تخوض قوى المقاومة والتيارات الإسلامية والقومية والجهادية في المنطقة معركتين متزامتين: الأولى تتعلق بالقضية الفلسطينية والسعي الأمريكي- الإسرائيلي لتصفيتها وتكريس التطبيع بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني، والثانية معركة مواجهة الإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يعتبر إضافة لرمزيته الدينية المقدسّة، كونه رمزا من رموز المقاومة والتحرر في الأمة في مواجهة الاستعباد والظلم والقهر والعبودية، وهو الداعي للجهاد والمقاومة والتحرر الإنساني.
وفي هاتين المعركتين الهامتين، إلى جانب المعركة العسكرية والأمنية ضد المشروع الأمريكي- الصهيوني، تشكل معركة الوعي والمعركة الثقافية والحضارية والفكرية أحد أهم الأسلحة التي ينبغي اللجوء إليها والاستعانة بها في هذه المرحلة الخطيرة.
فكيف يمكن خوض هذه المعركة اليوم؟ وما هي الأسس التي يمكن الارتكاز عليها في هذه المعركة الخطيرة وفي هذه المرحلة الصعبة؟
كي نستطيع تحديد طبيعة هذه المعركة والأسس التي يمكن اعتمادها من قبل القوى المقاومة، لا بد من التعرف على الكيفية التي يدير عبرها العدو الصهيوني معركة الوعي.
بعض المتخصصين بالشؤون الإسرائيلية ومتابعة الأوضاع داخل الكيان الصهيوني يؤكدون أن العدو الصهيوني يركز في السنوات الأخيرة بشكل كبير على معركة الوعي إلى جانب المعارك الأمنية والعسكرية، وهو أنشأ أجهزة ومراكز دراسات ومؤسسات خاصة من أجل خوض هذه المعركة، وهذه المراكز تتبع الأجهزة العسكرية والأمنية، إضافة لإشراف مؤسسات القرار الفاعلة في الكيان الصهيوني على هذه المراكز والتعاون معها في إدارة المعركة السياسية والإعلامية.
وحسب هؤلاء المتخصصين، تركز هذه المراكز على عدة نقاط أساسية ومنها: تشويه صورة المقاومة لدى الرأي العام العالمي وحتى في الأوساط العربية والإسلامية، ودراسة كل العوامل المؤثرة في هذه البيئات والعمل من أجل تعزيز الانقسامات المذهبية والمجتمعية والسياسية، وإضعاف الإيمان والقناعة بقدرة وقوة المقاومة والتقليل من قيمة القدرات الأمنية والعسكرية لدى قوى المقاومة، والعمل من أجل اختراق مختلف البيئات والاستفادة من الاختلافات السياسية والمذهبية أو الاجتماعية من أجل خرق هذه المجتمعات، وتغيير القناعات والآراء من أجل تسهيل عمليات التطبيع وتحويل المعركة نحو أعداء آخرين يتم اختراعهم عبر استغلال الخلافات السياسية، كما يحصل بشأن تحويل الصراع ضد إيران كبديل عن المعركة ضد العدو الصهيوني، واستغلال الأخطاء التي تحصل لتخويف الشعوب العربية والإسلامية من بعضها البعض.
ويؤكد هؤلاء المتخصصون أنه في السنوات الأخيرة ازداد اهتمام المؤسسات الإسرائيلية الأمنية والعسكرية والسياسية والبحثية بمعركة الوعي، وهم يستفيدون من كل الانقسامات والتوترات والأحداث الحاصلة في الدول العربية، ويضاف لذلك تشويه صورة العرب والمسلمين بسبب انتشار التنظيمات العنفية والمتشددة والربط بين الإرهاب والمقاومة، أو بين الإرهاب والعرب والمسلمين والإسلام.
وبناء على كل هذه المعطيات، يؤكد هؤلاء المتخصصون على أهمية معركة الوعي التي تخوضها قوى المقاومة أو مختلف التيارات الإسلامية والقومية اليوم، سواء لمواجهة معركة التطبيع وتنفيذ صفقة القرن، أو إعادة التصويب على معركة الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والتي تستهدف إثارة المجتمعات العربية والإسلامية ودفعها لردود فعل عنفية تغير مسار المعارك القائمة اليوم، ومن هنا أهمية الكيفية التي ينبغي اعتمادها للرد على هذه الإساءات وعدم الانجرار إلى العنف، وفي المقابل الاستمرار في مواجهة معركة التطبيع والاهتمام بالقضية الفلسطينية. وقد يكون الدمج بين هاتين المعركتين أمر مهم، نظرا لأهمية الدفاع عن الرسول والمقدسات الإسلامية في الوجدان العربي والإسلامي، بالتزامن مع أهمية الدفاع عن القدس والقضية الفلسطينية.
إذن نحن أمام معركة هامة وأساسية على صعيد الوعي العربي والإسلامي، ولذا يجب اعتماد استراتيجيات متكاملة في خوض هذه المعركة من خلال التركيز على نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف، ورفض الانجرار إلى معارك جانبية أو وهمية، والبحث في النقاط المشتركة بين مختلف التيارات والقوى المقاومة والمخلصة، وعدم السماح للاتجاهات المتطرفة والمتشددة بتحويل الصراع إلى صراع ديني أو قومي أو عرقي أو مذهبي، بل جعل العنوان هو التحرر والمقاومة، سواء باتجاه القوى الاستكبارية والاستعمارية في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، أو مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة والقوى المتحالفة أو المطبّعة معه.
وعلى ضوء ذلك يجب البحث عن القواسم المشتركة بين كل القوى التي تواجه المشروع الصهيوني- الأمريكي، وفي الوقت نفسه الرد على الإساءات التي تستهدف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالوسائل والطرق المؤثرة، دون الانجرار إلى العنف والتطرف. وإن الربط بين هذه القضايا في هذه المعركة يشكل عنصر قوة لقوى المقاومة والتحرر، ورفض الإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم يعني رفض الإساءة لكل المقدسات الدينية، وهذه معركة تخص كل الأديان في مواجهة التيار الصهيوني العالمي الذي يسعى لضرب الأديان السماوية وتشويهها.
نحن إذن أمام معركة مختلفة وتتطلب الكثير من الوعي والمعرفة والتخطيط، وفيما العالم يشهد تغيرات مهمة سياسية وفكرية واستراتيجية واقتصادية وعلمية، على قوى المقاومة والتيارات الإسلامية والقومية والتحررية في بلادنا أن تدرك خطورة ما يجري، والتخطيط لإدارة هذه المعركة بعقل جديد والاستفادة من كل دروس المرحلة الماضية، بالإضافة إلى مراقبة ما يقوم به الكيان الصهيوني وحلفاؤه؛ كي نبتعد عن الأخطاء ونجمع نقاط القوة ونعالج الثغرات في واقعنا العربي والإسلامي.