حسن حردان
انتظار قوى الاستعمار والاحتلال بأن تسلم وترفع الراية البيضاء وتقبل بالانسحاب من سورية والعراق والتوقف عن مواصلةالحروب الإرهابية والاقتصادية ضدّ اليمن ولبنان وإيران الثورة، بالاستناد إلى ما أنجز حتى الآن من انتصارات أحبطت الأهداف الرئيسية للمشروع الاستعماري من وراء شنّ هذه الحروب، إنما يشكل وهماً سرعان ما ستستفيد منه إدارات قوى الاستعمار لإعادة تنظيم وحشد أدواتها الإرهابية لاستئناف وتصعيد حربها لاستنزاف دول وقوى المقاومة من ناحية، وتشديد حرب الحصار والعقوبات الاقتصادية لزيادة معاناة الناس بغرض دفعهم إلى اليأس وفقدان الأمل في الرهان على مواصلة الصمود والمقاومة لتحقيق النصر والخروج من الأزمات من ناحية ثانية…
انّ التجارب التي مرّت فيها الشعوب التي واجهت الاحتلال والحروب الاستعمارية بكلّ أشكالها، لا سيما في فيتنام والجزائر وسورية، وكوبا والصين وروسيا وفرنسا إلخ… أكدت انّ المحتلين والمستعمرين لم يُهزموا ويرحلوا إلا عندما واجهوا تصعيداً في حرب المقاومة الشعبية والمسلحة ضدّ قواتهم المحتلة وأدواتها العميلة والمأجورة، وبالتالي رفع كلفة وفاتورة دول الاحتلال والعدوان، والتسبّب بتفجّر الأزمات والتناقضات والصراعات داخل هذه الدول، نتيجة لذلك، مما ولد ضغطاً داخلها دفعها إلى أخذ قرار التسليم بالهزيمة والفشل وسقوط كلّ رهاناتها وأحلامها في أن تحقق أهدافها التي سعت إليها من وراء مواصلة احتلالها وحروبها..
هذه الخلاصة المستمدّة من تجارب الشعوب وحركات التحرّر العربية والعالمية التي واجهت الاستعمار والاحتلال وخاضت في مواجهته مقاومة ضارية على كلّ الجبهات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، أكدتها أيضاً تجربة المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني للبنان التي نجحت، بعد كفاح طويل على كلّ الصعد، في إلحاق الهزيمة بجيش العدو، لأول مرة في تاريخ الصراع معه، وكسرت شوكته، وحطمت جبروته، وأسقطت المقولة التي كانت تزعم أنه قوة لا تقهر.. لكن هذا الانتصار، الذي حصل عام ألفين وتكرّر عام 2006، تحقق بفعل تصعيد عمليات المقاومة وزيادة كلفةالاحتلال البشرية والمادية وتفجير التناقضات في جبهته الداخلية من جهة، وبفعل الصمود الشعبي الذي احتضن المقاومة من جهة ثانية، وهو صمود ما كان ليحصل لولا إقران المقاومة المسلحة، ايلاء الجانب الاجتماعي أولوية عبر توفيرالحدّ الأدنى من مقومات دعم صمود الناس مما جعلهم أكثر التفافاً وإيماناً بالمقاومة واستعداداً للتضحية لدحر الاحتلال وتحقيق النصر عليه…
الأمر نفسه تحقق أيضاً في العراق بعد الغزو الأميركي له، حيث تمكّنت المقاومة الشعبية والمسلحة من استنزاف قوة الاحتلال الأميركية بوتيرة متسارعة وكبيرة دفعتها إلى الرحيل بذلّ ومهانة بعد ثمان سنوات على احتلالها.. مما بدّد مجدّداً الاعتقاد الذي ساد في الساحة حول استحالة هزيمة القوة الأميركية.. وتحطم جبروت أميركا.
كذلك شكل الصمود والمقاومة البطولية والمنقطعة النظير للقيادة والشعب والجيش في سورية في مواجهة أشرس حرب كونية إرهابية قادتها أميركا وإلحاق الهزائم بجيوش الإرهاب ودحرها عن معظم الأراضي السورية، شكل مفاجأة الأعداء والأصدقاء على حدّ سواء…
من هنا فإنّ السبيل الوحيد لاختصار عمر المعاناة وإسقاط أهداف الحروب الاقتصادية والإرهابية والأمنية، وجعل الأعداء يصلون إلى حالة يأس تامّ من إمكانية تحقيق ما يصبون إليه وبالتالي إلحاق الهزيمة بهم، إنما يكمن في الاستفادة من خلاصات تجارب المقاومات الشعبية المسلحة ضدّ المحتلين والمستعمرين ، والتي تفترض تزخيم المقاومة على كلّ الجبهات:
أولاً، جبهة تصعيد المقاومة المسلحة لاستنزاف الأعداء ومنعهم من التقاط أنفاسهم، وبالتالي رفع كلفة احتلالهم لإيصالهم إلى مرحلة يصبحون فيها غير قادرين على تحمّل هذه الكلفة..
ثانياً، جبهة التصدي للحرب الاقتصادية والحصار، من خلال العمل على اعتماد اقتصاد الحرب، ودعم الإنتاج المحلي، وتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية في توزيع الموارد المتاحة، لتأمين مقومات الصمود والثبات والالتفاف الشعبي حول دول وقوى المقاومة في مواجهة اشتداد حرب الحصار الاقتصادي، فدعوة الناس للصمود والثبات يجب أن تقترن بتعزيز السياسات التي تنمّي الإنتاج، وتحسّن إدارة الموارد الاقتصادية المتاحة، والتشدّد في ضمان تأمينها للناس بعيداً عن استغلال واحتكار تجار الحروب..
ثالثاً، جبهة محاربة الفاسدين، عبر شنّ حرب شرسة، وبلا هوادة، ضدّهم، لأنهم يشكلون خطراً داهماً يضعف من صمود الناس.. وهذه الحرب، على عكس ما يروّج، تسهم في جعل الناس تلتفّ أكثر حول المقاومة وترفض الخضوع للضغوط..
رابعاً، جبهة تحصين الوعي الشعبي في مواجهة الحرب التي تعمل على محاولة إضعاف معنويات وصمود الناس.. فهذه المعركة إنما هي جزء لا يتجزأ من معركة دول وقوى المقاومة لتحقيق النصر في الميدان، وهي تتطلب تعزيز إيمان وقناعة الناس بالقدرة على تحقيق النصر، وانّ المقاومة والصمود والثبات أقلّ كلفة من الخضوع والتسليم بشروط الأعداء.. لكن النجاح في هذه المعركة مرتبط ارتباطاً وثيقاً في تلمّس الناس خطوات ونتائج عملية على جبهات المعركة السالفة الذكر.. فلا يمكن دعوة الناس للتحمّل والصمود والالتفاف حول المقاومة، من دون ان تتلمّس في الوقت نفسه ضرباً بلا رحمة للفاسدين ومرتكزات فسادهم.. وتوزيعاً عادلاً للثروة..
لذلك فإنّ خوض القتال على كلّ جبهات الحرب إنما هو شرط إلزامي لتحقيق وإنجاز الانتصار على قوى الاستعمار والاحتلال وأدواتهم الإرهابية وعملائهم المأجورين.. وهو أقصر الطرق للخروج من المعاناة وتحقيق الأمن والاستقرار والكرامة…