بقلم: خالد صادق
بما ان الرئيس يمثل السلطة المطلقة في منطقتنا العربية, وهو الفاعل الحقيقي الذي يمكنه تخطي القوانين والاعراف والعادات والتقاليد, وبما أن الرعية تقبل بما يشرعه الرئيس ويقره طاعة لولي الامر وخضوعا له وفق قاعدة "الحاكم المتغلب" فليس غريبا ان يقوم الرئيس محمود عباس بإجراء تعديل على قانون الانتخابات دون الرجوع الى الشعب او أي مؤسسة لتعديل هذا القانون, ويسمح بأن تجرى الانتخابات بالتتالي وليس بالتزامن وفق نص القانون, تماما كما فعل رئيس السلطة عندما وقع على اتفاقية اوسلو , وأيد ما تسمى بمبادرة السلام العربية, ووقع على اتفاقية سيداو واتفاقية باريس الاقتصادية, واتفاقيات اخرى كثيرة لم يتم الرجوع فيها الى الشعب ولا الى المؤسسات المعنية, انما القرار يأتي وفق الرغبة الشخصية والعقلية التي يدير بها الرئيس مهما كانت, والغريب ان هناك من يضفي شرعية على خطوات الرئيس بحجة استقرار الاوضاع وترتيب البيت الداخلي وتفويت الفرصة على الاعداء والمتربصين, وهو لا يدرك ان التساهل في كمثل هكذا امور ربما يؤدي الى زيادة الفرقة, وتوتير الاجواء, والتسلط بشكل اكبر على ارادة الشعب وخياراته.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقع المرسوم الرئاسي، الجمعة الماضي، والذي يقضي بإجراء الانتخابات التشريعية في 22 مايو 2021 والانتخابات الرئاسية في 31 يوليو 2021, والمجلس الوطني (في 31 أغسطس/آب 2021" والتي ستجرى وفق النظام الأساسي لمنظمة التحرير والتفاهمات مع الفصائل الوطنية، وبالتالي سقط شعار "لا انتخابات بدون القدس", وقد ورحبت حركة حماس في بيان لها بمرسوم عباس، وأكدت حرصها على إنجاحها، كما أعربت عن أملها في أن تساعد الانتخابات في إنهاء الانقسام, وشددت على أهمية تهيئة المناخ لانتخابات حرة نزيهة يعبر فيها الناخب عن إرادته دون ضغوط أو قيود, وجاء موقف حماس هذا بعد ان تخلت حماس وبقرار فردي مطلع الشهر الجاري عن شرط تمسكت به طوال الحوار مع حركة فتح، وهو التزامن في إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، وقالت إنها تلقت ضمانات من عدة دول عربية ودولية بعقد انتخابات بالتتابع خلال 6 أشهر, تماما كما الضمانات التي حدثت سابقا في مكة والقاهرة والشاطئ والدوحة, وقد اعتبرت حماس مرسوم رئيس السلطة الذي جاء بعد 15 عاما انجازا عظيما.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا التقط رئيس السلطة موافقة حماس على التخلي عن الانتخابات المتزامنة والموافقة على انتخابات متتابعة واصدر المرسوم؟, الاجابة الواضحة ان هناك تحذيرات قدمت لعباس من اسرائيل ودول عربية واوروبية على قدرة حماس على الفوز بالانتخابات وحسمها, وهذا سيعقد الامور, والرئيس عباس اعتبر انتخابات المجلس التشريعي التي ستبدأ اولا معيار حقيقي لقياس حجم التأييد الشعبي له ولحركة فتح, فان كانت النتائج في صالحه فبها ونعمت, وان كانت غير ذلك فسرعان ما يبحث عن مبررات لتعطيل الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس الوطني, وبالتالي لم يخسر كل شيء, ونحن على يقين ان حماس تدرك ذلك جيدا, بل انها تضع سيناريوهات اسوء, لكنها تتعرض لضغوط من دول عربية واسلامية كما افصح عن ذلك عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الاسلامي السيد خالد البطش في تصريحاته على قناة فلسطين اليوم برنامج "قلب الحدث", وحماس تريد ان تثبت للجميع ان السلطة لا تبحث عن استقرار الاوضاع الداخلية رغم استجابتها لكل شروط رئيس السلطة, بينما السلطة تبحث عن شرعيتها المنقوصة امام العالم.
الشارع الفلسطيني فاقد الثقة في طرفي الانقسام, ويشعر ان هناك من يقامر بمستقبله بعيدا عن المصلحة العامة التي تعود بالنفع على الجميع, واستطلاعات الرأي التي اجرتها العديد من المواقع والمراكز والمؤسسات خرجت كلها بنتيجة واحدة, اننا لا نثق في قدرة الطرفين على اجراء هذه الانتخابات, وهذا يعني زعزعة ثقة الجمهور في قيادته, وطالما ان فتح وحماس تتجاوز الفصائل الفلسطينية في الوقت الذي تشاء, وتتقارب معها في الوقت الذي تشاء, فهذا يعني ان هناك حسابات حزبية ضيقة تفرض وفق منطق انا الاقوى والاكثر جماهيرية في الشارع الفلسطيني, ومن حقي ان افعل ما اشاء, وتعني ايضا ان القرار الفلسطيني ليس مستقلا انما هو مرتبط بجهات خارجية, حتى الاحتلال يملك الوصاية على القرار الفلسطيني, واسألوا محمود عباس الذي يريد ان يستأذن "اسرائيل" لإجراء الانتخابات في القدس, وسيستفيق حتما على كابوس الرفض الاسرائيلي.