مما لا شك فيه ان توقيت عملية "باب حطة" هو العامل الأبرز في جوانب أهيمتها وحدوثها، واختيار المكان هو الجانب الأهم في أهدافها ورسالتها، فالعامل الزمني، جاء في خضم نشوة بنيامين نتنياهو بقطع مسافات في مسار التطبيع مع بعض الأنظمة العربية من جهة، ومن جهة أخرى انشغال الفلسطيني بأزمة تفشي وباء كورونا وسبل الوقاية منه، ووسط ممارسات الاحتلال المستمرة والتهويد والسيطرة على القدس والتطبيق العملي لضم مناطق في الضفة المحتلة، إلى جانب استغلال حالة الهدوء المؤقت مع قطاع غزة، وأمام كل هذه العوامل والمؤثرات جاءت العملية الفدائية في القدس المحتلة لتضرب من جديد أوهام الاحتلال بأنه أشغل الشبان الفلسطينيين عن قضاياهم الوطنية، هذا من جانب والجانب الأخر فإن العملية نسفت كل إجراءات المنظومة الأمنية الإسرائيلية لتؤكد للإسرائيلي أن سبل التطويع لم تجدي نفعا أمام الفكر المقاوم.
تركزت توقيت العملية الفدائية في لحظة إسرائيلية صعبة يمر بها نتنياهو شخصيا، من خلال ملفات الفساد التي تتسع دائرة وإعداد الأشخاص القريبين منه المتورطين بها وتضيق الخناق عليه، وسياسيا بفشله حل قضية الموازنة والذهاب لانتخابات رابعة في أقل من سنتين، فأن هذه العملية ربما تدفع الناخب الإسرائيلي البحث عن بديل لنتنياهو يحقق له الأمن، بعد فشل الأخير في ضخ كل أوراقه من أجل جلب الأمان للمستوطن الإسرائيلي إلا أنه فشل.
واستشهد مساء أول من أمس الشاب محمود كميل من بلدة قباطية جنوب جنين بالضفة الغربية المحتلة، عقب تنفيذه عملية إطلاق نار خارج باب حطة -أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك- أصيب فيها عنصر من شرطة الاحتلال بجروح تراوحت بين الطفيفة والمتوسطة.
توقيت العملية:
توقيت العملية يفتح معركة القدس ومستقبلها على مصراعيها خصوصا في ظل التمهيد والحراك الذي تقوده بعض الدول لإحياء عملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن السلطة الفلسطينية تعول على رئيس البيت الأبيض الجديد بعقد مؤتمر دولي للسلام، جاءت هذه العملية كرسالة داخلية بأن الشباب الفلسطيني المقاوم لن يتعايش مع محتله وجلاده، وأن عمليات "السلام" هي كلام على ورق لم يتبناها العدو عمليا، لذلك أن القوة ومزيد من القوة هي من تحفظ كرامة الفلسطيني وأرضه ومقدساته.
غير أن العملية جاءت كرد طبيعي على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، وخاصة المسجد الأقصى، وما تعرضت له الكنيسة الجثمانية في محاولة لحرقها من قبل مستوطن قبل أسبوع على الأكثر، إضافة ما تقوم به بلدية الاحتلال من إخطارات هدم، وكذلك مصادرة أراض لتوسيع الاستيطان في الضفة المحتلة، ليقدم الشاب الفلسطيني محمود كميل بالاشتباك مع شرطة الاحتلال في أدق نقطة أمنية لها.
مكان العملية:
واختيار القدس وأبواب المسجد الأقصى هدفا، يعطي فكرة عن أهمية الرسالة التي أوصلتها هذه العملية، لذلك بعد دخول المطبعين الجدد إلى المسجد الأقصى مطبعين مباركين لهذا الاحتلال احتلاله، فكانت الرسالة بأن أبواب القدس يجب دخولها محررين منتصرين لا مطبعين، وأن البوصلة العربية والإسلامية يجب أن تكون للقدس والمسجد الأقصى والمقدسات بشكل عام، لا "لتل أبيب" وشواطئ يافا وحيفا، فكان العملية أعاد تصوب الأمور في زمن التطبيع والتيه العربي.
لذلك إن معادلة الزمن والمكان جزء أصيل في العملية أنه لن تكتفي بالتحليلات، لأن العمل ذات هنا أيضا هو الأهم، فإن الحركة الدرامكية بحدوث العميلة هي من خلقت حالة الحديث عن العملية ورسائلها، وفتحت أبواب التساؤل عما ستؤل إليه الأمور في ما بعد.
إذا وأمام مشهد العملية في باب حطة ومشهد قطعان المستوطنين في حوارة وفي المناطق التي يعربدون فيها، علاقة جدلية عكسية إذا زاد الأول نقص الثاني وإذا قل الأول زاد الثاني، لذلك إن توجيه الجماهير وإذكاء الوعي حول هذه النقطة، من أجل صقل مقاومين جدد وتجارب اشتباك شعبية جديدة من أجل القضاء على عربدة المستوطنين وكنسهم من الأراضي المحتلة.
الضفة على برميل بارود
المحلل السياسي، حسن لافي، أكد أن عملية باب حطة جاءت لتدلل على فشل الإستراتيجية الإسرائيلية في كي وعي الأجيال الفلسطينية الشابة وتحويلهم لجيش من العمال في كيان الاحتلال خال من أي مضمون وطني عقدي، معتمدة بذلك "اسرائيل" على التنسيق الأمني وتفعيل دور الإدارة المدنية في الضفة الغربية واتفاقيات التطبيع والضائقة الاقتصادية الفلسطينية.
وأشار لافي، أن عوامل الانفجار في الضفة الغربية في وجه الاحتلال ما زالت قائمة، وبل تزداد مع ازدياد الاستيطان والتهويد وسرقة الأرض الفلسطينية في الأغوار وزيادة نفوذ دولة المستوطنين في القدس والضفة الغربية، وحالة الرفض الشعبي للتنسيق الأمني الذي لا يخدم إلا القائمين عليه.
وأوضح أن الاحتلال يتعامل منذ فترة مع تلك العمليات الفدائية من خلال سياسة العقاب القاسي للبيئة الحاضنة لمنفذ العملية دون الذهاب إلى عقاب كافة مناطق الضفة الغربية، كمحاولة لقتل حالة النموذج والإلهام الذي يمثلها منفذي العمليات الفدائية، ولكن من الواضح أن تلك الإستراتيجية فشلت والدليل استمرار الشباب الفلسطيني بتنفيذ العمليات الفدائية في ظل ترحيب شعبي وجماهيري واسع.
إبراهيم أبوصفية -