Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الصهيونيّة والضمّ.. نقاش داخليّ بالكيان

وكالات - فلسطين المحتلة

نشر مركز مدى الكرمل، الذي يتخّذ من مدينة حيفا مقرًّا له، مقالًا بعنوان "أوجه الشبه بين الكولونياليّة الصهيونيّة والكولونياليّة الأوروﭘـيّة"، لكاتبه شفير ﭼرشون وهو عالِم اجتماع يهوديّ إسرائيليّ وأستاذ في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو، ترجم المقال وقدّمه أنطوان شلحت.

يقول شلحت إنّ "أهمّ خلاصة يتوصّل إليها شفير في هذه المقالة، وفي كتابه عمومًا، تتمثّل في أنّ الحركة الصهيونيّة، ومنذ البدايات الأولى لمشروع الاستيطان اليهوديّ في فلسطين، احتقنت بطابع استعماريّ- كولونياليّ إزاء الفلسطينيّين سكّان البلد الأصلانيّين، وقام شلحت في مقدّمته بتقديم طرح حول انقسام الباحثين الإسرائيليّين في طريقة تعاملهم مع العقيدة الصهيونيّة، معدّدًا منهم من تعامل مع الاستيطان اليهوديّ كحركة كولونياليّة، ومن تنكّر بشكل صارم لأيّ جانب كولونياليّ حول الاستيطان اليهوديّ المبكّر قبل 1948 وحتّى 1967. وفي توطئة مقاله نرى طرحًا مشابهًا على يد شفير، قبل أنْ يدّعي "أنّ هناك شبهًا مبدئيًّا، وإنْ كان هناك اختلاف مُعيّن، بين الاستيطان الصهيونيّ وسيرورات الاستيطان الكولونياليّ الأوروبي في ما وراء البحار"، و"أنّ التغيُّرات التي طرأت على المجتمع الإسرائيليّ بعد عام 1967 لا ينبغي فهمها بوصفها انتقالًا من مجتمع صهيونيّ-اشتراكيّ إلى مجتمع يمينيّ-كولونياليّ، بل بوصفها استمرارًا طبيعيًّا للمشروع الكولونياليّ (الصهيونيّ)، عبْر الانتقال من شكل استيطانيّ معيّن إلى شكل آخر".

ولفت شلحت إلى أنّه بحث الفصل الخامس في أنماط الاستيطان الكولونياليّة في فترة ما بعد عام 1967، بالمقارنة مع تلك الأنماط من الفترتين العثمانيّة والانتدابيّة، ويبحث في إسقاطات هذه الأنماط الجديدة على طابع المجتمع الإسرائيليّ، وهو يرى أنّ فترة ما بعد عام 1967 تميّزت بالراديكاليّة، بعد أن ظهرت أنماط جديدة من الاستيطان هي "الصهيونيّة الجديدة" التي انقسمت إلى تيارين: أحدهما يؤيد نموذج المستعمرة طاهرة، والآخر نموذج مستعمرة المَزارع. من جهة أخرى، وكردّ مضاد ظهر تيار "ما بعد الصهيونيّة" في أوساط أجزاء من حركة العمل وحركات أخرى، والتي طالبت بمساواة حقوق المواطن في إسرائيل بين العرب واليهود، على حدّ تعبيره.

كلام الأستاذ الجامعيّ اليهوديّ-الإسرائيليّ يؤكِّد لكلّ من في رأسه عينان أنّ الحركة الصهيونيّة هي حركة استعماريّة وعنصريّة بامتياز، لا تتوقّف مطامعها عند حدود فلسطين التاريخيّة، بل تتعدّى ذلك إلى الوطن العربيّ، أيْ السيطرة على أكبر قدرٍ من الأراضي العربيّة، إنْ كان مُباشرًا أوْ بشكلٍ التفافيٍّ، ليس لأنّها "تهوى" السيطرة، بلْ لأنّها تسير وفق ما وضعه أقطابها منذ تأسيسها؛ إذْ أنّها تتصرّف كالإخطبوط، وتتغلغل في أيّ بُقعةٍ في العالم، مُستغلّةً علاقاتها الوطيدة مع رأس الأفعى؛ الولايات المُتحدّة الأمريكيّة ودول النفاق الأوروبيّ التي بـ"معارضتها" لسياسات كيان الاحتلال الإسرائيليّ لا تُسمِن ولا تُغني عن جوع، وعُلاوةً على ذلك، تستثمر الحركة الصهيونيّة التي كانت الأمم المُتحدّة قد ساوتها بالعنصريّة، تستثمر حالة الذُلّ والهوان التي تعصِف بدول الوطن العربيّ، وعلى نحوٍ خاصٍّ دول الخليج التي تتسابق فيما بينها، وأحيانًا بصورة الاستجداء، للتطبيع مع الكيان، مُتناسيةً عن سبق الإصرار والترصّد أنّ إسرائيل أُقيمت على الأرض الفلسطينيّة، وأنّ شعبها قد هُجِّر وشرِّد في أفظع جريمةٍ ارتُكبت على مرّ التاريخ، وبالتالي فإنّ التعويل على حُكام السواد الأعظم من الدول العربيّة لإنقاذ القضيّة الفلسطينيّة العادِلة لا يُعوَّل عليها بتاتًا.

والآن ينشغِل العالم بالخطوة الإسرائيليّة المُرتقبة في الفاتح من شهر تموز (يوليو) بضمّ الأغوار وأجزاءٍ واسعةٍ من الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وكالعادة فإنّ سلطة أوسلو-ستان، لم ترتقِ إلى مُستوى الحدث، ولكن يُمكِننا التأكيد أنّ السلطة ما زالت تتبنّى التنسيق الأمنيّ كإستراتيجيّةٍ لمنع "الإرهاب" في الضفّة الغربيّة ضدّ قوّات الاحتلال وسُكّان المُستوطنات، ونرى في هذه العُجالة من الأهمية بمكان التذكير: "نقلاً عن مصادر أمنيّةٍ إسرائيليّةٍ وفلسطينيّةٍ، وُصفت بأنّها رفيعة المُستوى، كشف موقع (YNET)، الإخباريّ-العبريّ، التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، النقاب عن إحباط أجهزة الأمن الفلسطيني في جنين عملية عسكرية كانت موجهة ضد جيش الاحتلال على إحدى الطرق التي يستخدمها بمنطقة جنين بالضفة الغربية المحتلة". وذكر الموقع، نقلاً عن المصادر عينها، أنّ معلومات استخبارية وصلت الأمن الفلسطيني يوم الخميس الماضي بوجود كمية من العبوات الأنبوبية على مقربة من إحدى الطرق التي تستخدمها قوات جيش الاحتلال قرب جنين، فهرعت إلى المكان وضبطت مخبئًا فيه حوالي 30 عبوة أنبوبية ناسفة جاهزة للاستخدام بالإضافة لبندقية جاهزة، على حدّ تعبيرها. وتابع الموقع الإخباريّ-العبريّ قائلاً إنّ عناصر الأمن الفلسطيني شرعوا فيما بعد بعمليات بحث أخرى في المنطقة، وعثروا على مخبأ آخر يحتوي على عشرات العبوات الأنبوبية وبندقية محلية الصنع من طراز "كارلو" وصادرتها. ولفت الموقع إلى أنّه في الوقت ذاته رفض الأمن الفلسطيني الرد على سؤال الموقع حول تحويل المعلومات بخصوص اكتشاف العبوات والأسلحة لجيش الاحتلال، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ إحباط العملية جاء على الرغم من التصريحات الفلسطينيّة الرسميّة بوقف التنسيق الأمنيّ، حيث يقع مكان تنفيذ العملية على خطّ سير قوات الاحتلال خلال قيامها بالاقتحامات الليلة لمنطقة جنين.

وفي إسرائيل كالعادة يتِّم تقسيم الأدوار بين مؤيّدي الضمّ وبين مُعارضيه، ومن خلال مُواكبة ما يجري في وسائل الإعلام العبريّة نرى أنّ النقاش بين الطرفيْن الاثنين ما زال مُستعرًا، وتحديدًا من المسؤولين السابقين في المؤسسة الأمنيّة، حيث يدور الجدال حول منفعة إسرائيل من هذه الخطوة من عدمها، أيْ أنّ الخلاف بين الطرفين هو مسألة داخليّة في الكيان، إذا أنّ أحدًا من هؤلاء الـ"مُعارضين" لا يتطرّق، لا مُباشرةً ولا بصورةٍ غير مُباشرةٍ إلى الحقوق الفلسطينيّة المنهوبة والمسلوبة، ولا أحد يتحدّث عن الحقوق التاريخيّة للشعب العربيّ الفلسطينيّ، إنّهم يُشدّدون في طرحهم على الانتماء لإسرائيل القويّة، العنجهية، المارقة وعلى عظمة جيشها، الذي بحسبهم يقدِر على هزيمة الجيوش العربيّة مُجتمعةً، وبالتالي فإنّ هذا الجدال المُبتذل يؤكِّد مرّةً أخرى أنّ التوجّه الكلّ الإسرائيليّ هو نحو السيطرة على الأراضي الفلسطينيّة التي تبقيّت، ولكن بأساليب لا تجلب الأضرار للأمن القوميّ للكيان، أوْ في المُجتمع الدوليّ، ويُساهِم بحسبهم إلى زيادة عزلة إسرائيل في الساحة الدوليّة.

ونرى أنّ تصريحات حسين الشيخ، المسؤول الفلسطيني عن العلاقات مع إسرائيل وأحد أقرب مستشاري رئيس ما يُسّمى بالسلطة الفلسطينيّة، محمود عبّاس، لصحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكيّة، خطيرة جدًا، وما كان ليُدلي بها دون الحصول على ضوءٍ أخضرٍ من "سيادة الرئيس"، وبالتالي فإنّ أقواله تُمثّل نهج السلطة الاستسلامي ومُواصلة تعويلها على المُفاوضات مع إسرائيل، ووفق الشيخ، وهو أحد أبرز مُهندسي التنسيق الأمنيّ مبين الضحيّة والجلّاد: "نحن لسنا عدميون أوْ حمقى، ولا نريد فوضى"، وأضاف "نحن براغماتيون، ولا نريد أنْ تصل الأمور إلى نقطة اللا-عودة، مؤكّدًا أنّ الضّم يعني عدم عودة العلاقة مع إسرائيل! وتهدف الإستراتيجيّة التي حدّدها السيد الشيخ، كما أكّدت الصحيفة الأمريكيّة، إلى تذكير الإسرائيليين بالأعباء التي سيتحملونها في حالة تفكك السلطة الفلسطينية، وإثبات استعدادهم للسماح للسلطة بالانهيار إذا مرّ الضّم، وقال الشيخ: إمّا أنْ يتراجعوا عن الضم وأنْ تعود الأمور إلى ما كانت عليه، أوْ أنّهم يتبّعون الضّم ويعودون إلى احتلال الضفة الغربية بأكملها، وتابع: إذا تمّ تجريده من إمكانية قيام الدولة، فإنّ السلطة ستقتصر على أداء وظائف مدنية مثل إدارة المدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة، ممّا يجعلها بالفعل عميلاً للاحتلال الإسرائيليّ، ولن أقبل أنّ دوري هو مقدم الخدمة، فأنا لست بلدية أوْ جمعية خيرية، على حدّ تعبيره. خلاصة التصريحات تتلخّص بهذه الكلمات: وقف مخطط الضمّ مُقابِل عودة العلاقات مع إسرائيل، وهنا تكمن الخطورة في موقف السلطة الـ"فلسطينيّة".

في السابع من شهر (يونيو) حزيران، من العام الجاري، تظاهر آلاف الإسرائيليين في مدينة تل أبيب احتجاجًا على مشروع الحكومة ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل بموجب خطة السلام الأمريكيّة التي باتت تُعرف إعلاميًا بـ"صفقة القرن"، ورفع المتظاهرون، من اليهود والعرب، أعلام فلسطين وإسرائيل منددين باحتلال الضفة الغربية وبالمستوطنات غير الشرعية. من جهة أخرى، جاءت المظاهرات الإسرائيلية غداة تنظيم احتجاجات فلسطينية مماثلة بالضفة الغربية رافضة لخطة السلام الأمريكية وضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل، ما لفت انتباهي في المظاهرة التي شارك فيها آلاف من فلسطينيي الداخِل هو يافطة قالت بالحرف الواحد: الضمّ هو نهاية الصهيونيّة، هذا هو ما يُطلَق عليه اليسار الإسرائيليّ، إنّهم يريدون المُحافظة على الصهيونيّة، وبالتالي لا فرق بينهم وبين نتنياهو الـ"مُتطرِّف" إلّا بالتكتيك، ورغم ذلك، ما زال البعض الكثير من العرب والفلسطينيين أيضًا يُعوِّلون على هذا اليسار، الذي لا يختلِف عن اليمين، إلّا بالتسمية، فمَنْ احتلّ الصفّة الغربيّة وأقام المُستوطنات هو الـ"يسار" الإسرائيليّ، الذي بقي في السلطة منذ النكبة في العام 1948 وحتى العام 1977، وهو المسؤول الأوّل والمُباشِر عن المجازر الفظيعة التي ارتكبها الصهاينة بحقّ الشعب الفلسطينيّ.

ملاحظة: لا يُشرّف بالمرّة رفع العلم الفلسطينيّ إلى جانب علم الكيان خلال المُظاهرة التي جرت في ساحة المُجرم رابين