نقلت صحيفة "هآرتس" يوم أمس عن مصادر في الحكومة الإسرائيلية أن الأخيرة بدأت في تطبيق قسم من توصيات لجنة "ليفي"، التي شكلت في شهر شباط من العام 2012 للبحث في موضوع البناء في البؤر الاستيطانية التي تقول السلطات الإسرائيلية عنها أنها غير قانونية،
والتي أصدرت تقريراً يبيح الاستيطان في كل مكان في الضفة الغربية باعتبارها أرضاً تعود ملكيتها "لإسرائيل" وليست أرضاً محتلة بأي حال، وبناء على ذلك لا يجوز للفلسطينيين مقاضاة الإسرائيليين على مصادرة أراضيهم في المحاكم الإسرائيلية العادية التي في بعض الأحيان تجبر السلطات الإسرائيلية على إخلاء بعض الأراضي التي يثبت أنها ملكية خاصة فلسطينية كما حصل في بعض الحالات كما في حالة جزء من أراضي قرية بلعين. وبدلاً من التوجه "للمحكمة الإسرائيلية العليا" تقام محكمة خاصة للنظر في قضايا الخلاف على أرضية أن أراضي الضفة الغربية كلها مخصصة للدولة "اليهودية"، بمعنى أن "إسرائيل" قررت بصورة صامتة ودون إعلان ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية، وهذه الخطوة ربما تكون واحدة في سلسلة خطوات تريد "إسرائيل" من خلالها تحديد حدودها من جانب واحد وخلق أمر واقع يكرس ما هو قائم فعلياً مع ما يتم إنشاؤه وتثبيته وفق المخططات الإسرائيلية. وليس غريباً أن يأتي تطبيق توصيات لجنة ليفي مع إعلان وزير المالية يائير لبيد عن أن أبو مازن ليس شريكاً ويجب على "إسرائيل" البحث عن شريك آخر للتباحث معه.
وبالعودة إلى تقرير لجنة "ليفي" يجدر الانتباه إلى التحولات الخطيرة التي تحدث في المؤسسة القيادية الإسرائيلية التي لم يعد يهمها إطلاقاً لا القانون الدولي ولا المجتمع الدولي ولا حتى حلفاؤها المقربون. فقد أُنشئت لجنة "ليفي" التي ضمت قاضي "المحكمة العليا" المتقاعد إدموند ليفي رئيساً وقاضية "المحكمة اللوائية" المتقاعدة تحيا شابيرا والمستشار القضائي السابق في "وزارة الخارجية" وسفير "إسرائيل" في كندا د.ألن بيكر على خلفية احتجاجات اليمين على توصيات لجنة تاليا ساسون في العام 2005 التي شكلت للبحث في موضوع البناء بعد المواجهات بين الجيش والمستوطنين على إخلاء وهدم المباني في المواقع المختلفة، والتي قالت إن البناء في المواقع الاستيطانية العشوائية في غالبيته غير قانوني لأنه يتم من غير تصاريح ورخص وقسم منه يجري على اراضٍ فلسطينية خاصة. وقد هوجمت اللجنة من الأوساط اليمينية التي اتهمتها بأنها ذات توجهات سياسية وليست محايدة أو قانونية بحتة.
عرضت على لجنة "ليفي" وجهتا نظر قانونيتان مختلفتان تماماً الأولى من "المنظمات الحقوقية الإسرائيلية" وبعضها من منظمات وشخصيات دولية وتقول أن أراضي الضفة الغربية خاضعة للاحتلال العسكري الإسرائيلي، وكل تغيير في هذه المناطق مخالف للقانون الدولي وخاصة البناء الاستيطاني بغض النظر عن طبيعة الأراضي من حيث كونها أميرية أو خاصة. والثانية وجهة نظر اليمين الإسرائيلي التي تدعي بأن هذه الأرض كلها تابعة "لإسرائيل" ولا مشكلة في البناء في أي جزء منها، وهذا لا يعتبر مخالفاً للقانون الدولي. وقد اختارت لجنة ليفي الرأي الثاني الذي يعتبر أراضي الضفة ليست مناطق محتلة عسكرياً، واستند هذا الرأي على شرعية وعد بلفور من العام 1917 الذي وعد اليهود بأرض فلسطين ليقيموا بها وطناً قومياً. وعلى اعتبار أن قرار التقسيم لعام 1947 الذي منح الفلسطينيين أراضي الضفة الغربية لم يطبق ولم يعد ساري المفعول، وهذا ينطبق على ضم الأردن للضفة في عام 1950 الذي لم يعترف العالم به وتخلى الأردن عنه في قرار فك الارتباط في عام 1988. كما يستند هذا الرأي على أن اتفاق "أوسلو" الذي يتيح "لإسرائيل" السيطرة على مناطق (ج) وعلى الأقل في هذه المناطق يكتسب البناء شرعية بحكم هذا الاتفاق. وباختصار تتيح توصيات لجنة "ليفي" البناء في أي مكان يرتئي الإسرائيليون حاجة لهم في هذا البناء. كما انها ترفض استخلاصات لجنة "ساسون" بعدم قانونية قسم كبير من البناء في المواقع العشوائية، وأوصى المستوطنين والحكومة بترتيب أوضاع البناء والالتزام بقواعد القانون.
"الحكومة الإسرائيلية" في حينه لم تسارع إلى تطبيق هذه التوصيات خوفاً من رد الفعل الدولي على أي قرار أو موقف بهذا الشأن، ولكنها رأت فيها موقفاً صحيحاً يمكن اعتماده ووضعه في الأدراج إلى حين تتاح الفرصة للتنفيذ. ويبدو أن الفرصة مرتبطة بموقف إسرائيلي يقضي بوقف المفاوضات وتحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية عن فشلها علماً بأنه في تموز 2012 عندما قدمت اللجنة توصياتها لم تكن هناك مفاوضات بين الجانبين. الآن تشعر حكومة نتنياهو أن يدها طليقة في تطبيق استنتاجات لجنة "ليفي" بل والذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك. والموضوع على درجة كبيرة من الخطورة وبحاجة لمواجهة جدية.
لا يعقل أن نبقى صامتين على الممارسات الإسرائيلية حرصاً على عدم إغضاب واشنطن التي على ما يبدو تخلت عن دورها بعد خطئها الكبير في قيادة عملية بدون تحضير جيد وبدون رغبة أو قدرة على ممارسة ضغوط جدية على "إسرائيل". وإذا كان الموقف الذي يولي المصالحة الوطنية الأولوية في هذه الأيام فمن المفروض ان تكون خطواتنا الأولى بعد إنجاز حكومة التوافق الوطني التوجه فوراً إلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية التخصصية. ومن المهم بعد الاعتراف بفلسطين في الجمعية العامة أن نحصل على اعتراف مجلس الأمن عل الأقل الحصول على تأييد تسعة أعضاء على الأقل حتى لو استعملت الولايات المتحدة حق النقض، فلا يمكن أن تستمر في استخدامه طوال الوقت، هذه عملية تراكمية ينبغي عدم التراجع عنها لوضع "إسرائيل" في موقعها الذي تستحق كدولة محتلة تمارس القمع لشعب آخر وجرائمها ليست أقل من نظام تفرقة عنصرية.