أيّاً كانت أسباب كارثة لبنان، ومنها إمكانية قيام الدولة الصهيونية بالتفجير، فإنه من الواضح أن النتائج المؤسفة للتفجير أثبتت أوليّاً، أن الإهمال كان سبباً في اتساع دائرة كوارثها، سواء في عدد الشهداء أو الجرحى أو المفقودين، أو المشردين. ووفقاً للخبراء فقد جرى تقييم الانفجار بأنه الانفجار العالمي الثاني في قوّته بعد تفجير هيروشيما.
إن شعب لبنان الذي ينتقل من كارثة إلى أخرى منها الحرب الأهلية اللبنانية، وعدوانان صهيونيان كبيران عام 1982 و2006 هو شعبٌ حيّ، فقد أعاد إعمار بيروت بعد كل كوارثه. ويُشهد له أنه قام للعمل بعد ساعات قليلة من الكارثة، وقامت مئات الفرق، التي جرى تشكيلها؛ لتنظيف الشوارع والبيوت، وجرى التبرّع بالمواد الإغاثية: طعام وملابس ومعدات صحيّة وغيرها. والأهم، الآلاف من الهواتف التي أعلن أصحابها على وسائل التواصل الاجتماعي، وبكل الطرق الممكنة، عن استعدادهم لإيواء من تضرّرت بيوتهم في منازلهم.
الكارثة كانت عابرة للطوائف، وأثبت شعبنا اللبناني العربي الأصيل وحدته في الملمّات والشدائد. من جانب آخر، لا بدّ من الإشادة بالتضامن المعنوي والمادي العربي والإسلامي وبعض الدولي، الذي ظهرَ منذ اليوم الأوّل، ويسجّل للإمارات العربية المتحدّة أنها كانت السبّاقة لدعم الشعب اللبناني الشقيق، فكانت طائرتها أوّل طائرة مساعدات، و30 طنّاً من الإمدادات الطبية تحطّ في مطار بيروت بعد ساعات قليلة من الكارثة، لحقتها طائرة ثانية بعدها بدقائق وعليها تجهيزات مستشفى ميداني، فتم إنشاء أوّل مستشفى ميداني إماراتي في داخل مستشفى الرّوم بعد ساعات، وبعدها تواصلت مساعداتها والدول الأخرى إلى لبنان.
ولأن شعبنا العربي الفلسطيني، يعاني من مجازر الاحتلال الصهيوني وحرب الإبادة الجماعية منذ ما يزيد على قرن، بداية على أيدي المنظمات الإرهابية الصهيونية، ثم على أيدي الدولة المنشأة قسراً عام 1948، شارك آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر، وفي مدن الضفة الغربية، في وقفات تضامنية مع الشعب اللبناني الشقيق على مدى يومين، وجرت حملات تبرّع بالدّم شارك فيها الآلاف بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني ومستشفى ناصر. ذلك، وفقاً لمركز الإعلام الفلسطيني، وعبّرت الشخصيات الفلسطينية عن وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني، وتسخير كل الإمكانات والطاقات لدعمه.
رئيس بلدية خان يونس أكد «أن الاستجابة السريعة لمؤازرة أهلنا في لبنان، جاءت تأكيداً على مكانة لبنان لدى شعبنا، هذا البلد الذي احتضن الشعب الفلسطيني في رحلة لجوئه، واحتضن قيادة شعبنا، وقدّم الدعم الواسع لنا ولا يزال»، وتابع: «تألمنا كثيراً لما حدث، وتداعينا على الفور للبدء بتنظيم حملة التبرع بالدم، وبعمل شيء قليل مقارنة بحجم الكارثة؛ للتأكيد على أن لبنان كما باقي الدول العربية تعدّ عمقنا العربي، ولم ولن نتخلى عن هذا العمق».
الكارثة بأسبابها لا تزال مجهولة، بحاجة إلى لجنة تحقيق شفّافة، دون ضغوط سياسية أو طائفية أو مذهبية؛ لتقدم لجماهير شعبنا في لبنان، وعموم أمتنا العربية والعالم أجمع، الأسباب الحقيقية وكلنا متعطشون لمعرفتها. فلا يمكن استسهال حياة البشر، ومستقبل لبنان برمته.
كان لبنان وسيظلّ قويّاً، وسيعود، فهو كطائر العنقاء يحلّّق في الأعالي، بهمة رجاله ووقوف جميع الأشقاء بجانبه. مع التأكيد على أهمية التضامن وتقديم المساعدات الماديّة والمعنوية للبنان العروبة والمقاومة والإباء والوفاء.
في نكبته نردد مع محمود درويش ما قاله في بيروت: بحرٌ لأيلولَ الجديدِ. خريفُنا يدنو من الأبوابِ... بحرٌ للنشيدِ المرِّ. هيَّأنا لبيروتَ القصيدةَ كُلَّها. قُلنا لبيروت القصيدةَ كُلَّها.. قلنا لمنتصفِ النهارِ: بيروت قلعتنا.. بيروت دمعتُنا ومفتاحٌ لهذا البحر. بيروت قصَّتُنا.. وبيروت اختبارُ اللهِ.