إبراهيم أبو صفية
_ عملية باب حطة تهدف للقضاء على سياسة "الوضع القائم" وتنذر لانتفاضة شعبية شاملة
_ عملية باب حطة تفشل المخططات الصهيونية في القبضة الأمنية على القدس
_ عملية باب حطة تتجاوز الخطوط الحمراء الصهيونية وتضرب القبضة الأمنية
_ عملية باب حطة تثبت إمكانية ضرب أي تفاهمات بشأن الأقصى مع المطبعين الجدد
_ عملية باب حطة جاءت بعد التيه في موجات التطبيع لتعيد البوصلة إلى القدس
_ عملية باب حطة رد طبيعي على العدوان الإسرائيلي وحق أصيل لأصحاب الأرض وفق القوانين الدولية المعاصرة
لم يترك الاحتلال وسيلة أو أسلوبا إلا وقد استخدمه في تهويد القدس المحتلة بشكل عام، وسيطرته الأمنية على المسجد الأقصى بشكل خاص، وذلك خدمة لما تسمى " سياسة الوضع القائم"، والذي ينظر إليها الإسرائيليين على أنها تحقق رؤيتهم في تهجير محيط المسجد الأقصى، وتهويد المسجد نفسه وذلك من خلال زيادة عدد المقتحمين إلى باحاته وإقامة صلوات تلمودية وصولا لتحقيق الهدف الأساسي وهو إقامة "الهيكل المزعوم".
وإن تمسك الاحتلال في سياسية "الوضع القائم"؛ لأنها تفصل بين ما يقوم به الاحتلال في القدس والبلدة القديمة عن وضع المسجد الأقصى، إذ لا يمكن أن يبقى المسجد الأقصى على حاله في الوقت الذي يتم تهويد محيطه المباشر، فبالتالي فإن "الوضع القائم" ذلك يتغير بتصاعد عملية التهويد والتهجير في محيط المسجد الأقصى.
فأن عملية باب حطة جاءت لتطلق النار ليس فقط على شرطة الاحتلال الذين هدفهم هو خدمة سياسة "الوضع القائم" بل على السياسية نفسها، وكذلك على مستقبل هذه الرؤية وحالة التواطؤ التي أصبحت تخدم الاحتلال بشكل كبير خصوصا بعد موجات التطبيع الأخيرة، وزيارة المطبعين مناطق السيطرة الإسرائيلية في القدس والمسجد الأقصى.
وقال المحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي، عامر خليل، أن عمليتي الأمس الأثنين، واللتين أدين إلى مقتل مستوطنة في شمال الضفة الغربية المحتلة وعملية باب حطة في القدس المحتلة، تشيران إلى حالة من الغليان في الشارع الفلسطيني، وحالة من الاستعداد إلى إمكانية أن تنفجر الأوضاع وصولا للانتفاضة الشاملة.
ولفت خليل، أن ممارسات الاحتلال المتعلقة بقهر الإنسان الفلسطيني والاستيلاء على أرضه، وتدمير حياته سواء بالقتل أو بهدم منزله أو بالتضييق عليه، إضافة إلى قتل الطفولة الفلسطينية كما حدث في قتل الطفل الفلسطيني علي أبو عليا قبل أسبوعين، وكذلك أيضا السماح لعشرات المستوطنين اقتحام المسجد الأقصى بشكل متوالي، كل ذلك يثير الغضب والانتفاض.
وأشار إلى أن الفلسطيني هو غير متوقف عن نضالاته، فأن مع كل مصادرة أرض جديدة نشاهد ملحمة شعبية جديدة تشتبك مع الاحتلال، مثلما حدث في كفر قدوم وبورين وبلعين وغيرها من القرى التي تشتبك أسبوعيا مدافعة عن الأرض والإنسان، وأنها يمكن أن تؤهل إلى إنفجار الأوضاع في الضفة والقدس.
وحول تعليق الإعلام الإسرائلي على عمليتي أمس، قال خليل، أن الإعلام الإسرائيلي عنون صفحاته، وتصدرت نشرات قنواته الإخبارية، أخبار العمليات وتفاصيلها، وخصوصا أنه تطرق لطبيعة التطور الذي أحدثته عملية باب حطة وهو استخدام السلاح الآلي، وهذا التطور أقلق الأوساط الأمنية الإسرائيلية؛ لأن هذا السلاح يمكن تصنيعه في الضفة المحتلة.
وأضاف، أن الإعلام الإسرائيلي أشار إلى إمكانية أن تكون هاتين العمليتين، بابا لتغيير المشهد في الضفة والقدس، وموجة لعمليات جديدة، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيين بسبب الاحتلال وبطشه وتضيقاته، وكورونا.
وأوضح أن في بداية هذا العام قُتلت مستوطنة، والأمس حصلت عملتين وقُتلت أيضا مستوطنة، واستخدام سلاح متطور، وهذا أعطى إشارات خطيرة لقادة الاحتلال أنه من الممكن أن تنفجر الأوضاع، وأن سياسية نتنياهو القائمة على التسهيلات والسلام الاقتصادي لم تجدي نفعا في حفظ الأمن.
اشتبك الشهيد محمود كميل وأطلق النار على عناصر شرطة الاحتلال عند باب حطة، متجاوزا كلّ الخطوط الحمراء، منتفضا على سياسة "الوضع القائم" المفروضة صهيونياً في المسجد الأقصى المبارك، ويقول الكاتب عز الدين إبراهيم أن هذه السياسة تجعل الاحتلال يَحتكِرُ القرارَ في تغييره متى شاء وكيف شاء. وإنّ مقولة "الوضع القائم"، أي عدم قيام "إسرائيل" بإجراءات أحادية الجانب تُغيّر من وضع المسجد الأقصى عما كان عليه قبل 1967، وهمٌ كبيرٌ، فما تقوم به "إسرائيل" هو عملية تهويد مستمرة بفرض حقائق على الأرض. بينما يبقى الدور الوحيد الذي تقمصه الفلسطيني في تلك العملية هو أن يكون داعياً للحفاظ على "الوضع القائم" الذي لا وجود له وليس لهم قرار فيه.
وأشار عز الدين إبراهيم إلى رؤية "روني ألشايخ"، مسؤول لواء القدس السابق في الشاباك، والذي يعتبر نفسه خبيراً بالقدس وأهلها، القائمة على تشييد جهازٍ معقدٍ للسيادة من خلال منظومة أجهزة للمراقبة والتعقب تتكون من كاميرات ذكية وبوابات كشف المعادن المرئية، والأهم من ذلك أجهزة كشف المعادن المخفية في الأرضيات (وهذا هو سبب قيام العدو بحفر الأرضيات)، بحيث يمكن تعقب ومراقبة كل داخلي المدينة والمسجد، كل ذلك مربوط بقاعدة بيانات استخبارية. بشكل فعلي، كان يجري تحويل القدس والمسجد الأقصى المبارك إلى معبرٍ واحدٍ كبيرٍ.
وأضف عز الدين إبراهيم في مقاله "الإرادة سلاحاً (1): الدخول من باب حُطة مرتين" أن خطة "ألشايخ" تتكامل مع عمل "يورم هليفي" قائد لواء القدس في الشرطة الصهيونية، الذي تقوم رؤيته القمعية في القدس، على ضرورة أخذ "مخاطرات محسوبة في المجال الأمني"، وتعميق اختراق المجتمع المقدسي عبر بعض قياداته المحلية (المخاتير ومدراء المراكز الجماهيرية)، وخلق تواجد شُرطي دائم في قلب الأحياء المقدسية، من خلال بناء مراكز للشرطة تحتوي على مجمع للخدمات البلدية،
وأشار إبراهيم إلى أن في عام 2017 كانت سرعة وحدّة الرفض الشعبي المقدسي للواقع الجديد والذي صار عنوانه "البوابات الالكترونية"، هي العامل الحاسم في إفشال المشروع في بدايته. وهذا الموقف الشعبي هو الذي قطع الطريق على تفاهمات سياسية كان العدوّ يعوّل عليها مع الأردن وامتداداته الرسمية في القدس، والذي جرّب موقفه من موضوع الكاميرات قبل سنتين. ولكن الموقف الشعبي وسرعة التحشيد وكثافته وصولاً إلى حالة احتجاج شعبي واسع واعتصام على أبواب المسجد الأقصى وخاصة باب الأسباط أفشلا المشروع في مهده.
فأن عملية باب حطة أمس، هي امتداد لعملية أولاد العم جبارين عام 2017 والرفض الشعبي للبوابات الإلكترونية، وخصوصا أنها تجاوزت القبضة الأمنية التي أسست لها أبحاث وخطط على مدار السنين الطويلة، وأفشلتها بإدخال معدنا قاتل، وتنفيذ اشتباك مع عناصره المنتشرة على بوابات المسجد الأقصى.
ومن الممكن أن هذه العملية أن تؤهل الفلسطيني من جديد لضرب أي تفاهمات قد يعقدها الاحتلال مع المطبعين الجدد، وخصوصا في ظل الحديث عن إمكانية تغيير الوصاية على المسجد الأقصى من الأردن إلى السعودية.
وبدوره علق الكاتب ثابت العمور، أن في ظل التيه الذي يعصف بالقضية الفلسطينية وخصوصا بعد موجات التطبيع، جاءت عملية باب حطة تعيد البوصلة إلى القدس.
وأضاف كلما تلاشى الصراع وتحسس البعض من تدينه يصعد احد الرماة الى رأس الجبل ويرميهم بسكينه او بكارلو أو يدعسهم، مؤكدا أن كل دروب التطبيع وأصحاب نظريات السلام تائه إلا درب القدس.
وبين، أن الاشتباك مع العدو لا يحتاج لتنظير ولا حسابات ولا براغماتية ولا قدرات وإمكانيات إذا صدقت النوايا.
ولفت إلى أن الذين ينتظرون استقامة الموازين المختلة، يثبت لهم الشهداء أنهم قادرون على وقف المهزلة، وإعادة النجوم إلى مداراتها وحركة التاريخ إلى اتجاهها الصحيح، ووحدة الدم سيهزم السيف".
وفي ذات السياق، قال الكاتب زياد بحيص، إن الاحتلال الصهيوني للمسجد الأقصى هو العدوان الدائم الجاثم على صدره، وشرطة الاحتلال على أبوابه هي قوات معتدية على قدسيته ليس لها الحق في الوجود، واستهدافها هو رد طبيعي على العدوان وحق أصيل لأصحاب الأرض، وهذا أمر لا خلاف فيه حتى في القانون الدولي المعاصر.