Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

استحقاقات التحرر الوطني

بقلم د. محمد مشتهى

الانتخابات ظاهرة جيدة وهي كانت ولازالت محط اهتمام الشعوب، لكن في مرحلة التحرر الوطني تكون الانتخابات ظاهرها جيد لكن باطنها يحمل التعبئة السيئة والحساسية والاستقطابات بين فصائل العمل الوطني، وهذا ما لا يعزز الوحدة الداخلية في مواجهة المحتل، بل يزيد من الفرقة وتبادل الاتهامات، ولنا في تجربة الانتخابات الماضية خير برهان.

لم نسمع عبر تاريخ الدول المحتلة أنه كان لديهم مجلس تشريعي ووزارات ورئيس وحكومة ورئيس دولة ووو، هذا يحدث في الدول بعد التحرر، نحن لسنا دولة نحن شعب محتل وكل هذه المسميات مجرّد أُلهيات.

نحن فقط بحاجة الى قيادة فلسطينية موحدة تقود مرحلة التحرر الوطني، يكون لدى هذه القيادة إستراتيجيات عمل على الأرض (استراتيجية تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، استراتيجية مقاومة،استراتيجية اقتصاد مقاوِم......الخ).

المعركة السياسية الحقيقية هي عودة حيوية المشروع الوطني والمشروع السياسي كله وبالجملة وليس بالقطّاعي (منظمة التحرير الفلسطينية، المجلس الوطني الفلسطيني، البرنامج السياسي، الشراكة بين قوى التحرر الوطني، وصولا للوحدة الوطنية).

الذي يريد مساندة أي تنظيم مطلوب أن يقف معه بالمقاومة ضد الاحتلال وفي المواجهة وفي الميدان، والذي يريد أن يُظهر مدى حرصه وحبه الكبير لأي تنظيم مطلوب ألا يخدعه من خلال حثه وتضليله للجري واللهث وراء سراب.

نحن لا زلنا نعيش مرحلة التحرر الوطني، نحن لازلنا تحت الاحتلال، نحن لازلنا نقاوم من أجل الخلاص من هذا العار.

كل الشعوب التي قاومت الاحتلال أرادت بناء دولة من خلال خوضها لصراع طبيعي يشبه تماما لكل صراعات التاريخ القديم والتاريخ المعاصر والذي كانت تجاربه كلها ناجحة، والتي بناء عليها تم بناء الدولة على أساس طرد المحتل وعدم الركون الى قدراته وقوته وتحالفاته.

الناظر بموضوعية يرى الزمن يتغير وما نحتاجه فقط هو الاصرار للمضي قدما في طريق مقاومة الاحتلال بكافة أشكال المقاومة، بالإضافة الى التوحد خلفها ونبذ كل ما يتعارض مع وحدة الصف ومقاومة الاحتلال.

الناظر لهذا العالم يرى بأنه يتغير والعدو لم يعد العدو ذاته، فكل جبهاته المفتوحة تتقدم عليه.

إن كلمة السر في هذا الصراع هي: أننا لازلنا في مرحلة التحرر الوطني أي أننا شعب تحت الاحتلال، وان استحقاقات التحرر الوطني تختلف عن استحقاقات الدولة، حتى أن المفردات والمصطلحات المستخدمة في مرحلة التحرر الوطني تختلف عن مفردات الدولة، على سبيل المثال: عندما يُقال "التداول السلمي للسلطات" فهذه المفردة تليق بدولة قائمة، ولا تليق بشعب يقاوم الاحتلال، وبذلك يتم اسقاط مفردات هي تُستخدم للدولة على شعب يقاوم الاحتلال، وهذا يُعد إبتذال للمراحل.

حتى العلاقات السياسية والوطنية تختلف تماما في مرحلة التحرر الوطني عنه عندما تكون دولة، وهذا ينسحب أيضا على المجلس التشريعي والوزارات والحكومات والسفارات والسلك الدبلوماسي وصولا الى الانتخابات، كل هذه المفردات تليق بدولة قائمة خالية من الاستعمار ولا تليق بشعب لا يزال تحت الاحتلال.

لذلك ان استخدام هكذا مفردات فإنها تُصبح وصفات سحرية للاقتتال الداخلي وتعميق الأزمات بين قوى التحرر الوطني وهذا ما رأينا نتائجه على الأرض سابقا والذي ستتكرر نفس النتائج بتكرار نفس المسببات.

قوى التحرر المنسجمة مع نفسها، هي تلك التي تتحدث في خطابها السياسي عن تحرير الأرض ولا تتحدث عن الدولة، لأنها تُدرك أن الدولة لم تأت بعد ومطلوب القتال من أجل تحرير الأرض ثم بعد ذلك تأتي الدولة.

استخدام مفردات الدولة يترتّب عليه الكثير من الازمات اذا ما استخدمت في مرحلة التحرر الوطني ...مثلا: الانتخابات في الدولة، فإن خوضها يعني حسم الوضع الداخلي لصالح طرف بعينه وهذا بالتأكيد سيزيد من الصراعات بين القوى المتنافسة مما يؤدي الى تقاذف الاتهامات فيما بينها، أما في مرحلة التحرر الوطني فإن التنافس يتم في كيفية تعزيز الوحدة الوطنية لمقاومة الاحتلال، وليس على مبدأ الأغلبية والأقلية.

وإن ما حدث للمجلس التشريعي وانتخاباته الماضية التي جرت في مرحلة تحرر وطني لَهِي خير برهان وشاهد حديث، بعد سنوات تهاوى وتبخر المجلس التشريعي في ليلة وضحاها ثم في النهاية تم حله لأنه مفردة من مفردات الدولة، فهو لم يستطع أن يعيش في مرحلة ليست مرحلته ولا زمان ليس زمانه، فالمزارع لا يستطيع قطف الثمرة قبل نضوجها، وهكذا نحن الفلسطينيين لا يمكن لنا أن نعيش في دولة قبل تحرير الأرض.

من زاوية أخرى

المجلس التشريعي جاء على خلفية اتفاق أوسلو ومرجعية أوسلو، مع أن جزءا كبيرا من أعضاء المجلس التشريعي يطالبون بإنهاء أوسلو، وهم يقولون بأنهم جاؤوا للتشريعي لتفجير أوسلو من الداخل، إلى أي مدى نجحوا في الأمر هذا موضوع مختلف، أما المجلس الوطني الفلسطيني مرجعيته الشعب الفلسطيني كله وله قواعد مختلفة وتمثيله يمتد لكل الشعب الفلسطيني في كافة تواجده وليس فقط في غزة والضفة والقدس.

أيضا وظيفة المجلس التشريعي تختلف عن وظيفة المجلس الوطني الفلسطيني، وبالتالي البرنامج الانتخابي للمجلس التشريعي قطعا سيختلف عن البرنامج الانتخابي للمجلس الوطني.

وظيفة المجلس الوطني هي وضع سياسات نضالية وثوابت كفاحية تحررية ووضع السياسات والمخططات والبرامج لمنظمة التحرير الفلسطينية وأجهزتها المختلفة، أما التشريعي فوظيفته هي سن قوانين محلية ومراقبة أعمال الحكومة وخططها وبرامجها وسياساتها العامة. التشريعي مرجعيته منظمة التحرير الفلسطينية التي تعترف بالعدو الصهيوني، أما المجلس الوطني الفلسطيني مرجعيته الشعب الفلسطيني في كافة تواجده وليس منظمة التحرير الفلسطينية.

هنا لا يمكن المزايدة على أعضاء المجلس التشريعي ونواياهم الصادقة، والذين منهم من قدّم أبناءه شهداء، ومنهم لا يزالون أسرى في سجون الإحتلال.

المجلس التشريعي وبسبب مرجعيته "أوسلو"، فإن انتخاباته الماضية أحدثت تداعيات خطيرة لازال الفلسطيني يعاني من آثارها السلبية حتى يومنا هذا والتي كان أبرزها الإنقسام، لذلك الانتخابات بحد ذاتها في ظل بقاء الإنقسام تعتبر مشكلة، واجراؤها في ظل الإحتلال وبموافقة الاحتلال تكون المشكلة أكبر، والمطلوب هو التوافق الوطني وليس الانتخابات خصوصا وأننا لازلنا نعيش مرحلة التحرر الوطني.

التصويب هنا على المجلس التشريعي كمؤسسة وليس على أعضاء المجلس التشريعي، التصويب على وظيفة التشريعي وعلى مرجعيته السياسية.

لا أحد يطالب التشريعي بأن يحتكم لبنود أوسلو، وإذا كان باستطاعة التشريعي أن يغير من مرجعيته السياسية فأهلا وسهلا بهذا التغيير.

القوائم المشتركة

لا يمكن لتنظيمين أو أكثر تختلف رؤاهم وبرامجهم السياسية أن تجمعهم قائمة واحدة مشتركة إلا اذا اتفقوا على برنامج سياسي واحد، فالقائمة الواحدة تعني برنامج انتخابي واحد، ولم يحدث سابقا أن كان هناك أكثر من برنامج سياسي لقائمة واحدة، فالمواطن الذي سيذهب للانتخاب هو يختار قائمة واحدة ببرنامج سياسي واحد، وفي حال تم التوافق بين تنظيم أو أكثر لدخول الانتخابات بقائمة واحدة هذا يعني أنهم اصبحوا يتبنون رؤية وبرنامجا سياسيا واحدا سيسعون معا لتحقيقه.

ودخول تنظيمين أو أكثر في قائمة واحدة لا يشبه دخولهم في حكومة واحدة، فالأولى تكاد تكون مستحيلة والثانية اختيارية.

القانون أم التوافق

في الدول المستقرة عامّة، الدستور يكون ضامن لاستقرارها، فهو ينظّم حياة الناس والعلاقة بين الحاكم والمحكوم والعلاقات المجتمعية بشكل عام، أما بالنسبة لنا كشعب محتل فالدستور لا يمكن بشكل كامل أن يضمن لنا نظام سياسي مستقر، فهو يساعد بشكل غير مكتمل، أما ما يساعد بالاستقرار هو التوافق السياسي.

الجدل القانوني حول مؤسسات الوطن لا يستقيم فلسطينيا لأننا لازلنا في مرحلة تحرر وطني، والاحتلال يتدخل في تفاصيل حياتنا، ففي يوم واحد تم وضع العديد من أعضاء المجلس التشريعي في سجون الاحتلال، وبالتالي من الاستحالة أن يكون المدخل لحل مشاكلنا هو قانوني.

التوافق لحل القضايا الخلافية الجوهرية في صراعنا مع الاحتلال، التوافق في تنظيم وادارة خلافاتنا وليس التصادم، فالخلاف الذي نستطيع حله نراكم عليه وما لا نستطيع حله ننظمه بحيث لا يصبح مدخلا للاشتباك.

أما إذا ذهبنا الى ادارة خلافاتنا من منطلق قانوني وصارت لغتنا كالتالي: المادة كذا تقول والبند الفلاني من اللائحة كذا يقول ، حينها سنتحول الى مجلس طلبة.

وعندما نتحدث مثلا عن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وعن الشراكة السياسية وعن كل القضايا الخلافية المطلوب هو التوافق السياسي، أما إذا تُهنا في تفاصيل بنود ومواد الدستور فإننا سنصطدم في فخوخ قانونية عديدة يقوم بإعدادها المنتفعين لتنفيذ أجندات حزبية وشخصية وليست وطنية.

منظمة التحرير الفلسطينية تحولت الى مزرعة وملك شخصي بفعل المدخل القانوني ثم أصبح الشعب الفلسطيني لا يحصد من خلال مؤسساتها سوى الانقسام والصراعات وكل هذا يتم بعيدا عن التوافق السياسي ومن مداخل قانونية.

في عدم وجود التوافق السياسي ومن المدخل القانوني، السلطة ابتلعت منظمة التحرير الفلسطينية فأصبحت هياكل عظمية بمؤسسات موميائية محنّطة منهارة لحساب السلطة واصبحت تفتقر الى البرامج الوطنية ثم تاهت وفي النهاية اعترفت بالمحتل وعطلت الكفاح المسلح.

الخطورة والهالة التي يستند عليها المنتفعين من الانقسام والتي تساعدهم على تمرير خطواتهم التي تزيد من الفجوة وتعمّق الأزمة هي الهالة القانونية والمدخل القانوني والتي سيجدون المئات من المطبّلين وخالقي المبررات لتغطيته، لذلك علينا الذهاب الى المدخل المهم والذي يأتي في سياقات وطنية ويناسب مرحلة التحرر الوطني التي نعيشها، وهو المدخل السياسي التوافقي.