حسن لافي
تعلَّقت عيون الفلسطينيين بشاشات التلفزة الإسرائيلية في الأول من تموز/يوليو؛ التاريخ الذي كان من المفترض فيه أن تبدأ صلاحية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الانطلاق بعملية فرض السيادة الإسرائيلية، من خلال تطبيق القانون الإسرائيلي على أراضي الضفة الغربية والأغوار، بحسب الاتفاق الائتلافي للحكومة الإسرائيلية، في ما يُطلق عليه الإسرائيليون قرارات "الضمّ"؛ المصطلح الّذي يخفي وراءه بشاعة إجرام الاستيطان الإحلالي الصّهيونيّ بحقّ الشّعب والأرض والإنسان الفلسطينيّ.
كان من الواضح أنّ نتنياهو يواجه صعوبات حقيقية أمام تطبيق قرارات الضم، وخصوصاً على طريقة "الشو الإعلامي" الذي يخدم أجندته الشخصية السياسية.
يقف وراء عدم الإعلان الإسرائيلي عن قرارات الضم في الأول من تموز/يوليو، بعيداً من فكرة أنه تم تأجيل قرارات الضم وأن الحكومة الإسرائيلية بأطيافها كافة لم تتراجع عن جوهر المشروع، دوافع متعددة أجبرت نتنياهو على التراجع عن إعلان تنفيذ قرارات الضم في موعدها المحدد.
بادئ ذي بدء، نذكر الموقف الأميركيّ المتردّد والمنقسم حول التوقيت والآليات، مروراً بالموقف المحذّر من التداعيات الأمنية السلبية على علاقة "إسرائيل" بدول التطبيع العربيّ، وصولاً إلى الأزمات الصحّية والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي يعاني منها المجتمع الإسرائيليّ في ظلّ جائحة كورونا، ناهيك بسخونة الجبهة الشمالية الأكثر استراتيجيّة للأمن القومي الإسرائيليّ.
من المهمّ لنا كفلسطينيين في هذا السياق، الإشارة إلى تحذيرات المؤسَّسة العسكريّة من احتمال اشتعال الجبهة الفلسطينية في الضفة وغزة، الأمر الذي عزّزه وجود إشارات ملموسة على أرض الواقع، بدءاً من الموقف السياسي الفلسطيني الموحد الرافض بقوة لتلك القرارات، إضافة إلى موقف فصائل المقاومة التي اعتبرت تطبيق قرارات الضمّ بمثابة إعلان حرب، ناهيك بالموقف الشعبي الَّذي عبَّرت عنه الفعاليات الشعبية والفصائلية في الضفة وغزة، الأمر الذي أنتج وحدة حال فلسطينية تجاه قضية الضم، تشكَّلت رغم كلّ معضلات الانقسام الفلسطيني وتداعياته السلبية.
يبقى التساؤل الرئيسي أمام مشهد وحدة الموقف الفلسطيني ضد مشروع الضمّ: هل سيكتفي الفلسطينيون بعدما تراجع نتنياهو عن إعلان نتنياهو الضمّ أو أجّله، بأنَّ يعتبروا أن معركتهم ضد الضم تكللت بالانتصار؟!
المفترض فلسطينياً أن نعتبر توحّد الموقف الفلسطيني تجاه الإعلان الصهيوني عن الضم انطلاقة فلسطينية جديدة تجاه إعادة الوحدة الفلسطينية على أساس برنامج مقاومة للمشروع الصهيوني برمّته، من منطلق أننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني، ولم نتجاوز بعد هذه المرحلة بكل ما يتطلبه التحرر الوطني من متطلبات سياسية واقتصادية واجتماعية.
بناءً على ما سبق، نعتقد أنّ أمام الفلسطيني 3 مستويات من المواجهة لتحقيق الانتصار الحقيقي على المشروع الصهيونيّ:
المستوى الأول، المواجهة الميدانية المباشرة، من خلال استثمار الرفض الشعبي والرسمي للضم في تفعيل مقاومة شاملة ضد الاستيطان الاحتلالي الصهيوني، في سبيل فرض واقع فلسطيني جديد على الأرض، يمنع الاحتلال من توسعه الاستيطاني، ويعرقل مخطّطاته الإحلالية التهجيرية التدريجية للسكان الفلسطينيين من أراضي الضفة والقدس والأغوار.
وبذلك، على أقل تقدير، تصبح تكلفة الاحتلال والاستيطان باهظة الثمن على متخذ القرار الصهيوني، إضافةً إلى أن مقاومة الفلسطيني ميدانياً ستكون عاملاً حيوياً في إعادة القضية الفلسطينية إلى أولويات سلم الجماهير العربية والإسلامية والدولية، فمن دون حراك فلسطيني مقاوم على الأرض، تصبح مهمة مخططات المشروع الصهيو - أميركي في كيّ وعي الشعوب العربية والإسلامية تجاه "إسرائيل" كدولة طبيعية في نسيج المنطقة أكثر قابلية للتطبيق.
المستوى الثاني، ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني. وهنا، تجدر الإشادة بالحراك الجاري بين حركتي حماس وفتح لتوحيد الجهود الفلسطينية مع الفصائل كافة، في ضوء مشروع الضم الصهيوني، حيث بات من الواضح أنَّ الوحدة الفلسطينية من خلال المواجهة مع الاحتلال، تعتبر المقاربة الأمثل لتوحيد جميع القوى السياسية الفلسطينية، باختلاف مشاربها السياسية والإيديولوجية، على برنامج سياسي جامع يهدف إلى خوض معركة شاملة مع الاستيطان، أساس المشروع الصهيوني، الأمر الذي يساعد الفلسطينيين على الخروج من حالة الاضطراب التوتيري ما بين الثورة والسلطة التي أنتجتها اتفاقيات أوسلو المشؤومة، ما يساهم في إعادة ضبط تعريف المرحلة النضالية الفلسطينية على أنها ما زالت مرحلة تحرر وطني.
المستوى الثالث، يدرك الجميع أنَّ هناك مؤامرة حصار وتجويع وتجفيف منابع المال لكل ما يمكن أن يشكّل دعماً لصمود الفلسطيني على أرضه وتمسّكه بثوابته الوطنية. لذا، إن تعزيز صمود الإنسان الفلسطيني هو اللبنة الأولى في مشروع المقاومة الفلسطينية، وأولوية كبرى في استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني وعدم انكساره، كما يخطط له أعداؤه الكثر.
ويعدّ تعزيز وإعادة الثقة بين الجماهير الفلسطينية ونخبها السياسية والثورية الخطوة الأولى في هذا المسار، من خلال جهد تعبوي ثوري من تلك النخب، مصحوب بممارسات حقيقية على أرض الواقع، لا يمكن لعين المواطن الفلسطيني أن تخطئها، إضافةً إلى انتهاج ما يسمى اقتصاديات الثورة داخل كل أطياف المجتمع الفلسطيني، المبنية على التكافل الاجتماعي، وروح الإخاء الجماعية، والمصلحة العامة، كهدف سامٍ، والمتناقضة مع اقتصاديات الاستهلاك الرأسمالية ورفع المصلحة الفردية الذاتية كقيمة عليا للمواطن الفلسطيني، ولو على حساب القضايا الوطنية الجامعة، وهو ما سعى أعداء القضية الفلسطينية إلى تعميمها خلال السنوات العشرين الماضية، بعدما أوهموا الجماهير الفلسطينية أنها خرجت من مرحلة التحرر الوطني إلى مرحلة بناء الدولة.