ليل نهار.
ولكن المرة تزامن نداء الدفاع مع نداء الله أكبر، فكان الشاب الورع بإيمانه وسلوكه الـأخلاقي، مؤذننا تتجلى حنجرته بكلمات الله، فلبى النداء، فقال "الله أكبر" فعلى إلى الجنة شهيدا في أعقابها.
عاطف الذي غرس طيب الأثر في قلوب أصدقائه ومحبينه، حصدت محبته قلوب الذي لا طريق لهم إلا طريق الاستقام صوب القدس وفلسطين.
شاب شعره ولم تشب عزيمته، ولم تنل منه سنوات السجن عند الاحتلال، ولا إصابته السابقة في انتفاضة الأقصى، وكذلك أيضا اعتقالاته السياسية المتكررة لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية؛ فقاتل حتى رمقه الأخير، بل طبقت عليه أن مقاومته فعلا كانت جدوى مستمرة، فتغنى به كل من يؤمن بذلك الخط، خط المجاهدين الذين يؤمنون بأننا على موعد مع الدم، ودم يلون، ودم يلون التاريخ وينتصر.
فكانت كفه تقاتل المخرز، وفي كل واقعة يثبت بأن البوصلة والأداة واضحة، يستل صوته ليصدح الله أكبر، ويستل مقلاعه يلعن الظلام أكثر.
45 عاما، أب لثلاثة أطفال، يعمل نجارا مع أحد أشقائه، وفي ذات الوقت يعمل مؤذنا متطوعا في مسجد بيت دجن الكبير، ثم مسجد موسى بن نصير في ذات البلدة، منذ عشرين عاما.
قبل سنة، أصيبت طفلته بالسرطان، فقاوم مع ابنته هذا الخبيث الذي استوطن الجسد كما استوطن الاحتلال الأرض، ويضرب لها المثل ذاته بأن المصاب بالسرطان كفلسطين المصابة بسرطان الاحتلال، وأن المواجهة وحدها من تقضي عليه، يرفع من معنوياتها ويحدثها "خراريف السجون"، فكد وعمل ليل نهار من أجل أن يعالجها، ولأنه يعلم مكمن العلاج، ذهب إلى القدس ومستشفياتها، وتستمر بالعلاج حتى اليوم.
عطاء بلا حدود و تجذر فعلي في ارض الوطن
كان يبادره البعض بأسئلة، لم تتعب يا شيخ، سنوات من السجن والاعتقال والإصابة وما زلت على ذات النهج، يقول: "إن ثمن التراجع أكبر من ثمن الاستمرار"، وينهي جوابه بابتسامة عريضة هامسا "الله يهدينا"، ولكن هذا الدعاء يوصله بنفسه "الله يهدينا على طريق الصواب والشهادة"، فكان متجذرا بحب الوطن، ومعطاءا بلا حدود.
قبل شهور زرع الاحتلال بؤرة استيطانية على الجهة الشرقية لقرية بيت دجن، فانتفض الأهالي هناك، وباشروا بمسيرات ومظاهرات تجاه هذه البؤرة مطالبين بإزالتها، وأصبح في كل جمعة على التوالي، تنظم مسيرة، وكان الشهيد عاطف دام الوجود في هذه المظاهرات، إلى أن انتشرت صورته وهو يرسل غضبه عبر مقلاعته، فتسقط حجارته فوق جنود المحتلين.
"إمّا أن نُقاومَ و إمّا أن ننتظرَ الإبادة".
قال الشهيد باسل الأعرج" "إمّا أن نُقاومَ و إمّا أن ننتظرَ الإبادة"، فزرع مستوطنة أو حاجز عسكري، هو إحدى طرق الإبادة التي يعمل الاحتلال الاستعماري، من أجل قلع الأصلاني وزرع الغريب، إلا أن الشهيد عاطف الذي كان يردد حي على الفلاح، يدرك جيدا أن هذا الفلاح لن يكون في ظل وجود الاحتلال، وأن حي على الجهاد يجب أن تعلى حتى وإن كانت بطريقة غير مباشرة.
لذلك، اعترف جيش الاحتلال اليوم السبت، أن استهداف الشهيد عاطف حنايشة، هو عملية اغتيال مدبرة، بعد رصده في تحريض الناس للانتفاض بوجه البؤرة الاستيطانية، التي من الممكن أن تكبر وتحاصر قرية بيت دجن ويمارس مستوطنيه الإبادة بحق أهالي القرية في المستقبل.
"إني أنا المحمول فوق أكفّكم
لا شيء يعلو هامتي
إلا دمي المسفوح منّي
أنا الشهيد..
أنا الحقيقة تحتمي بجدارها،
كل الورود.
وأنا الممارسة العنيفة
للنهوض المستحيل"
حينما تهدم المآذن فاعتليها بسمو دمك، وردد على المؤذن بصوت المقلاع من يدك، أنت الذي نادي حي على الفلاح وبالجهاد عملت، فما أحمقني أكتب عن الشهيد وأعلم أنه لا أفصح من فعله ودمه.