إبراهيم أبو صفية
الأسير الشيخ سعيد نخلة.. الحواري الذي قبض على جمر الاعتقالات مثبت معادلة الأحرار
"حتى وإن بلغنا الثانية والستون، وتم اعتقالنا وتعذيبنا و بدا على هذا الجسد الإرهاق والتعب، إلا أننا سنبقى الأوفياء يا فلسطين"، أو حتى أنه قالها في سياق آخر "مجرم بحق نفسه ووطنه من يتراجع عن الخط الذي سلكه مذ نعومة أظافره وتفتحت عيناه على الجهاد وفلسطين".
كانت هذه الكلمات الشحنة الموجبة لكل من التقى بالقيادي في حركة الجهاد الإسلامي، الشيخ سعيد نخلة، وربما كلمة قيادي كانت تزعجه كثيرا، ويقول فلسطين والجهاد القادة ونحن جنود في سبيلهما، نطوي العمر في سكر العذاب، ونتحلى بالصبر من أجل طريق خط علينا بها المصير، فمن لحق بنا وصل درب التحرر والتحرير، ومن تخلف ولعق من وجبات الخيانة لن يبلغ النصر.
سعيد نخلة، اللاجئ الفلسطيني الذي مشى بطريق الآلام، وصلب في عتمة المخيم، هو الحواري الذي نهض وحمل الرسالة وسار بها مطاردا أسيرا حرا حرا.
يقول الشاعر المصري نجيب سرور، "يا حارس السجن ليه خايف من المسجون، هي الحيطان اللي بينا قش يا ملعون.. و لا السلاسل ورق و لا السجين شمشون"، إلا أن الشيخ سعيد الأسير، أرعب هذا السجان سواء عندما كان في السجن الأكبر أو بالسجن مأسورا بين القضبان، هو الذي جلس على طاولة الوطن في أعقد مرحلة تمر بها قضيتنا، ليخط موقفا مقاوما لا فيه مواربة ولم يترك الباب مفتوحا، قائلا لفلسطين باب واحد المقاومة ومزيد من المقاومة، وبذات الوقت لم يكن عقبة بين من يرون بأنهم يستطيعون أن يتوحدوا على فلسطين لا لفلسطين، فتعالى على موقفه المقدس، كي يتوحدوا، ويطوو سنين الانقسام، ويضخوو وحدتهم في مواجهة الغطرسة وتكبر المشروع الصهيوني، كانت مواقفه المنبثقة من الرؤية الجهادية الواثقة، أن فلسطين وجراحها أسمى من أن نكون عقبة أمام أحد، لذلك كانت هذه المواقف تزعج البعض الفلسطيني، وتخيف السجان، فدفع ثمنها سجنته الأخيرة.
من هو سعيد نخلة
حواري دق جدران الخزان، ومن بين ركام المخيم نهض مقاوم، سعيد محمود إسماعيل نخلة ولد بتاريخ 31/12/1958 في مخيم الجلزون قضاء مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، وهو الابن الأصغر لعائلة مكونة من خمسة إخوة و أخت واحدة، ترعرع سعيد في وسط عائلته لاجئة من قرية بيت نبالا إحدى القرى الفلسطينية الواقعة قضاء الرملة، والتي شردت على أيدي العصابات الصهيونية عام 1948 وسكنت مخيم الجلزون.
التحق سعيد في مدارس الوكالة بالمخيم، وأنهى دراسته الجامعية في جامعة القدس "أبو ديس" تخصص دبلوم شريعة بتفوق، وعاد إلى جامعة القدس المفتوحة بعد بضع سنين السجن - ثم اعتقل ولم يستطيع الاكمال بسبب الاعتقال.
عمل سعيد منذ نعومة أظافره ليساند والده وأخوانه على التزامات البيت، خصوصا أن أوضاع المخيم المعيشية كانت صعبة للغاية، ولم تقدر العائلة على سد احتياجاتها، فباشر بالعمل الحر في الكثير من المجالات.
أشارت أم علاء، زوجة الشيخ سعيد نخلة، أن في عام 1990، عقد قراننا، وبعد أقل من عام اعتقل سعيد عند الاحتلال، ليستمر الزمن الذي سبق زواجنا، أي مسيرة الاعتقالات الطويلة المتتالية، لافتة "كنت أعلم بأن سعيد هو مقاوم وأنه من الممكن أن يعتقل، إلا أنني لم أمانع الزواج منه، بل كان ذلك فخر بأنه تقدم لي، ووافقت على الزواج منه لأخلاقه العالية والتزامه الديني، وشهرته الطيبة في المخيم.
وأوضحت إم علاء أبرز سنين اعتقالاته التي بدأت عام 1977 حيث أمضى 3 سنين ونصف بسجون الاحتلال، ومن ثم عاد عام 1986 وحكم عليه ثلاثة سنوات أيضا، وبعد أقل من عام على زواجنا 1990، و1993 و1994، وخرج من السجن عام 1995، وبعد ذلك بدأت فترة المطاردة التي استمرت 7 سنوات، حتى تمكن قوات الاحتلال من اعتقاله عام 2002، كما وأشارت إلى اعتقاله عند الأجهزة الأمنية الفلسطينية مدة 3 سنوات، واعتقل أيضا عام 2007 و2013 و2016 و2018 و2020.
وبينت، أن الشيخ سعيد تنقل بين العديد من السجون التي اعتقل فيها" مجدو - الظاهرية - النقب - هشارون - السبع - المسكوبية - هداريم - عوفر - أريحا عند مخابرات السلطة - المقاطعة عند الاستخبارات - مركز الوقائي في بيتونيا". لافتة أنها لم تترك أبو علاء وحيدا بل كلما كانت تتيح الفرصة لزيارته تقوم بذلك، واصفة بأن عذابات الزيارات قطعة من السجون.
معاناة العائلة
ولفتت، أن هذه السنين الطويلة والصعبة التي واجهت بها الكثير من المشاكل نتيجة الاعتقالات المتكررة للشيخ سعيد وبعده عن البيت، إلا أنها كانت على قدر المسؤولية، كأي إمرأة فلسطينية تكون السند ووتد خيمة العائلة في غياب زوجها، موضحة "عندما كانت مثقلة بحمل إبنتي الأولى ولاء، اعتقل الشيخ سعيد، وانجبتها بعد ثلاثة شهور من اعتقاله، وعندما أفرج عنه كنت في سن العشرين، كما واعتقل وانا في أول حملي في ابني الثاني علاء، وخرج بعد ولادتي بخمسة شهور ومكثت في علاء بمستشفى المطلع تقريبا سنة، وأُجريت لي عمليه في نفس الوقت وانا مرافقه مع ابني، اما ابنتي وعد انجبتها وهو معتقل في سجن أريحا وكنت اتحمل الحر ومتاعب الطريق واقوم بزيارته كل اسبوع وانا حامل".
وأضافت أن عندما ولدت أبنه محمد كان موجودا وبعد أسبوعين من ولادته توفي وحاول دفنه ي مخيم الجلزون وقامت قوات الاحتلال بمنع التجول ووضعو حواجز على باب المخيم وتم دفنه في مقبرة البيرة وفي ساعة الدفن حرق المنزل من انبوبة الغاز.
وأردفت، أنها أنجبت يحيى عندما كان والده مطاردا وكان اجتياح مدينة رام الله واعتقل والده بعد مداهمة مخيم الامعري وكان عمر يحيى ستة شهور وقضى اعتقال سنتين، "اما ابنتي عرين اعتقل قبل ولادتها بيومين وخرج بعد سنتين وبعد ان خرج بأربعة أشهر اعتقل وخرج وهي في الروضة، وبعد ثمان سنوات حملت بابني جود اعتقل والده وهو عمره سبع شهور وخرج وجود عمره ثلاث سنوات".
هذه المعاناة المستمرة، توضح آلام من يسير طريق ذات الشوكة، وأنه يضحي بأثمن ما يملك وهي حريته على عائلته، من أجل الهدف الأسمى فلسطين ورضاء الله بحق الجهاد.
الشيخ سعيد.. هامة وقامة وطنية ورجل الإصلاحات
ووصفت أم علاء، زوجها الشيخ سعيد، بأنه شخصية معروفة وهامة في المخيم، وهو من رجالات الإصلاح والاجتماعات التي تخدم المخيم والمدن، مشيرة إلى أنه أيضا أنه عضوا في مجلس جمعية بيت نبالا وهو أحد رجالات عائلته، الذي يكن له احترام كبير في صفوف أبنائها.
وعبرت عنه، أنه هو الزوج المثالي والشيخ المناضل، والعزوة لعائلته وأقاربه ومخيمه، وهو الاب والاخ لكل من عرفه والتقى به، وقليل امثاله المخلص وافتخر وارفع رأسي به لانه زوجي.
بدوره، وصف يحيى نخلة نجل الشيخ سعيد، بأن والده قدوة له وهو الأب الحنون، الشخصية العريقة التي ترك أثرا وإرثا في الكثير من الشباب الذين كلما سمعتهم يتحدثون عن والدي كلما زدت افتخارا به.
عمل الشيخ السعيد نخلة، موظفا في وزارة الزراعة، حتى تدرج في عمله وأصبح بمثابة مدير عام داخل الوزارة، وذلك يدل على إتقان عمله والقيام بواجباته تجاه المؤسسة التي يعمل بها.
الشيخ سعيد نخلة لم يضع قبلة الوداع على جبين والديه
حرم الاحتلال الشيخ سعيد نخلة، بأن يحضر مراسم دفن والده ووالدته، حيث توفيت والدته في فترة مطاردته، ولم يستطيع دخول المخيم ليضع قبلة الوداع على جبينها خوفا من كمين قد يقوم به الاحتلال لعلمهم بأن هذا الظرف حساس للغاية وربما يقوم بمغامرة ويأتي لوداع والدته واعتقاله، إلا أنه حبذا عدم المخاطرة وأنه لا يرمي نفسه إلى التهلكة ويسلم نفسه بعد سنين المطاردة، كما وتوفيت شقيقته الوحيدة وهو داخل سجون السلطة الفلسطينية، وتوفي والده وهو داخل الأسر بسجن عوفر الاحتلالي.
الشيخ سعيد نخلة يتعالى على أمراضه التي تجعله غير قادر على حياة السجن
يعاني الشيخ الأسير سعيد نخلة من وضع صحي متدهور لقلة العناية اللازمة له، حيث أن في سجنته الأخيرة كان من المقرر عمل "عملية قسطرة" إلا أن إدارة سجون الاحتلال لا زالت تماطل وتأجل القيام بهذه العملية قبل أن يتفاقم الوضع الصحي ويصبح حرجا.
قالت أم علاء، أن زوجها تعرض لذبحة صدرية في زنازين الأمن الوقائي ونقل على أثرها إلى المستشفى آنذاك، وقاموا بإجراء عملية قسطر بعد دخوله إلى غرفة العناية المكثفة مدة أسبوعين، ومنذ ذلك الوقت أصبح وضعه الصحي يزداد سوءا وتتراكم الأمراض نتيجة الإهمال الطبي الذي ما إن بدأ بالعلاج عندما يكون حرا خارج السجن حتى يعود إلى الأسر دون المتابعة الصحية، لذلك أصبح اليوم يعاني من ارتفاع ضغط الدم وهو بحاجة إلى عملية قسطرة في أقرب وقت ممكن، مشيرةً إلى أنه بالرغم من كل التقارير التي تصف حالته الصحية إلا أن سلطات الاحتلال تماطل في عرضه على أي طبيب أو إجراء العملية له.
ولفتت، إلى أنه الأن ومع تقدمه في العمر لم يعد يقدر على الحياة داخل السجون، وهو يعلم ذلك إلا أنه يتعالى على مرضه ويصر على أن يخدم وطنه وأرضه الذي يدفع الثمن دائما حريته وصحته.
وناشدت زوجة القيادي نخلة كافة المؤسسات الحقوقية والرسمية والدولية لمتابعة ملف الأسرى الإداريين وأن تحمل مسؤولياتها خاصة في ظل انتشار وباء “كورونا” الذي قد يعرض حياة الأسرى الفلسطينيين للخطر.
في ظل الاعتقالات المتكررة للشيخ سعيد نخلة، وفي خضم معاناة العائلة، تولد إرادة الفلسطيني التي تثبت معادلة الحق تجاه الإرهاب الصهيوني، ومهما يحاول عزل الأحرار إلا إنه لم ينل منهم، بل يزداد التحدي والإصرار، ويصبح كما قال الشيخ سعيد "مجرم بحق نفسه من يتراجع عن الطريق الذي بدأه".